عدوان محدود لأهداف محددة..

talal.okal

دون مقدمات عملية من الجانب الفلسطيني، أقدمت إسرائيل على خرق التهدئة غير المتفق عليها مع قطاع غزة، بتصعيد نوعي، تتقصد إسرائيل من ورائه استدراج ردود فعل فلسطينية بما تيسر من سبل الرد المتوافر لدى فصائل وجماعات المقاومة.

إسرائيل دأبت على خرق التهدئة الهشة القائمة، وفي معظم المرات كان الرد الفلسطيني محدوداً ومحسوباً، ولا يصل إلى مستوى، توفير الذرائع التي تسعى إسرائيل إليها.

وإذا كانت إسرائيل غير مهتمة بالذرائع والمبررات، ذلك أنها تواصل دورها كدولة احتلال وعدوان، فإنها هذه المرة، تدعي أن ثمة مجموعات في غزة تخطط للقيام بعمليات عسكرية، دون أن تتوقف عن سرد معزوفتها الممجوجة بشأن تضخم 'الترسانة' العسكرية لحركة حماس وفصائل المقاومة في القطاع.

كان استهداف الأمين العام الجديد للجان المقاومة الشعبية ونائبه بعد أن قامت باغتيال الأمين العام السابق واثنين من مساعديه، مقصوداً، وينطوي على استفزاز كبير، لا تحتمل معه لجان المقاومة الصمت أو الصبر دون أن تقوم بالرد خاصة أن هذه اللجان ليست محكومة بأفق سياسي وحسابات تمنعها من الرد.

ولأن رد لجان المقاومة الشعبية قد لا يكون كافياً لاستدراج أعداد كبيرة من الصواريخ الفلسطينية، أتبعت عملية اغتيال قادة اللجان باغتيال عشرة كوادر من الجهاد الإسلامي، خلال اثنتي عشرة ساعة فقط، ثم تعلن المصادر العسكرية الإسرائيلية أنها تخوض حرباً مفتوحة على الجهاد الإسلامي.

هذا التصعيد النوعي، من شأنه أن يحرج حركة حماس، التي تتحمل المسؤولية وتدير السلطة في قطاع غزة، وتبدي حرصاً واضحاً على الالتزام بالتهدئة وضبط أية ردود فعل فلسطينية ضمن الحدود التي لا تؤدي إلى انفجار الوضع. في هذه الحالة لا ترغب حماس في أن تجد نفسها في مواجهة من سيبادر للرد على العدوان الإسرائيلي، ولكنها أيضاً لا تستطيع الانخراط لتوسيع الرد الفلسطيني، وسيترتب عليها إعادة الإمساك بزمام المبادرة، فيما إسرائيل توغل في عدوانها واستفزازها.

ربما كانت إسرائيل تسعى لتحقيق أحد أهدافها في خلق حالة من التناقض بين حركتي الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية على خلفية طبيعة وحدود الرد على العدوان، لكنها على الأرجح محاولة للاصطياد في مياه عكرة، حيث من المستبعد أن يقع مثل هذا التناقض، إلى الحد الذي يثير القلق على الأوضاع في قطاع غزة.

ولأن العدوان الإسرائيلي النوعي، هذه المرة، لم يكن محمولاً على ذرائع إطلاق صواريخ فلسطينية على إسرائيل، فإن التساؤل يكبر بشأن حجم هذا العدوان، وتوقيته، خصوصاً أنها اتخذت إجراءات، بإخلاء المستوطنات على مسافة معينة من قطاع غزة.

في الواقع فإن هذا التصعيد محدود، ولا يتصل بالحرب التي تحضر لها إسرائيل منذ بعض الوقت وتشمل جبهات متعددة، بقدر ما إنه محاولة لتسخين الوضع في المنطقة، وفحص طبيعة وحجم الردود العربية عليها خصوصاً فيما يتصل بمصر. لقد حدد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي طبيعة العدوان حين أعلن أنه أعطى توجيهاته للجيش لتوجيه ضربة قوية للقطاع فيما اعترف وزير الدفاع الإسرائيلي أن العدوان سيستمر بضعة أيام.

من الواضح أن الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى تنشيط عملياته الخارجية حيث أمكن والممكن هو ضد قطاع غزة، لتعزيز مكانته، ودوره الحاسم في حماية أمن ووجود إسرائيل، في مواجهة الوزارات المدنية ومنها المالية التي لا ترى ضرورة للاستجابة وتلبية الموازنات العالية التي طلبها الجيش. على أن المسألة لا تقف عند هذه الحدود، فقد جاء توقيت العملية مباشرة بعد عودة بنيامين نتنياهو من زيارة عرمرمية للولايات المتحدة، بغرض حضور المؤتمر السنوي لمنظمة 'إيباك' اليهودية الأميركية، وخلال هذه الزيارة مارس ابتزازاً قوياً وملحوظاً على الإدارة الأميركية من بوابة الرغبة الإسرائيلية المستعجلة في استخدام القوة لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي.

لهذا فقد ارتفع مزاد الحديث عن الخيار العسكري، حيث انساقت الإدارة الأميركية وراء التهديدات الإسرائيلية لإيران، وبدا وكأنها بصدد تغيير خياراتها لمواجهة الخطر الإيراني، ولكن ليس قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى قبل نهاية هذا العام.

لذلك اتسمت تصريحات الرئيس باراك أوباما بالتشدد في تقديم موقف حاسم بأن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، وانها ستبادر إلى القيام بواجبها قبل أن تبلغ إيران هذا الهدف. تصريحات الرئيس الأميركي جاءت بمثابة الوعد الذي ينتظره نتنياهو الذي يعرف من أين تؤكل الكتف الأميركية، ولذلك فإنه أبقى الباب مفتوحاً على إمكانية توريط الولايات المتحدة في الوقت غير المناسب لها، حين قال إن توجيه الضربة العسكرية لإيران لن يتم خلال أيام وأسابيع ولكنه لن يتأخر لسنوات.

في هذا الاطار قد يكون هذا المناخ الحربي، شجع نتنياهو على ارتكاب عدوانه على قطاع غزة، ضامناً الغطاء الأميركي من ناحية، وفي محاولة لتهيئة مناخات المنطقة لما هو قادم من ناحية ثانية.

ومن الواضح أن إسرائيل تقوم بضربة وقائية تخديرية هدفها تقديم رسالة واضحة للفلسطينيين من أنها لن تسمح بنجاح المصالحة الفلسطينية ذلك أن الانقسام يشكل أحد أهم الإنجازات التي حققتها إسرائيل منذ العام 1948 كما سبق لشمعون بيريس أن قال.

نضيف إلى ذلك أن هذا العدوان، يبعث رسالة ساخنة للرئيس محمود عباس الذي يحضر لتقديم رسالة لنتنياهو وقادة العالم، جوهرها لا يؤدي إلى استئناف المفاوضات، بسبب السياسة الإسرائيلية، لكنها تؤدي غرض فضح السياستين الأميركية والإسرائيلية إزاء عملية السلام، الأمر الذي أزعج الإدارة الأميركية التي طالبت عباس بالامتناع عن تقديمها، إذاً جملة من الأهداف تقاطعت لتحديد توقيت هذا التصعيد الإسرائيلي المفاجئ والاستفزازي الذي يحتاج من الفلسطينيين إتمام مصالحتهم ووحدتهم قبل كل شيء.