كتاب جديد عن السادات واتفاقية كامب ديفيد

عرض وتعليق حسنين كروم:

‘السادات ‘.. 35 عاما على كامب ديفيد’، كتاب صدر في موعده تماماً، للباحثة المصرية فاتن عوض، ويقع في خمسمائة وست عشرة صفحة من القطع الكبير، لأنه يفسر بطريقة مباشرة، كيف تمكنت الجماعات الإرهابية من التواجد بكثافة في سيناء، ولماذا قيدت أيادي الجيش في التصرف بحرية فوق الأرض التي حررها نتيجة حرب أكتوبر سنة 1973، بحيث يحتاج إلى إذن من إسرائيل إذا أراد تحريك دبابات ومصفحات وطائرات في معظم مساحات سيناء، ويحتاج إلى إذنها كذلك إذا أراد مهاجمة جماعات إرهابية تحتل مناطق في سيناء وتفرض سيطرتها عليها، بدلا من قوات الأمن والجيش، وكأنها دولة أو دول مستقلة.

السبب هو الشروط التي قبلها الرئيس الاسبق أنور السادات في اتفاقية السلام مع إسرائيل، ووافق فيها على تجريد معظم سيناء من السلاح والتواجد العسكري للجيش، صحيح ان هذه المشكلة أثيرت من قبل أيام السادات، وكبرت أثناء حكم مبارك، عندما ظهرت خطورة القيود المفروضة على توزيع القوات، وأحس المصريون لأول مرة بالمهانة الوطنية، وإسرائيل هي التي أشعرتهم بها، عندما أخذت، ومعها أمريكا، تتهم مصر بأنها تساعد في تهريب السلاح الى قطاعغزة، عبر الأنفاق بين رفح المصرية والفلسطينية، وطالبت مصر أن تمنع عمليات التهريب، لكن مبارك أكد لها وللأمريكان انه لا يستطيع بسبب القيود التي تفرضها اتفاقية السلام، لأنه مسموح لمصر في المنطقة د، المتاخمة لحدود غزة وإسرائيل، بتواجد سبعمائة وخمسين جنديا من الشرطة وبأسلحة خفيفة، وهي لا تستطيع حتى حماية نفسها، لا التصدي لجماعات تقوم بالتهريب، وطالب مبارك إسرائيل بتعديل الاتفاق بحيث تتم زيادة عدد القوات الى سبعة آلاف وتغيير التسليح، لكنها رفضت فطالب بزيادة العدد إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة فتكرر الرفض، فصمت مبارك، لأن تعديل أي بند في الاتفاق لابد أن يتم بموافقة الطرفين وأمريكا أيضاً، وكان البديل الذي اقترحه مبارك، ان تقوم أمريكا بإمدادمصر بأجهزة مراقبة الكترونية متقدمة تضعها على الحدود، مع إقامة جدار عازل حديدي، له عمق كبير حتى يصعب هدمه، لكن المشكلة، بعد الإطاحة بمبارك ونظامه اكتسبت أبعاداً جديدة، إذ بدأت العناصر الإرهابية في الداخل ومن الخارج تتدفق على مناطق في شمال سيناء بالتحديد، وتزايدت بعد أن تولى الرئيس السابق محمد مرسي الحكم، وأصبح تواجد هذه الجماعات مع تدفق الأسلحة الليبية المهربة استراتيجية جديدة لجماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها السند الأساسي لها في المواجهة المنتظرة بينها وبين الجيش والأمن، وأصبحت شمال سيناء كلها تحت سيطرة هذه الجماعات، وبعد الإطاحة بالإخوان اشتعلت الحرب في سيناء، واضطرت إسرائيل إلى الموافقة على تجميد العمل ببنود توزيع القوات المصرية، والسماح لها بالحشد والتحرك كما تريد لمطاردة الإرهابيين، ولم تعد مقيدة بالمناطق الثلاثة.
وفي الصفحات من 286- 291 نص الاتفاق على توزيع القوات المصرية في سيناء بعد الانسحاب الإسرائيلي النهائي منها، وتقسيمها إلى ثلاث مناطق وتوزيع القوات فيها وتحديد اسلحتها، وشروط تحركها سواء كانت برية أو جوية أو بحرية.

وفي الصفحات من 460- 464 شرح لعملية التوزيع وأكبر تمركز للقوات هو في المنطقة أ، الواقعة من بداية شاطىء قناة السويس على الضفة الشرقية وبعمق حوالى عشرين كيلو مترا، وتشمل اثنين وعشرين ألف فرد وبحيث لا يزيدون عن فرقة مشاة ميكانيكية ولواء مدرع واحد موزع على الألوية الأربعة،، ومائتين وثلاثين دبابة مضافاً إليها سبع كتائب مدفعية ميدان وسبع أخرى مضادة للطائرات بالإضافة الى اربعمائة وثمانين مركبة مدرعة.

وقالت المؤلفة انه تم تقييد حجم ونوعية وسائل الدفاع الجوي لدى الفرقة بأن تضم مائة وستة وعشربن مدفعاً خفيفاً مضادا للطائرات وعددا غير محدود من صواريخ الكتف طراز سام 7، بالإضافة الى ان الفرقة كلها في خط الممرات خارج نطاق شبكة الدفاع الجوي الفعال، بحيث تصبح في وضع ضعف في مواجهة الهجمات الجوية الإسرائيلية المحتملة، وذلك ما لم يساندها الطيران المصري بفاعلية وهو ما تم استبعاده بتحريم إقامة أي قواعد جوية في سيناء في أي من مناطقها، أو حتى إنشاء مهابط طائرات عسكرية في أي مطارات مدنية في سيناء. والمشكلة الحقيقية ليست فقط في ضعف التسليح المضاد للطائرات لدى الفرقة المذكورة، وإنما في فقدان مصر لحق رئيسي من حقوق سيادتها على أراضيها، وهو حق الدفاع بكل الوسائل الكافية وبحرية تامة وفق استراتيجيتها الدفاعية خاصة وأن ما يقرب من أربعة أخماس سيناء ستكون منزوعة السلاح من الناحية العملية بالإضافة الى ان نوعية التحصينات والاستحكامات المسموح للفرقة بإقامتها ستكون قاصرة على الاستحكامات الميدانية المعتادة، مجرد خنادق وملاجىء أي غير مجهزة هندسياً’.

فإذا كان هذا حال المنطقة أ الممتدة بعمق حوالى أربعين كيلو مترا، من الضعف، فإن المنطقتين ب، وج، حيث حددت الاتفاقية التواجد في ب بأربع كتائب حرس حدود لا يزيد عدد أفرادها على أربعة آلاف فرد مجهزين بأسلحة خفيفة تعاونها شرطة مدنية ولا يجوز إقلاع أو هبوط أي طائرات حربية فيها وإنما يسمح بوجود طائرات نقل غير مسلحة لا يزيد عددها عن ثماني طائرات ويمنع تحليق الطائرات الحربية فوقها أو فوق مياهها الإقليمية مع امكانية تجهيز القوات فيها بطائرات هليكوبتر غير مسلحة، والمنطقة ب تضم مدينة العريش، أما المنطقة ج التي تلي ب وتصل إلى الحدود الدولية مع إسرائيل وغزة وخليج العقبة وتتمركز فيها قوات الأمم المتحدة والشرطة المدنية المصرية فقط بأسلحة خفيفة لأداء المهام العادية للشرطة.
وقد نشر فيما بعد أن العدد المسموح به هو سبعمائة وخمسون عنصراً فقط، عندما حدثت اتهامات متبادلة بين إسرائيل ونظام مبارك، بأنه يسمح بتهريب الأسلحة الى قطاع غزة، وبالتغاضي عن الهجرة الافريقية غير الشرعية الى داخل إسرائيل، وردت مصر بأن السبب هو اتفاقية السلام وتحديد عدد القوات على منطقة واسعة تعجز عن مراقبتها، أو التصدي لأي عصابات.

وطالبت إسرائيل بأن تسمح بزيادتها إلى ثلاثة آلاف أو سبعة وتغيير التسليح لحماية حدودها، فرفضت.

وبعد تعرض الجنود المصريين الى مذبحة في أغسطس 2012 على الحدد مع إسرائيل وافقت للجيش المصري على ادخال قوات مدرعة الى المنطقتين ب وج، ثم طلبت سحبها، ثم وافقت على بعض عمليات للجيش لهدم الأنفاق مع قطاع غزة، أيام حكم الإخوان، وتطور الأمر الآن الى السماح بادخال قوات كبيرة وبكل أنواع الأسلحة بدءا من طائرات الهليكوبتر المقاتلة الى الدبابات والمدرعات، وبالأعداد التي يحددها الجيش، أي تجميد البنود الخاصة بتوزيع القوات والمدة التي تحتاجها العمليات للقضاء على الإرهابيين.

أي أن نجاح الجيش والأمن في التصدي للإرهابيين في سيناء والقضاء عليهم، يتوقف على رغبة إسرائيل، ومدى تقديرها لمصلحتها في فترة معينة، وحسب سياساتها هي وأمريكا، أي انه بامكانها ان توفر الفرص للجماعات الإرهابية للبقاء والنمو والسيطرة على المنطقة ج المتاخمة لحدودها ولحدود غزة، وتضم المدن الرئيسية في شمال سيناء، بأن تطلب من مصر سحب قواتها بحجة انها تحس بتهديد أمنها من وجودها بالتعارض مع نص الاتفاقية، وقد تفعل ذلك بتحريض من أمريكا لإحداث هزة في النظام قد تؤدي الى تعرضه الى السقوط نتيجة السخط الشعبي على سحبه للقوات، أو وضعه امام خيار أصعب وهو ان يرفض وبالتالي يعطي إسرائيل الحجة للهجوم، وإلحاق هزيمة بالقوات الموجودة مما يعرض النظام للسقوط وإشاعة الاضطرابات في البلاد، او فرض شروط عليه، بأن يقدم تنازلات للإخوان المسلمين، مثلا، وكل هذه الاحتمالات واردة.

أي باختصار، فإن السادات قيد مصر بقيود ثقيلة تحتاج معها إلى عمل غير مسبوق لفكها، حتى لا يصبح مستقبلها تحت رحمة إسرائيل وأمريكا.
وأشارت المؤلفة في أكثر من موضع الى ان السادات كان يتطوع بإعطاء تعهدات وموافقات للمفاوضين الإسرائيليين بعيدا عن أعضاء الوفد المصري، لرغبته في إنهاء المشكلة بأي طريقة الى ان وصل للصلح المنفرد رغم انها أوضحت في صفحة 117 إلى انه ظل لفترة غير قصيرة متمسكاً بإيجاد حل للمشكلة الفلسطينية متزامنا مع أي اتفاق مع مصر، لكن بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها هو الذي رفض.

ولابد من الإشارة إلى الجهد المتميز الذي بذلته الباحثة في تجميع مادة الكتاب بحيث أصبح مرجعاً لا غنى عنه في هذه القضية.

حرره: 
م.م