آثار إلغاء الضربة العسكرية على الشرق الأوسط

بقلم: د. تشيلو روزنبرغ
انتقال الولايات المتحدة من المبادرة إلى الرد والانجرار وراء اقتراحات غير واقعية بالنسبة لسورية من شأنه أن يلحق أضراراً جسيمة للغاية بمن تعتبر نفسها القوة العظمى في العالم.
نوضح منذ البداية أنه ليس في ما قيل أعلاه احتجاج على عدم الهجوم المتوازن في سورية. فوزير الخارجية كيري محق في رؤيته نهاية الأزمة، بمعنى أن يكون الحل سياسيا وليس عسكريا. غير أن القول الشهير لكلاوزفتس بان "الحرب ليست سوى استمرار للسياسة بوسائل اخرى" وحاليا، يطبق بشكل ملتو بعض الشيء من قبل اوباما ورجاله. حذار أن ننسى بان كلاوزفتس نفسه قال أيضا ان "الحرب هي مملكة عدم اليقين"، وانه لا ينبغي المسارعة إليها من أجلها ذاتها. وعلى أي حال يبدو أن إدارة اوباما اليوم مشوشة وغير مستقرة في قراراتها. حتى وان كان الأمر ظاهريا، فان لذلك آثارا ثقيلة الوزن على مستقبل الولايات المتحدة والعالم الحر.
في مقال نشرته في 28 آب ادعيت بان "الحرب الباردة" تعود. وكان هناك من سخر، ولكن الواقع اليوم هو أن روسيا عادت الى مقدمة المسرح السياسي وتصطدم بالولايات المتحدة، بالضبط مثلما في عهد ذروة التوتر بين القوتين العظميين. وهذه بالضبط هي النقطة: روسيا هي المتصدرة والولايات المتحدة هي التي ترد. وهذا خطأ استراتيجي من الطراز الأول.
الاقتراح الروسي الأخير، والذي يقضي بان سورية مستعدة لقبول رقابة دولية على مخزونات السلاح الكيميائي، الاقتراح الذي في واقع الأمر طرحه وزير الخارجية السوري بالمناسبة، والاستجابة الأميركية السريعة له، يضع العالم الحر أمام معضلات قاسية جدا. فقبول الاقتراح الروسي من جانب الولايات المتحدة كحل ممكن، دون هجوم على سورية، معناه تحول المنطقة كلها الى إيران. فلا توجد أي إمكانية واقعية للرقابة على مخزونات السلاح الكيميائي السوري. لقد فشل العالم، المرة تلو الأخرى، في أعمال مشابهة. والمثال الأبرز هو ايران. فالحكم الإيراني يخدع العالم لسنوات عديدة جدا. تقارير مراقبي الأمم المتحدة تراكمت حتى الرعب، وقد طردوا مرات عديدة لا تحصى من ايران ومرات عديدة أكثر لم يسمح لهم بالدخول. وفي ظل الإيمان الصبياني بأن ايران قد توقف أعمال تخصيب اليورانيوم قبل إنتاج السلاح النووي خلق واقع فرار الجياد من الإسطبل. فليست الأمم المتحدة ولا أي دولة في العالم لديها مؤشر دقيق الى يحصل في ايران. هذا سيئ للعالم الحر، هذا سيئ لكل من يعتقد بان سلاحا فتاكا جدا في ايدي أصوليين خطير جدا. وبسبب الأحداث في سورية، نسيت المسألة الإيرانية، ولكن لشدة الأسف، تواصل أجهزة الطرد المركزي وبرامج تطوير السلاح النووي في ايران العمل بشكل حر. لقد أشاح العالم عينه عن إيران، وبالنسبة لحكامها هذه أيام رحيمة لا مثيل لها. وغني عن البيان الإشارة الى ما من شأنه أن تكون عليه الآثار.
بعد أن قلنا كل هذا ووجهنا انتقادا معينا للإدارة الأميركية، ينبغي أيضا ان نتناول الازدواجية الأوروبية التي تجعل الأمور صعبة جدا على اوباما. ليس في نيتنا الادعاء بان زعماء أوروبا يجب أن يتجاهلوا الرأي العام في دولهم. إضافة الى ذلك، فان كل عملية إقرار في البرلمانات وضروب الإجراءات المعقدة، تبشر بعصر تنام فيه أوروبا في سبات حلو. لقد كانت عهود في التاريخي الأوروبي، البعيد والقريب، أدى فيها سبات من هذا النوع الذي نراه اليوم الى مصائب جسيمة للغاية.
ينبغي ان نتذكر شيئا واحدا أساسا: الولايات المتحدة غير مهددة، مواطنوها آمنون جدا. وسيدعي البعض بان المعارضة في أوساط الأميركيين للعملية العسكرية مفهومة، وغير مفهوم موقف أوروبا. فهكذا من شأن العالم الحر أن يتدهور الى هوة فيما زعماء ايران تبش وجوههم سعادة.