الثورات زادت المانحين تمسكاً بالسلطة
بيروت: خرج مسؤولو السلطة الفلسطينية وابتسامة ثقة على وجوههم. عكست أحاديثهم ارتياحاً واضحاً. لم يكن دقيقاً الكلام السابق عن «معركة» تقارير بينهم وبين سلطات الاحتلال على جبهة دولية هي اجتماع لجنة التنسيق للمانحين الدوليين للشعب الفلسطيني الذي عقد أول أمس في بروكسل. السلطة في حاجة إلى أموال، والاقتصاد الذي تديره ليس مستعداً لأي خذلان من المانحين. الإسرائيليون أتوا بتقرير ليقولوا إن حل الدولتين لم ينضج بعد، عندما تحدثوا عن عدم قدرة الاقتصاد الفلسطيني على النهوض بدولة مستقلة. لم يحدث شيء يؤكد أنهم جاؤوا «يعاركون» لإفشال الدعم المالي للسلطة.
وينقل مصدر دبلوماسي حضر اجتماع لجنة المانحين لـ«السفير» ما عكسته المداولات من أن الغرب بات الآن «مرعوبا» على السلطة الفلسطينية. أما السبب، كما يؤكد، فهو النتائج الأولى التي أفضت إليها ثورات «الربيع العربي»، ووصول الإسلاميين إلى الحكم. يقول المصدر إن دول الغرب «خائفة جدا من أي انهيار للسلطة الفلسطينية لأن البديل منها سيكون إما حماس أو الاسلاميين الأصوليين... وهذا سيناريو كارثي بالنسبة إليهم». لذلك، كما يضيف المصدر، فإن لا خوف على المساعدات المالية التي تطلبها السلطة الفلسطينية من المانحين.
الاستنتاج الأخير انعكس في البيان الختامي، إذ عبّرت لجنة المانحين عن «القلق» من تردي الاوضاع الاقتصادية للسلطة الفلسطينية. وطالب المجتمعون بضرورة مضاعفة الجهود «لحشد المانحين»، ودعوا سلطات الاحتلال الاسرائيلي إلى تخفيف قيودها على الاقتصاد الفلسطيني. بالنتيجة، فإن لجنة التنسيق للمانحين دعت إلى «ضمان» مساهمة مالية دولية بقيمة مليار دولار لتغطية احتياجات السلطة، وذلك بالرغم من حديث يوناس شتور، وزير خارجية النروج الذي ترأس الاجتماع، عن مشكلتين أساسيتين: تراجع نمو الاقتصاد الفلسطيني نتيجة للمعوقات الاسرائيلية، والازمة المالية التي تنال من قدرة المانحين.
بنتائج كهذه، يمكن فهم «رضى» السلطة عن الاجتماع. لولا أحداث «الربيع العربي» لكانت مسألة التمويل استخدمت للضغط عليها، ولتحجيم جهودها للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية.
ويقول رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، ردا على سؤال لـ«السفير»، إن هناك «إشادة دولية» بجهود السلطة الفلسطينية لتقليل العجز المالي. ويدلل على «نجاحات» تلخصت بتراجع حجم الحاجة إلى المساعدات تدريجيا، من 1.7 مليار دولا قبل سنوات، إلى مليار دولار العام الماضي. مع ذلك، يقر بأن «عجزاً كبيراً» لا يزال موجوداً، ويضيف «نحن بحاجة إلى مساعدة المناحين الدوليين لسده». العجر الحالي برأي فياض سببه تخلف مانحين دوليين عن الوفاء بالتزاماتهم المالية التي تعهدوا بها في العام 2011، بالإضافة إلى مبالغ لم يدفعها المانحون للسلطة من التزامات 2010.
الاجتماع إذا كان «ناجحاً» بالنسبة للسلطة الفلسطينية، لكن الوصف ذاته لا ينطبق على المانحين. وقد عكس مصدر مشارك تململا في أوساط المانحين العرب. أما المشكلة التي يشكو منها عدد من المانحين العرب فهي أنه لم تمارَس أي ضغوط جدية على سلطة الاحتلال لإلزامها بجدول زمني للانتقال إلى حل الدولتين.
على صعيد الموقف الأميركي، ينقل المصدر أن الموفد الأميركي الذي شارك في الاجتماع مستمر في تبرير سياسة بلاده لتجميد المساعدات. التجميد جاء بعد توجه الفلسطينيين للاعتراف بدولتهم في الامم المتحدة، لكن الأميركيين قالوا في الاجتماع إن مساعداتهم المالية للسلطة «تنتظر»، وهم يريدون رؤية كيف ستعالج الادراة الفلسطينية مشكلات تتعلق بـ«الهدر» في الميزانية.
وكخلاصة للاجتماع، لم يخسر الاسرائيليون شيئا. لا ضغوط جدية تعرضوا لها، بل مجرد إشارات وردت في بيان المانحين عن مشكلات الاقتصاد الفلسطيني بسبب الاحتلال، ومراوحة في ضبابية الدعوة للعودة إلى طاولة المفاوضات. في شكل ما، وعلى خلفية مواصلتهم الانتهاكات والاستيطان، سيعتبرون عدم الضغوط مكسبا. السلطة الفلسطينية، بدورها، حصلت على ما جاءت لأجله، عبر التزام دولي بضمان المساعدات التي تحتاجها. لا يمكن الحديث عن «معركة» جرت، فهل الغربيون هم وحدهم الخائفون من انهيار حكم السلطة الفلسطينية لمصلحة حكم إسلامي؟
السفير