غزة تستقبل المسكوت عنه في مهرجان شاشات التاسع

ناصر عليوة – غزة

بدعم من مؤسسة شاشات افتتح يوم الخميس 24/10 مهرجان أفلام شاشات التاسع لسينما المرأة في فلسطين (مخلفات). تسمية مخلفات التي اختارتها مؤسسة شاشات اثارت لدي قليل من الصدمة، انها صدمة الواقع وصدمة المطلع، لكني اكتشفت انها جرأة من مؤسسة شاشات التي تقدمت للعمل في غزة والجميع أدرى  بحال غزة، ووجعها والظلم الذي وقع ويقع عليها، غزة التي حرمت من دار عروض للسينما منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن، حتى بات اسم السينما شيء غريب عن معالم وشوارع غزة. ومع مهرجان شاشات التاسع في غزة انفتحت نافذة امل لتعود السينما الى أحضان غزة ولو بشكل موسمي.

اثارني مهرجان غزة وحفزني على الكتابة الصحفية وقد هجرتها منذ زمن بعيد، بعث فيا الحنين لأكتب عن صورة الفرح، عن الحاضرين والغائبين، عن وطن انقسم وتقسم وتقاسموه، وإذ بالسينما تعيد لحمته ولو مؤقتا، في مركز رشاد الشوا الثقافي دخلت في المقاربة وأنا اعبر قاعته الكبرى، تلك القاعة التي شهدت جزءا من تاريخنا السياسي، كثيرا عبروا عليها زعماء وقادة وأحزاب، كان الجمهور يحمل  ب الحافلات او تدفعه للحضور بالرشوات. مفارقتي كانت ليس في الحشد الذي شهدته القاعة، بل في أقدام الناس التي حملتهم طواعية، حملتهم كباحثين عن الفرح بعيدا عن دجل السياسيين وخبث السياسة، توالت كلمات الضيوف على ما حملت من معانِ وتقديرات لمؤسسة شاشات ودورها المتواصل في تدعيم السينما الفلسطينية والاخذ بيد الشابات الفلسطينيات ومساعدتهن في بناء معارفهم وخبراتهم الفنية وتطوير حسهم الإنساني لكي يكونوا قادرين على صقل صورتهم وصورة مجتمعهم.

وقد بدأت فعاليات المهرجان  بكلمة "شاشات" ألقاها المخرج الفلسطيني الاستاذ/عبدالسلام شحادة، اكد من خلالها على أهمية افتتاح مهرجان شاشات التاسع في مدينة غزة، والجهد الكبير الذي اولاه مجلس إدارة شاشات وإدارتها وطاقم العمل فيها لتطوير العمل السينمائي في قطاع غزة، خاصة سينما المرأة ومنح الفرص للشابات الفلسطينيات في القطاع، وتوفير كل مستلزمات النجاح لهن.

كما أكد السيد شحادة على الجهود التي بذلتها مؤسسة شاشات لتجاوز كل العقبات الموضوعية والذاتية، في إصرار منها على خلق سينما فلسطينية متكاملة تربط ما بين الجغرافيا وأفكار الناس واوجاعهم المشتركة، وختم السيد شحادة في كلمته بالتأكيد على ان غزة ومنذ ما يزيد عن أكثر من نصف قرن، فتحت صدرها للأعمال السينمائية المتنوعة انتاجا وعرضا، وها هي اليوم تعيد لحمة تاريخها عبر مؤسسة "شاشات".

كما ألقى السيد أيمن فتيحة مدير مكتب الاتحاد الأوروبي في غزة، كلمة أكد فيها على دعم دول الاتحاد الأوروبي لمسيرة الثقافة الفلسطينية، وبالذات منها قضية السينما التي يوليها الاتحاد الأوروبي أهمية كبرى، كون كل منتج سينمائي عبارة عن سفير لفلسطين يخاطب العالم ويشرح لهم قضيته، ويظهر حجم المعاناة التي يكابدها جراء الاحتلال ، كما وعد السيد فتيحة بمواصلة الاتحاد الأوربي لدعم السينما الفلسطينية وأشاد بالتجربة الناجحة بين الاتحاد الأوربي مع مؤسسة "شاشات" .

فيما القى مدير القسم الثقافي في القنصلية الفرنسية بغزة السيد /انطوني برونو ،كلمة رحب بها بافتتاح مهرجان شاشات التاسع، الذي يلقى دعما واهتماما من الحكومة الفرنسية. واعتبره تطورا هاما في حياة الشعب الفلسطيني، مؤكدا على أهمية دورة المرأة الفلسطينية في صناعة الثقافة الوطنية والإنسانية، التي تشكل رابطا هاما للتواصل على ضفتي المتوسط.

حل الظلام في القاعة لتضيء السينما علينا، بدأت ذاكرتي تهرول نحو الخلف، نحو سينما غزة في طفولتي، وسينما دمشق وبيروت في شبابي، وسينمات عواصم كثيرة في نضجي (موسكو-باريس -مدريد -برلين –القاهرة) كنت امام سينما أخرى اليوم. سينما لشابات يشقن طريق الحياة.

وحتى تكتمل الصورة كان لابد من استمزاج راي المختصين والمشاركين في تقيمهم لهذه التجربة او في قراءتهم للأفلام المعروضة كل على حدا وكذلك انطباعات مخرجات الأفلام عن تجربتهم في شاشات ما لها وما عليها والدور الذي لعبته مؤسسة شاشات في تمكين الشابات المخرجات من انجاز اعمالهن.

 المخرج الفلسطيني/ سعيد البيطار أثني على عمق التجربة، ورأى في الأفلام المنتجة تطورا في المسيرة السينمائية الفلسطينية، تطورا حمل لغة سينمائية جديدة هي أقرب الى سينما الواقع منها الى سينما النخبة ، وطلب المخرج البيطار بتوسيع افق المشاركة للأجيال الشابة واشراك العنصر الشاب في تحمل مسؤولية انتاج سينما فلسطينية قادرة على تغطية هموم مجتمعنا.

فيما عبرت المخرجة الشابة /نيروز قرموط عن رضاها على ما قدم من أفلام، مطالبة بتعميق الأفكار الواردة بشكل أوسع وطرق موضوعات جديدة تلامس ما يستجد من قضايا تحيط بالشباب، وتكبلهم وتحد من اندفاعاتهم نحو سينما فلسطينية جديدة.

بدورها عبرت السيدة /هند العربي مديرة البرامج النسائية في وكالة الغوث، عن إعجابها بهذه التجربة وبالذات في بعدها الاجتماعي الذي وفر التمييز الإيجابي للمرأة، لكي يكون لها صوت وصورة بعيدا عن هيمنة الحالة الذكورية، واستلباتها، متمنية فتح المزيد من الموضوعات الاجتماعية وتقديمها عبر شاشات السينما لما لها من دور في تغير نمطية تفكير المرأة ذاتها، وتدعيم حضورها المتفاعل مع مشاكلها.

اما الباحث/ سعيد أبو معلا فقد رأى في تجربة شاشات هذا العام تطورا ملموسا عكس تراكم الخبرة والانفتاح التي عملت شاشات على تطويرها. لكنه أشار إلى بعض القيود من شحة التمويل للأعمال السينمائية والافتقار إلى آليات التوزيع التي تحد من توسيع افق السينما الفلسطينية وأشاد الباحث أبو معلا بتجربة شاشات التي لولاها لما كان هنالك تواصل لهذا المهرجان والتي بفضل جهودها أصبح لدينا عشر مخرجات شابات واعدات، مضيفا لا يمكننا أن نحاكم شاشات اليوم بل علينا الانتظار طويلا حتى نرى هؤلاء المخرجات في أعمال تراكمية مقبلة.

وقد أشاد الباحث أبو معلا بالجرأة والمهنية التي تميزت بها الأفلام المنتجة كفيلمي (منشر غسيلو، وان جي كوز) وما قدمته مؤسسة شاشات من دعم لاختراق المسكوت عليه ولفت إلى أن أهم ما مميز هذه التجربة هو البعد التدريبي التربوي التي مارسته مؤسسة شاشات والمتمثلة في الدفع بالشابات لاتخاذ القرار وتحمل مسؤوليته مما عكس بدوره على بنية الأفلام وصورتها، وختم الباحث أبو معلا بالقول: لقد

 قدمت شاشات صورة بعيدة عن النمطية بعيدة عن الصورة السائدة في المجتمع الفلسطيني وهذا بحد ذاته إنجازا يحسب لمؤسسة شاشات.

حرره: 
م.م