ملاحظات حول شعار «دولة واحدة لشعبين»

samir_zapen

نقاش الدولة ثنائية القومية ليس جديداً على الساحة الفلسطينية، والذي اتخذ في ما مضى أسماء مختلفة، ولكن في جميع الحالات كان مضمونه واحداً، هو «دولة واحدة لشعبين» على العكس من الشعار القائل «دولتان لشعبين» والتي قام عليها المشروع الوطني الفلسطيني في العقود الأخيرة. وقد اتخذ هذا النقاش مضامينه الفكرية من الحاجة إلى حل مجموعة من القضايا المعقدة والمتشابكة لدى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وبقي على مدى السنوات مجالاً للتأمل الفكري.

إن واقع الانسداد القائم في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الذي لا يمكن أن يؤدي إلى دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، يشكل الأساس الذي ينطلق منه كل الذين يذهبون باتجاه المطالبة بتغيير الهدف الفلسطيني من شعار «دولتين لشعبين» إلى «دولة واحدة لشعبين» وبسبب من هذا الواقع تظهر الدول الواحدة بصفتها الحل لكل المشاكل العالقة، بحيث تصبح كل فلسطين التاريخية وطن اليهود، ووطن الفلسطينيين.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن تحقيق شعار «دولة واحدة لشعبين»؟ وما الذي يحتاجه هذا الشعار من تغيرات في البنية السياسية الفلسطينية حتى يصبح الهدف المركزي؟ وأي قوى سياسية عند الطرفين عليها حمل هذا الشعار؟ ولا شك بأن هذه الأسئلة توّلد طيفاً آخر من الأسئلة، التي تفتح النقاش على كل القضايا التي تفرزها القضية الفلسطينية.

يبدو أن أكثرية ساحقة من الذين اُخذوا بالشعار واعتبروه اكتشفاً وكأنه ولد كاملاً لحل الصراع المستعصي، «كما ولدت مينيرفا من رأس زيوس.» وهناك من الذين هللو للشعار الجديد أعجبهم جرسه اللغوي أكثر مما دققوا في مضامين ما يحمله هذا الشعار، الذي يبدو جذاباً وإن لم يكن جديداً، ولكن جذاباً دون التدقيق في متطلباته.

هناك بعض الملاحظات الأساسية التي لا بد منها ليستقيم النقاش ونكتشف عمق هذا الشعار الجديد/ القديم، واحتياجاته في الواقع السياسي القائم:

ـ إن شعار «دولة واحدة لشعبين» يغير من طبيعة الصراع في فلسطين، ففي حال أقرّ الفلسطينيون هذا الهدف، وقرروا النضال على خلفية هذا الشعار، فعليهم أن يكفوا عن الحديث عن الاحتلال وعن الاستقلال الوطني، وعن دولة قابلة للحياة. فإذا كان الفلسطينيون واليهود يعيشون في دولة واحدة، فليس هناك دولة تحتل أرضها، مهما بلغ مستوى الظلم الداخلي الذي تعيش في هذه الدولة. وعلى هذا الأساس تصبح القضية الفلسطينية هي قضية «تمييز عنصري» لا قضية تحرر وطني، وبالتالي فإن كل النضال الوطني الفلسطيني الذي كرس القضية الوطنية على أساس أنها قضية استقلال عن محتل استيطاني، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومنظمة التحرير كممثل للفلسطينيين، وعضو كامل العضوية في الجامعة العربية، وعضو مراقب في الأمم المتحدة... الخ من هذه الوقائع المكرسة يجب تركها وراء الظهر للبدء من جديد في معالجة القضية الفلسطينية وصوغ النضال الفلسطيني على أساس «الأبارتهايد». وإذا كان البعض يقول التفافاً على هذا الموضوع أن الدولة الواحدة ستكون بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، فإن ذلك يفسد كل الطرح، فقيامها بعد الدولة يعني اتحاد بين دولتين بصرف النظر عن وزن الدولتين، وبالتالي أصبحنا نتحدث عن دولة اتحادية، لا عن دولة واحدة يتعايش فيها شعبين.

ـ يبدو الإشكال الأعقد في هذه القضية كيفية النضال من أجل هذا الهدف. إن الفلسطينيين سكان الضفة الغربية، ليسوا مواطنين في دولة إسرائيل، ولا من الدرجة الثانية لا من الدرجة العاشرة، وإسرائيل تعترف بأنها تحتل الشعب الفلسطيني، ولكنها لا تعترف بأنها تحتل الأرض الفلسطينية، والمشكلة بالنسبة لها مشكلة سكان لا مشكلة أرض، فهي تريد الأرض بدون سكانها، ولذلك تعتبر أن الأراضي الفلسطينية جزءاً من «أرض إسرائيل الكاملة» والتي يجب التنازل عن جزء منها في أحسن الأحوال من أجل الحفاظ على «يهودية الدولة». وإذا كان هذا الواقع القائم، فكيف يمكن للفلسطينيين أن يديروا معركتهم من أجل «دولة واحدة لشعبين» في مثل هذه الأوضاع؟! إلا إذا اعتبر المنادين بهذا الشعار، أن الثورة التي يحتاجها هذا الشعار هي ثورة ورود توضع في فوهات بنادق جنود الجيش الوطني المنحاز لقومية ضد قومية أخرى في الوطن الواحد.

ـ المسألة الثالثة التي نحب إثارتها في هذا الموضوع، هي: على اعتبار أن الفلسطينيين وجدوا الطريق التي يغيرون فيها طبيعة الصراع من قضية حركة تحرر إلى حركة ضد «التمييز العنصري»، وفي ذات الوقت وجدوا الأساليب النضالية لتنظيم قواهم في مواجهة العنصرية الداخلية للدولة المنشودة. وأيضاً على فرض اقتنع كل الفلسطينيين في كل بقاع الأرض أن هذا الحل هو الحل الأنسب لهم ولإسرائيل. ماذا عن الشريك القومي في الوطن الواحد؟ هل نجبره على العيش المشترك معنا بالكفاح المسلح، أم نقنعه بالحوار، هل هناك شريك إسرائيلي حقيقي في هذا الخيار التاريخي، سوى أصوات معزولة في الأكاديما الإسرائيلية، وعلى الأغلب خارج إسرائيل. إذا افتراضنا أن هناك حامل مثالي للشعار على الجانب الفلسطيني، هل هناك قوى مؤثرة على الجانب الإسرائيلي تقبل بخوض المعركة من أجل فلسطين للجميع؟ وأكثر من ذلك هل هناك إمكانية لأن تولد قوى فاعلة داخل إسرائيل تحمل هذا الشعار على المدى التاريخي المنظور وتصبح شريكة للفلسطينيين في هذا الخيار التاريخي؟ أشك بذلك، وإذا غاب الشريك، مع من نبني الدولة / الحلم؟ وأي وطن واحد يتم الحديث عنه، وأي دولة لشعبين؟

لا شك، بأن «دولة واحدة لشعبين» هو الحل الأمثل من زاوية الحلم، ولكن ليس هناك أي وقائع على الأرض تدعم هذا الخيار التاريخي، ولذلك يبدو الشعار بوصفه هروباً إلى الأمام، ولكن هذا الأمام بعيد جداً وغير موجود وغير قابل للتحقيق في المدى المنظور ووفق المعطيات القائمة. وإذا كانت معطيات الواقع تمنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خمس مساحة فلسطين التاريخية وهو هدف تاريخي كبير، فهل تسمح هذه المعطيات بانجاز الهدف الأكبر «دولة واحدة لشعبين» على أرض فلسطين التاريخية؟!