"الشايب" في زنزانة الصحافة

حين قرأت مادة الزميل يوسف الشايب "اتهام البعثة الفلسطينية في فرنسا بالتجسس" يوم نشرت ظللت أرجع ببصري إلى اسم الصحيفة لأتأكد أنها "الغد الأردنية" لا غيرها، هذا كان أكثر لافت في الأمر برمّته، وبما أن مصادر الزميل يوسف الشايب غير مصرّح بها؛ كان الأمر عاديا فاتهامات كالمذكورة في التقرير بمثابة خبز يومي نقتات عليه منذ سنوات، ولكن من أين لنا بدليل يعتدّ به أمام القضاء؟ ومن أين لنا بقضاء يعتد به أمام السلطة التنفيذية؟ ومن أين لنا بسلطة تنفيذية تنفّذ أحكام القضاء؟ ومن أين لنا بصورة نجلبها من الذاكرة لمسؤول وراء القضبان لنقول لأنفسنا .." إيه في أمل" .

من توجّهوا بدعوى ضد يوسف الشايب اختاروا اليوم أن يكونوا قانونيين، شكوى فدعوى فنيابة تستجوب ثم تحتجر لثمان وأربعين ساعة ثم تمدد لأسبوعين ثم لمثلها وربما يصل الأمر لعدة أشهر .. قانونيا، ومن جلسة محكمة إلى أخرى ونيابة تطلب التأجيل لجمع الأدلة سيطول الأمر وتثار الجلبة، وفي قلب المشهد مستوى سياسي ممثل بالدبلوماسية الفلسطينية مجسدة بوزارة الخارجية سيضغط بالتأكيد؛ فما قيل في التقرير لو ثبت في نهاية الثمانينيات على فلسطيني لسحل في الضوارع والحواري وعلّق على أطول عامود كهرباء في مدخل أقرب مخيّم.

كل ما يجري مع الشايب قانوني بل يجري بحنبلة قانونية واضحة؛ فنفاذ القانون وخطورة القضية تمنع القاضي من إصدار حكم بالإفراج عن يوسف وبقائه رهن أمر المحكمة ليحضر الجلسات؛ هنا فقط التشدد في قضيته؛ ولا أدري لماذا يصرّون على احتجازه، فلا هو مصدر قلق ولا تهديد لأي كان، ودعوا العدالة تجري في مجاريها ولن يقف الشايب عائقا.

عنوان المشهد بعيدا عن السجال القانوني كالتالي:

يوسف الشايب هو الحالة المواتية التي يريد الكثيرون من خلالها مجابهة الحرية الصحفيّة وحرية الكلمة؛ حالة مثالية كما رأوها ويمكن بالقانون إيقاع الضرر بها حتى قبل قرار المحكمة؛ فلم لا تستثمر؟ ولم لا تستخدم هذه القضية ليقال لكل الصحفيين إنكم تخطئون إن ظننتم أن الحال لديكم أفضل من زملائكم في المحيط العربي – قبل ثورته طبعا-؟، ولم لا يتضح أمام الجميع أن الصحفيين لا يحسنون استغلال وافر حرية التعبير فيكيلون التهم دون دليل؟ وبذلك يبدو واضحا أنهم كمن أعطي ما لا يستحق ومنح ما لا يستأهل.

الأمر بات لدى المحكمة وعلى الكل انتظار " البلادة" المبررة وغير المبررة والمماطلات؛ وبما أن الشهود في فرنسا فمرحبا بسعة الصدر وطول النفس، والنصيحة لمحامي يوسف والمدافعين عنه تتركز في التشديد على إطلاق سراحه مع ضمان حضوره الجلسات واستكمال القضية بكل تفاصيلها؛ فالأمر هنا ليس اختطافا من قبل جهاز أمني وكل محاولة لبتر المسار القانوني للقضية يدين يوسف والصحفيين، وكل محاولة لمكرمة من مسؤول تشمل إطلاق سراحه هي إلى الإهانة أقرب، فيوسف مصرّ على أن لديه الأدلة والبراهين فلم لا تستمر القضية علّنا نضمن براءة الشايب وإدانة الآخرين.

سيحاول الكثيرون لملمة الأمر وما التضخيم في قضية التعويض – 6 ملايين فقط لا غير – إلا لفتح المجال أمام المبادرات لحلحلة الموضوع، وهنا مقتل للصحافة الفلسطينية لو تمّ؛ فإن لم يكن لدى الزميل يوسف الأدلة القطعية فقد أخطأ، وإن كانت لديه فقد حصلنا على نموذج مشرف لصحافة ذات قيمة.

همستان:

الأولى للزميل يوسف: " أما شعرت بشيء غريب حين قرأت مادتك منشورة تعلوها " الغد" الأردنية!

الثانية للسيد سلام فياض: " سأكتب تحقيقا عن قضية الزميل يوسف الشايب ... هل لدي فرصة بالفوز بجائزتك لحرية الصحافة؟"