إلى عربيّ .. إن أتاها سائحا
كيف سيأتي العرب إلى القدس؟ لندع النقاش مقتصرا على الكيفية بدلا من التساؤل عن هدف الزيارة أو مغزاها أو الذي سيترتب عليها، كيف سيأتون والمدينة كما يعلم الجميع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة شأنها شأن كل البقاع الأخرى في فلسطين عدا قطاع غزة – نسبيا -، فإسرائيل سيد البيت وحارس بوّاباته.
هم بحاجة إلى تأشيرة دخول بالضرورة وهذه تمنحها السفارات أو الممثليّات؛ وهذه ليست موجودة في كل قطر عربي، ولأغراض الزيارة ستفتتح سفارة إسرائيلية في كل قطر عربي، وعلى فرض تم تجاوز هذه " الجزئية" وبقينا في ظل السؤال عن الكيفية وحسب، وبعد وجود مقر سيادي إسرائيلي في كل دولة عربية وفي العواصم أجمعها سيذهب إليه العرب طلبا للتأشيرة وهناك يتعاملون بلطف مع موظفة في السفارة يبادلونها التحية وتبادلهم البسمات وتتمنى لهم إقامة سعيدة في إسرائيل، وقد تعرض عليهم بعض "الخدمات" على الهامش.
ينكسر الحاجز النفسي – خط الدفاع الأخير – عند العربي ويتعامل مع الإسرائيليين اللطفاء بخلاف صورتهم عنده، ويبدأ برغبة منه أو دون رغبة بالتعرّض لكل إعلانات وعروض شركات السياحة الإسرائيلية؛ عن إسرائيل تضاهي مراتع السياحة في أوروبا والعالم، عن الفصول الأربعة في مساحة صغيرة؛ عن البحر الميت عن ثلج جبل الشيخ عن شواطئ إيلات عن حيفا وعكا، عن كل شيء جميل بنكهة وصبغة إسرائيلية، ولنفترض متانة خطوط الدفاع لديه وإصراره على أن الوجهة للقدس وحدها.
من باب وجود السفارات فلا ضير بوجود خطوط طيران إلى مطار بن غوريون مباشرة؛ فالأولى تستبع الثانية ولا بأس بوجود طائرات "ال عال" في الرياض أو بغداد أو الجزائر والقاهرة وبيروت، وقد تكون عروضها أفضل من غيرها فيستقلها العرب قاصدو القدس، وخلال معاملات السفر والطيران وما حولها ستعتاد آذانهم العبرية، وتفقد فجاجتها حين تفتر عن شفاه المضيفات الجميلات المتعددات في اللون والشكل والهيئة تعدد الأعراق المتهوّدة المستوطنة فلسطين؛ سيجدون شقراء روسية وسمراء إثيوبية، وحنطية يمنيّة تسدعى في مهمة وطنية لكسر حاجز الخوف لدي عربيّ مثلها وتدسّ له العبرية بين كلمات العربية محفوفة بغنج.
سيحطّ العربي في مطار بن غوريون وسيحاصر بعروض السياحة، وقد يضعف من باب التعرف على "ماذا خسرنا في فلسطين" وينحرف عن الوجهة قليلا، وقد يظل رابط الجأش ثابت الخطى نحو القدس، سيتفرّس في وجه أي عربي في المطار ليرشده إلى الطريق مباشرة، سيمضي إلى القدس دون هوادة، يركب التاكسي ويقول بلسان عربي فصيح : " إلى الأقصى!"
سيتقن سريعا تحويل العملة إلى الشيكل، وسيألف الرموز وسيسأل عن كل الموسومة بهم أوراق العملة، سيمرّ في الشوارع الجميلة والبلاد الرحبة ويراها غارقة في الوداعة، وقد يهمس به هاجس ما : " عن أي صراع يتحدّثون؟"، وسيمضي إلى الأقصى منصاعا للشرطي والمجنّدة، ملتزما بقوانين السير وعطلة السبت واحترام المتدينين، لن تختلف الطريق عن تلك الواصلة بين أي مطار في أوروبا والعاصمة.
على مشارف أسوار المدينة في أحسن الأحوال سيفكر بصلاح الدين، وسيبكي من فرط الاشتياق، وسيسابق مدى الرؤية ويستعجل النزول من التاكسي وقد ينسى دفع الأجرة وحين يطالبه السائق؛ يترك له أضعاف المبلغ المطلوب، سيركض لاهثا نحو البوابات، هنالك سيقابله شرطي أو جندي أعلمته القيادة الإسرائيلية ان هنالك زائرين جدد فأحسنوا ضيافتهم، يبتسم له ويرحب به في جبل الهيكل.
من فرط اللهفة سيرد التحية ويعبر البوابات، سيسجد في أي مكان، سيبلل أي أرض بالدموع، لن يفوّت الركعة بخمسمائة وسيصلي حتى يخطئ العدّ، سيزجي النهار وشطرا من الليل في الأقصى وقبة الصخرة وعلى الأسوار وفي الطرقات المسقوفة، سينوء العقل بأكوام المعلومات، وتعلم إسرائيل أنها بحاجة لدعاية مضادة، فتشترط أن يرافق الزوّار مرشد يهودي، سينسف كل قناعات الطفولة بعجالة، وليس المهم أن يقتنع السيّاح العرب، المهم أن تصبح القناعات مادة نقاش ووجهات نظر.
في نهاية اليوم الحافل أو الأحفل سيمضي إلى أحد الفنادق ومع حرصه على الإقامة في فندق عربي لن يجد متسعا فالكل يفكّر بطريقته، فيمضي إلى فندق مالكه يهودي وعماله عرب فهذا أفضل؛ قد يبرر الأمر لنفسه هكذا، وسيفكر ليلا في الأيام القليلة الباقية؛ فالفيزا سياحية وعدد أيامها محدود، وفي أحسن الأحوال سيجول في القدس يضخ النقود في عجلة الاقتصاد الاسرائيلي وإن كان المال يوضع في يد فلسطينية، قد يزور سلوان ويتعرف إلى ألم الفلسطينيين عن قرب، سيبكي طويلا ويحاول المساعدة بالمال إن كان مقتدرا، وبالضرورة من سيقوم برحلة كهذه سيكون ذا سعة.
سيفكر بزيارة الضفة وستمنعه إسرائيل بالكثير من الذرائع، وقد يملّ من التجوال في القدس ويفكر في وجهات أخرى، سيتصرف كسائح، هذا في أحسن الأحوال، ولن يكون أمامه متسع إلا التصرّف كسائح، سيحمل نجمة داود في جواز سفره كالكثيرين من العرب حينها، وسيسهّل تنقل الكثير من العملاء إلى إسرائيل ومنها وسيختفون بين ملايين النجمات السداسية في جوازات سفر العرب.
ومعلومة يدركها الجميع بالضرورة؛ لن تتنازل إسرائيل قيد أنملة عن معاييرها الأمنية فلا يظنن أحد أنه سيناصب الاحتلال العداء في القدس إن أتاها سائحا، حتى الأموال المحمولة لن تجدي في دعم القدس وأهلها، وإن كان الأمر مقتصرا على الصلاة في الأقصى وحسب؛ لسمحت إسرائيل لأهل الضفة بالدخول للصلاة.
في أسوأ الأحوال سيسقط الزائر الغر في حبال الموساد بفتنة شقراء أو حيلة جاسوس أسبق، وفي أحسن الأحوال سيمتلئ حقدا على إسرائيل وما فعلت ببيت المقدس فيكتب قصيدة أو يجترح خاطرة.