قمة تأكيد الذات للعراق
منذ عامين لم تعقد القمة العربية دورتها بسبب تداعيات الثورات العربية. ومع ان المعطيات العربية مازالت غير ناضجة لعقد قمة وفق المعايير السياسية والامنية وحتى البروتوكولية، إلا ان القيادة العراقية أصرت ودفعت بما تملك من قوة لعقد القمة على اراضيها، وحصلت على ما تريد، حيث تقرر ان تعقد القمة غدا(الخميس) في التاسع والعشرين من آذار/ مارس الحالي.
القمة العربية الحالية، ليست قمة بالمعنى الدقيق للكلمة. انما هي قمة تصب في صالح مؤسسة النظام العراقي القائم، الذي اراد وبغض النظر عن التكاليف والجهود والاخطار المحدقة بها (القمة) عقدها على اراضية، لتأكيد حضوره السياسي، ولتحقيق مكاسب شكلية لصالح نظام نوري المالكي المنهك نتيجة السياسات العبثية، التي ينتهجها رئيس وزراء العراق الحالي.
لن تكون قمة عربية كلاسيكية كما القمم السابقة! ألم تعقد قمم عربية عديدة بمشاركة عدد محدود من الزعماء؟ أليست كل القمم تتطلب من الدول المضيفة نفقات وتكاليف أمنية ومالية باهظة؟
مما لا شك فيه ان ما أُشير اليه آنفا صحيح. ولكن القمة الحالية مختلفة عن باقي القمم لاكثر من سبب، منها:
اولاً، ان العراق ما زال يعاني من نتائج الاحتلال الاميركي، فضلا عن ان النظام السياسي القائم يعاني من التمزق السياسي والطائفي والمذهبي. وهناك ارباك حقيقي في مؤسسة النظام.
ثانيا، النظام الذي وضع لحماية المنطقة (الخضراء) التي ستعقد فيها القمة مئة الف جندي عراقي، لا يستطيع الادعاء بأنه قادر على حماية القمة. فالمعلومات التي نشرها النظام تقول انه تمكن من السيطرة على (13) منصة صواريخ تستهدف القادة العرب المشاركين في القمة، والحبل على الجرار. وبالتالي مصير القادة العرب والقمة في خطر.
ثالثاً، لخشية النظام من عدم تمكنه من السيطرة على الحالة الامنية في البلاد، اضطر الى إغلاق الاجواء العراقية في وجه الطيران المدني باستثناء الطائرات التي تقل الوفود العربية. وايضا فرض النظام العراقي ما يشبه منع التجوال من خلال اغلاق الجامعات والمعاهد والمدارس قبل انعقاد القمة واثناءها. الامر الذي يكشف هزال الحالة الامنية.
رابعاً، القمة العربية لن تكون اكثر من جلسة تعارف بين القيادات العربية الجديدة والقديمة. لان القادة الذين سيشاركون فيها لن يناموا في العراق. وبالتالي لن تتمكن القمة من مناقشة القضايا العربية المطروحة على بساط البحث كما يجب، حتى لو تمت دراستها ومناقشتها من قبل وزراء الخارجية او مندوبي الدول في الجامعة العربية.
خامساً، عدم قناعة العديد من الدول العربية بعقد القمة في الظروف العراقية والعربية. وبالتالي مشاركة بعض القيادات العربية وخاصة القيادات الجديدة، يأتي في إطار تأكيد الذات ايضا، وتلمس الطريق لمؤسسة القمة العربية. واما القيادات القديمة فتختلف اعتباراتها بشأن المشاركة الشكلية. مع استثناء فلسطين التي لا يجوز ان تغيب عن اي جهد عربي مهما كان محدودا للحفاظ على اولوية القضية الفلسطينية ومركزيتها في عالم العرب، وأيضاً لاثارة قضايا ابناء فلسطين الذين يتعرضون منذ الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003 وحتى الآن للتنكيل والجرائم المختلفة لعل اقلها الاعتقال.
إن مشاركة الرئيس عباس ضرورية وحيوية للاعتبارات المذكورة، بالاضافة الى انها فرصة لمطالبة العرب الايفاء بالتزاماتهم السياسية والمالية لدعم الشعب العربي الفلسطيني في مواجهة التحديات الاسرائيلية، وايضا لمواجهة تداعيات الازمة الخانقة في موازنة السلطة.
المشاركة الفلسطينية لا تلغي السمة الاساسية لواقع القمة المتهافت، الناجم عن واقع العراق البائس والمحزن. وكان الأجدر بالقادة العراقيين التروي وعدم الاستعجال في عقد القمة لحصد النتائج العراقية والعربية المرجوة، ولكن هيهات في حسابات قادة الطوائف والاجندات الاقليمية التفكير العقلاني السوي. وبالتالي لا يجوز لاي مراقب الرهان على تحقيق اية نتائج ايجابية من القمة العربية الحالية، وحتى القيادة العراقية ستخسر ولن تربح، لان آفاق الخيارات السوداء كلها تظلل القمة وآجواءها.