قُتل حسّان.. وجُعِل رقماً

بقلم: متولي أبو ناصر

مرت عشر سنوات على لقائي بالممثل الفلسطيني حسان حسان، إلتقيته مراهقاً موهوباً لا تفارق الإبتسامة وجنتيه. ماذا تعمل؟ سألته حينها.. "أنا بحب التمثيل، وبحب خشبة المسرح، وبحب فلسطين"، قال.

وبعد مرور أشهر على صداقتنا عرض عليّ أن نعمل على نص مسرحي، فطلبت منه تأجيل الموضوع ريثما يستطيع تجاوز مرحلة الثانوية العامة والدخول إلى المعهد، وافق على مضض وشاءت الأقدار أن أكون مدرّسه لمادة الفلسفة، وبعد صدور نتائج الثانوية العامة تقدم إلى المعهد ورفضته اللجنة التي ترأسها في ذلك الوقت الفنان الفلسطيني حسن عويتي.

مهووسان نحن بخشبة المسرح، لهذا قررنا تأسيس فرقة مسرحية تحت اسم "أبناء الشمس"، وكان العرض الأول لنا نصاً مسرحياً من تأليفي بعنوان "سبع دقائق تكفي"، عُرض ثلاثة أيام في "مسرح الخالصة"، ثم عرضنا مسرحية "ليشفي مسرح اليونيسكو في بيروت.

خلال هذه المرحلة لم يدخل اليأس إلى قلب حسان، من دخول المعهد العالي، لأنه كان مقتنعاً بأن عليه دراسة التمثيل لتطوير قدراته، فعاد للتقدم إلى المعهد ورُفض للمرة الثانية بحجّة أنّه موهوب ولا يحتاج إلى دراسة التمثيلوبعدما فَقَد الأمل في إكمال دراسته، قرر الإنضمام إلى صفوف الجيش، وأثناء خدمته، ولأن فرزه جاء إلى مركز حلوة زيدان، بسبب وجود مسرح في هذا المبنى، قرر حسان أن يتابع حلمه في المسرح، فأنجز مسرحيات عدة ذات طابع اجتماعي نقدي. فقدم مع مجموعة من الشباب مسرحية "سوكهوعروضاً أخرى، وما إن انتهى من الجيش، ومع هبوب رياح الثورة في سوريا، ولأنه مؤمن بأنه جزء من هذا الوطن الذي احتضن أحلام طفولته، قرر، مع مجموعة من الشباب، تأسيس مركز إعلامي فني إبداعي تحت اسم "رد فعل".

كان هذا المركز بمثابة إعلان ثورة على مافيات الفن في سوريا التي تشكلت في ظل النظام، فكان الطابع العام لكل ما أنتجه المركز يصب في محاربة كل ما أنتجه هذا النظام خلال الأعوام الأربعين من حكمه، وعن الحالة الاجتماعية والسياسية السيئة التي وصل إليها الفلسطيني في مخيمات سوريا، وبأسلوب نقدي ساخر.

أبَى حسان الخروج من مخيم اليرموك بعدما حاصره النظام، وبقي في المخيم يلتقط الحدث بالصوت والصورة، ينتقد النظام وينتقد أداء المعارضة المسلحة التي دخلت المخيم، والتي لم تحتمل النقد. فاعتقلته جبهة النصرة، والرابطة الإسلامية أكثر من مرةأخيراً، قرر حسان الخروج من المخيم منذ شهرين، لا لشيء إلا لأنه أحس بأن الأمور تتجه إلى مستقبل يخالف ما كان يحلم به. وعند حاجز سبينه، كان الموت ينتظره، ويد القاتل تتأهب لوضع الأصفاد في يديه.

يساق الفنان الفلسطيني حسان حسان إلى فرع الأمن العسكري. وبعد مضيّ شهرين يخرج جثة هامدة. وكما يفعل العدو الإسرائيلي بشهدائنا عندما يحتفظ بجثثهم ويطلق عليهم أرقاماً بدلاً من الأسماء، هكذا فعل النظام... حسان حسان رقم. رقم لا أكثر ولا أقل، عند نظام يدّعى الممانعة والمقاومة.

وقد تكون كلمات الشاعر الفلسطيني محمود السرساوي، لحظة وصول نبأ استشهاد حسان إليه، أبلغ ما يُعبر عن هذه المأساة: "موهبة ظلت تبحث عن بقعة شمس تحت الضوء، تحاول وتحاور ما تركه الحلم على ضفتيها من تعب واسئلة، بكل عطش أرواحها والتفاتها جهة الحب، ذهبت كما يذهب الجمال دوماً إلى لحظة تشبهه، لحظة لم يكن امتيازها سوى النشيد الذي يتكرر في مجد الحياة، ربما كان من عشاقها الأوائل الذين لا بد من تنكيس راياتنا عندما نفقدهم، وحسان حسان الشاب الحالم حتى أقصاه، والجميل حتى آخر الأنفاس مضى.. نعم مضى".

حرره: 
م.م