شاشات وأفلام المرأة الفلسطينية: أداة قياس ثقافية

رام الله: ريما كتانة نزال

منذ انطلاقتها عام 2005، ركزت شاشات على هدفها الرئيس وتوجهها إلى تنمية قدرات القطاع السينمائي وخاصة سينما المرأة، واستمرت في متابعة هدفها بتقديم المهرجان السنوي، وحزمة من الأفلام المتنوعة في تظاهرة ثقافية من خلال القصة والصورة والحوار، واضعة خطوتها وبصمتها الخاصة في مسيرة السينما الفلسطينية، المبكرة النشأة، لكنها مسيرة متعثِّرة بحكم الظرف والواقع الفلسطينيين.

لقد أصبح مهرجان شاشات السنوي من الأحداث الهامة في الأجندة الثقافية الفلسطينية، فبات محط تقدير عال من فئات مختلفة، بعد اجتيازه حواجز التحديات المتوقعة وتحديدا حاجز البقاء والديمومة والتطور.  لقد انطلق المهرجان ليمتطي آليات جديدة لتفعيل المشاركة عبر إجراء الحوار الثقافي المطلوب في وسط شريحة الشباب في جامعاتهم، وهو القطاع الذي يعوَّل عليه في عملية التغيير الاجتماعي، لكنه القطاع الذي فتح عينه على واقع يُساق فيه المجتمع قسراً نحو الأحادية الفكرية. من هنا كان التطور الذي أحدثته المؤسسة، بالنأي بالأفلام عن العروض النخبوية والافتتاحات المبهرة، لتأخذها مباشرة نحو الجمهورالعريض،  لتصبح الأفلام أحد الأدوات الفعّالة لتفاعل الآراء واشتباكها في فضاء الجامعات والمعاهد، التي تجتمع فيها الجغرافيا الفلسطينية وتتلاقى في رحابها مختلف الاتجاهات المعبّرة عن ثقافات وبيئات تتعرض لمؤثرات متشابهة وأخرى مختلفة، وتوفير فرصة للتعرف على بعضها البعض.
المخرجات الشابات يخترن مواضيعهن التي بالضرورة تقوم بعكس المشاكل الحقيقية التي يواجهنها، وهي الهموم الواقعية التي لا يمكن إلا أن ترتبط بالواقع الفلسطيني الوطني والاجتماعي والاقتصادي، من خلال كاميرا المخرجات وعيونها الثاقبة، لتلتقط مقتطفات من حياة الناس وتجاربهم، بلغة بصرية وحوارية لا تتورع عن تناول القضايا الصعبة، وتقديم رؤيتهن لها تحت الأضواء الكاشفة بالكثير من الأسلوبيّة والصدق والمباشرة.

أفلام لا تتحدث عن مشاكل تحدث في جزيرة "روبنسون كروزو"، بل تعكس المشاكل الحقيقية للمجتمع، كما يلمسنها المخرجات ويشعرن بها في البيت والشارع والعمل والجامعة، وهي أفلام تأتي على لسان أناس حقيقيين في المجتمع، أناس لهم مشاكل واقعية، وتجارب واقعية، مستمدة من البيئة الاجتماعية ويطرحنها بلغة يفهمها الكل، لكن التعاطي معها يبتعد عن التوحد والانسجام، فالبعض لا زال يضع راسه في الرمل خوفا من رؤية الجبال التي غيرت مكانها .

في الآليات المتبعة، أجد أن المرحلة الأهم في عروض الأفلام، هي المرحلة التي تمر بالجامعات والمعاهد والكليات، أو في الأندية الشبابية والنسائية في المدينة والريف والمخيم، حيث تطفو على سطحها الآراء  والأحاسيس والانطباعات القادمة من تنوع الجغرافيا والبيئة والثقافة الاجتماعية والمرجعيات التحليلية. آراء لا تعرف بعضها البعض، لكنها جميعا تُحشر تحت عنوان واحد نطلق عليه عادة الثقافة الاجتماعية السائدة، وهو عنوان قد أصبح هروبياً أكثر من واقعية وحدته وتجانسه، وأستطيع أن أجزم، ومن موقع مشاركتي بالنقاشات أنها ليست واحدة على الإطلاق، بل تتفرع وتتشعب وتتناحر في مختلف المواضيع، وبحاجة إلى العلماء في الاجتماع لتعليق جرس دراستها والتعمق في تفاصيلها ومساربها، اين تلتقي وأين تختلف، من أجل إعادة تحديدها وتعريفها. حيث تشير النقاشات إلى تغيّرات ثقافية نقلتها من كونها ثقافة واحدة متجانسة، إلى تنّوع واسع من التعبيرات والأمزجة، تؤكد انمحاء بعض عناوينها..ويمكن للنقاشات  أن تبين بوضوح أن الأمور لا تتقدم في السياق الثقافي والاجتماعي، بل تتجه نحو إعادة انتاج الأنماط الثقافية الاجتماعية السائدة ولكن بقوة الإكراه والإجبار وبوسائل عنفية، وتعيق التغيير وتعمل على دفن أية بوادر تسير باتجاه التغيير الاجتماعي المنشود.

وعدا عن المعروضة في المهرجانات الافتتاحية والجامعات، وتعرض كذلك في محطات التلفزة المحلية مع مقتطفات من نقاش المختصين والنقاد، لتؤكد، أن المخرجات يخترن مواضيعهن بعناية خاصة تمكنهن من دخول البيوت وإشراك المشاهد في النقاش والتحليل، ولاطلاع شرائح جديدة بثقة بأنهن ينقلن الأقوى والأهم من قصص المجتمع الفلسطيني، الذي يسعى لشق طريقه وسط عواصف وتحديات وأخطاء وسلبيات وعدم اعتراف وتجاهل، بشكل درامي مكثف ووقت قصير ومواضيع حساسة، بشجاعة.

سينما المرأة وشاشات، اكثر من مجرد فيلم وعرض ومنتوج، بل فضاء ينقل الهموم الوطنية والاجتماعية من وجهة نظر المرأة، الحساسة لهوامش الحرية والعدالة، إلى المجتمع، وهي كذلك وجه ثقافي لفلسطين وأداة فعّالة، لا يستطيع احد انكارها، في زيادة وعي الجمهور وتزويده بالثقافة بشكل عام, وخاصة أن الأفلام وبسبب سحرها البصري وتأثيرها لبساطتها وقربها من الوعي العام وتخاطبه أكثر مما تفعله البيانات والبلاغات والشعارت، مقدمة اسهامها المميّز في صناعة التغيير. وأخيرا وليس آخراً، أفلام المرأة الفلسطينية وسيلة للتعبير ونقل قيم ومعايير ومبادئ وأحاسيس، مما يجعلها أداة للتواصل والتفاهم والتجسير بين الثقافات المتباينة، حيث الصورة ليست أحادية الوجه والاتجاه.

زمن برس غير مسؤولة عن مضمون الاخبار الواردة ضمن زاوية مؤسسات.

حرره: 
م.م