في "الحفيرة": "جُب" يوسف لا يستقبل إلا المستوطنين والعابثين

جنين- إباء عبيدية
تلوح لك من بعيد، لتروي بقايا حكايات إلتهمها التراب، هناك تستلقي " الحفيرة "، منعزلة على طرف شارع طويل يؤدي الى قرية "عرابة " القريبة من "جنين"، بينما لم تدعها أشجار السرو وحيدةً فتشابكت لتعطيها إخضرار حياة، فيما تربع في أعلى السهل "تل دوثان" المنهك من نهش باطنه وإستئصال تاريخ تجمع فيها وتفرق في متاحف يهودية وأجنبية.
"فجب يوسف" المنزوي تحت تينة انبثقت منه لم يشفع للمنطقة لتنال شيئاً من العناية والإهتمام فتحولت لمتحف مستباح تسرقه كل يدٍ دخيلة أو عابر سبيل.
بعيون يملؤها التوجس وتجاعيد وجه تغيرت ملامحه خيفةً، رفض "حرز الله عبد الرحيم" التحدث الينا، فسيارتنا لا توحي بأننا من العرب كما قال، فهي تحمل اللوحة الصفراء، وكثيراً ما تأتي مثل تلك السيارات ليس لتكشف كنز التلة وتظهره للعلن بل لتسرقه، وتشوه تاريخ الأرض وتزوره، فالمستوطنون من أكثر الناس زيارة للمكان كما بين لنا بعد ان استرسل بحواره.
"هاي المنطقة ثروة بتتقدرش بثمن" قالها وهو يتكئ على عصاه ويروي للحفيرة حكايتها "هون عاش الرومان والبيزنطيون والفنيقيون والآشوريون وغيرهم من الأمم، سبع ملوك عاشوا بهذا الجبل، التراب هذا تاريخ عريق".
يكمل وهومنهمكٌ بصعود التل وقدماه تسيران فوق تراب ممزوج بنكهة متنوعة من الحضارات: " الأجانب كتير بيجوا على المنطقة منهم دكتور أمريكاني وطلابه كانوا يطولوا فخار وأواني زجاج ويشحنوها على القدس وبعدين بينقلوها للخارج، هم بيعرفوا قيمة هذا التل أكثر منّا الفلسطينية".
يضيف وعيونه تمتلئ حباً للمكان المرصع بآثار أبنية وأسوار قديمة " أنا الي هون 400 سنة، أبّاً عن جِد، إحنا بنحاول نحمي هاي الأرض، ولما بشوف ناس بتحفر بطرهم، لأنهم بيسرقوا أثار وتاريخ المنطقة وببيعوها بمبالغ كبيرة للأجانب".
بينما لاحت عصاه تشير لحدود التل وقال:" كل ما بقعد هون بتخيل حياة الأمم السابقة، الناس كاينه حياتهم جيدة كتير فمعظم الآثار الي هون عبارة عن حجارة قصور، كانت الناس زمان تعيش فوق التلة وبنزلوا على البير بممر (سرداب) بعبوا المي وبيطلعوا بنفس السرداب على الجبل حتى موقع التل والبير كان بشكل منطقة آمانة للسكان في الحروب ".
وأثناء سيرنا في طريق غُيب عن التعبيد وتحسين حاله أمام زائريه تشتهي عيونك أن ترى "كارمة" مزروعة على طرف الشارع تحمل إسم "الحفيرة" ومعالمها الأثرية، فكلمات "حرز الله "تخرج معتابة لائمة كل من هو مسؤول:" الشارع قالولنا بدهم يعبدوه بس الأزمة الإقصادية هي الي مانعتهم وهينا بنستنا ".
فيما يغفوا بئر يسمى "جُب يوسف" أسفل التل وقد أحاطته الأعشاب وأظلته شجرة التين وغُيبّت عنه مياهه، فهناك روايات كثيرة وشواهد أثرية تقول بأنه مرتبط بقصة النبي يوسف "عليه السلام" فيضيف "حرزالله" في صوت تلبسه حزنٌ عميق " هذا البير لحالوا قيمة كبيرة وبحتاج لحماية، الناس ما بتحترموا، هذا مكان القي فيه سيدنا يوسف، والناس بوقتنا بترمي فيه نفايات".
"كل ما أتمناه سياج يحيط المنطقة، يحميها من أيدي ناهبة، وعيون حراسة تحفظ للمكان حرمته التاريخية، وتعطيه قيمته الأثرية"، هذا ما تبقى لحرز الله من أمنيات، لنغادر بعدها تاركين تراباً يغفوا تحته عبق ماضٍ يأمل أن يتزين فيه حاضره ويعيد له ملامح تاريخ هُجر وبيع على أيادي إستباحت عارقة المكان المُهمل بعناية .
ولكن أمنتيه لا يحققها إلا قطعان من المستوطنين وبحراسة جيش الاحتلال لهم، وأهل فلسطين وبالأخص مدينة جنين في غفلة عن هذا الزمن الذي لا يعلمون عنه شيئاً يذكر.
ويبقى السؤال من هو المسؤول عن المجزرة التي تتعرض له تلة دوثان "الحفيرة"؟ ومن هو المسؤول حول عدم علمنا بتلك الكنوز البشرية.. وتاريخ فلسطين القابع هناك... ويبقى جزءٌ من تاريخ فلسطين يتمدد في قبر دوثان ويسرق ويدنس ونحن حتى مكان تلك التلة لا نعلمها، إلا من رحم ربي.