التَّشْكيلي الفَلسْطيني فتحي غبن: نساءٌ كادحاتٌ وخيولٌ جَميلة

بقلم: لحسن ملواني

رام الله: في لوحات الفنان الفلسطيني فتحي غبن تجول بك الريشة والألوان المتناغمة عبر عوالم متنوعة من إيحاءات متخيله الإبداعي، فتجعلك أمام مشاهد متفاعلة المكونات والفضاءات بشكل منسجم رائع، فلوحاته تتميز بتنظيم العناصر المشكلة لتركيبتها بشكل لا يربك المشاهد، وإنما يجعله يحدق في جماليتها وما تنسجه مفرداتها من دلالات موحية.

لوحات تدفعك مشاهدتها فتنخرط في ما تصوغه من فضاءات تغوص بك في البيئة التي تقدمها حية بِناسِها وتضاريسها وحيواناتها، وذلك ضمن تعبيرات بصرية جميلة تجعلك تقبل على البحث والتأمل في مفرداتها الجميلة .

إنه الفنان الذي يحاول صياغة صور الحياة وأَوْجُهَها وما يتخللها من المثيرات التي تلائم توجهه الإبداعي، فهو من هذه الناحية يعتمد على ما يلاحظه، وما تسجله ذاكرته البصرية المتوزعة بين الماضي والحاضر، وما يطمح في أن يتحقق في المستقبل، كبديل لما يراه يحقق السعادة والكرامة للمحرومين والكادحين.

من الملفت في لوحاته، الاحتفاء بعالم الخيول في علاقتها بالإنسان وباعتبار الحصان كائنا متميزا مرتبط بالكثير من الرمزيات، وبالبحث عن رمزيته في التراث العربي والإنساني، نجده يرمز إلى النجاح والخصوبة والاستمرارية والقوة والتحدي والسلطة والجاه والحياة والموت والجمال والوفاء والحكمة والشرف والعزة… وبهذا الاعتبار نجد له في اللوحة تواجد خاصا يعززه جمال تضاريس جسمه وروعة حركاته، كما شكل عنصرا تراثيا عربيا وإسلاميا .

والفنان فتحي غبن على غرار الكثيرين من الفنانين العرب وغير العرب يتفنن في إظهار الحصان في وضعيات تختلف باختلاف الفضاءات والموضوعات التي يستهدف به تجسيدها. وكأن الخيل راسخ في ذاكرته، فلا يفارقها ربما لأنه عنصر يفسح المجال للإبداعية ليس لدى الفنان وحده بل لدى الكثير منهم، فقد رسم ضمن الكثير من التقنيات والمدارس التشكيلية . وقد حرص الفنان على تقديمه تقديما جماليا رائعا في وضعيات كثيرة، وحيدا، مع الإنسان، وداخل قطيع، في حرب، أو في سلم … والفنان متمكن في رسمه بشكل يبديه في أوجه إبداعية متنوعة رائعة وجاذبة.

في أعماله تتفرج على المرأة وهي في حراك يومي متواصل، فجل الوضعيات التي تظهر عبرها المرأة تبدي شقاءها وانهماكها في العمل، في لوحاته، تجدها بائعة، حاصدة، قاطفة للفواكه، أو مشاركة للرجل في التجارة، أو طاحنة للحبوب برحاها القديم …إنه يرسم معاناتها ويرسم أفراحها وأحزانها، وكأنه يؤرخ لحياتها عبر الأجيال.

والفنان وهو يقدم المرأة في لوحاته، يعتني بلباسها وحليها باعتبار ذلك جزءا من التراث المميز بين الشعوب ..

والفنان لا يلتزم في رسمه للمرأة بالمحاكاة المباشرة بل تجده في كثير من اللوحات يظهرها بأشكال يبرز فيها عنصر الخيال وإبداعية الإخراج بشكل يجعل اللوحة توحي بأكثر من فكرة وأكثر من دلالة … كما أن للفنان لوحات يتجاوز فيها المرأة في علاقتها بالمحلية إلى علاقتها بما يوحد أحلامها مع كل البشرية، ويقدم رسمها ببراعة كبيرة، وينحصر فعله الإبداعي في حدود ما تسمح به أخلاق وذائقة الجمهور العربي، فهو بعيد عن الجرأة التي يَقْدِمُ عليها البعض، فيرسمون المرأة بقصد الإثارة مركزين على التضخيم في مفاتنها، بجسد ممشوق مثير، وقد يرسمونها عارية جالسة أو مستلقية كما ولدتها أمها.

الفنان فتحي يقدم المرأة في لوحاته كشخص نشيط يشارك في المجتمع إنتاجا ونضالا من أجل الكرامة وتحصيل لقمة العيش. وأ حيانا يقدمها كإنسان عالمي توحده أحلامه بباقي الجنس البشري.

فهو رغم تنويعه لتقنياته، يرسم المرأة في علاقة وطيدة بالحياة وبالمجتمع الذي تعيش فيه، غير أن لمساته الإبداعية الخاصة تبعده عن النقل المباشر الذي يدقق في التفاصيل واللون والخطوط بشكل أقرب إلى الكاميرا أو الآلة المصورة، فهو يمزج بين الرسم الذي به مسحة من الأكاديمية ومسحة تميل برسم المرأة إلى الشكل الشعبي الجميل المائل إلى عفوية موجهة استنادا إلى خبرة وتجربة الفنان الإبداعية .

الفنان فتحي في جل إن لم نقل كلها يحتفي بالتراث الفلسطيني العريق، ويظهر ذلك جليا في مفردات لوحاته التي تقدم مشاهد حية لحياة الناس، ومشاهد رائعة للطبيعة الساحرة التي تشكل جزءا من مؤثثات ذاكرته البصرية بما تحمله من رمزية ودلالات.

الفنان فتحي فنان عريق، يقدم لوحاته كي يرسم ملمحا من جوانب حياتنا اليومية بشكل سيساهم بلا شك في إثراء الساحة الإبداعية بالهادف والجميل من الإبداعات الرصينة والمساهمة في التحرر والانعتاق وتهذيب الأذواق.

حرره: 
ع.ن