بالصور: الثالث على فلسطين في التوجيهي لا يملك "إنترنت" ودرس على ضوء القمر

سعيد قديح / غزة –  خاص زمن برس

ما تصيبه صاعقةٌ، قد ينتهي به الحال إلى رماد، وما تأتي عليه حربٌ، قد لا يظلُّ معه انسانٌ سليمٌ أو جماد، وما تفرزه المعاناة القاسية، قد تعجز في النهاية كل الضمائرِ والألسنة على وصفه أو بعضه.

لكن الحالة التي عليها نعيم راضي ( 18 عاماً ) قد خالفت ذلك نصًا ومضمونًا، فرغم ما مر عليه من ظروف إنسانية صعبة يبررها ضيق مساحة المكان وشدة العوز، وشح ما في اليد، والذي رافقه طيلة وقت مذاكرته لإمتحان الثانوية العامة – التوجيهي – إلا أنه ترجل وأخيرًا من على صهوة الانتظار؛ ليكسر كل تلك القواعد، وبثبات مبدع لا يكل ولا يمل، يفاجئ الابن الشاب الجميع  بإحرازه المرتبة الثالثة على فلسطين في القسم الأدبي،  وبواقع 99.4 %.

وعن مكان دراسته في بيته المقام في حي تل الهوى – جنوب غرب غزة -  فتبدو هذه قصة طويلة، فلم يكن جناح فندق أو غرفة ذات جودة في الإضاءة والتكييف تليق بطالب، إنه ما يشبه " الكوخ " بمساحة نصف متر عرضًا وطولاً،  كان قد أقامه نعيم لتوفير جو ظن أنه سيناسبه طيلة فترة دراسته وينجيه من ضجيج البيت وفقره، إلا أن ما رأيناه من سقف تعلوه الأقمشة المتسخة، وطاولة قديمة تُعبّدها تعاليمٌ وقطع مكتوبة بخط الحبر، ووردة في مزهرية بيضاء شفعت لها حرارة الطقس على أن لا تذبل، تعلوها مجدداً خرائط الجغرافيا الملصقة على جدار من " خشب رفيع"، كل هذا يشير في الحقيقة إلى حجم معاناة " نعيم ".

يضم نعيم قدميه، تلتحف عيناه السماء، وبإبتسامة خفيفة الروح، يصف بيته قائلاً:" إنه مزيج من فوضى الأطفال، والنظافة المفقودة، والضيق في التنفس، والإضاءة المُضرّة  بالعين". متابعًا:" ثم أنه حدث معي أن أصعد لسطح البيت – المتصدع –  في الوقت الذي تنقطع فيه الكهرباء، وأباشر الدراسة على ضوء القمر، وأحيانًا أخرى في النهار داخل بيارات ومزارع

الجيران".

.

نعيم ببساطة لم يتصفح مواقع الإنترنت، ولم يدخل أي منتدى تعليمي، ولم يملك بعد قائمة أصدقاء أجانب يشاطرونه المستوى في ذكائه وفصاحته، ولم ينشئ حسابًا بعد على فيس بوك أو تويتر،  هو لا  ينكر أنه يفضل ذلك، لكن الإجابة التي جاء بها لسانه كانت:" لا أملك جهاز حاسوب، ولا خط انترنت، ولا تلفون، لا شيء مثل هذا"، مشيرًا إلى أن شبان من الضفة الغربية  يديرون  مؤسسات  فنية  وتربوية إحداها  على علاقة بالفنان الفلسطيني محمد عساف، كانوا قد اتصلوا به مهنئين، وطلبوا منه أن يدخل الإنترنت لإعطاء معلومات  عن  حالته  قائلاً لزمن برس :" أنتظر صديقي الجار، سيأخذني لبيته، وأستعمل جهازه المتصل بالإنترنت".

" الصحافة والإعلام" هو التخصص الجامعي الذي علق في ذهن راضي، موضحًا أنه يحب هذا المجال، ويرى أن لديه "طاقة كامنة، ورغبة عالية، في دخوله، وتطوير نفسه وإفادة شعبه وايصال معاناته للعالم"، ولا مانع لدى نعيم في دخول جامعة تركية أو ماليزية لدراسة الصحافة هناك مشيراً إلى أن ذلك سيكسبه أيضًا لغة أجنبية إلى جانب الإنكليزية والعربية.

يجر والده ( 42 سنة ) ويدعى –  محمد – باقة زهور تحمل بطاقة تهنئة – كانت قد رُكنت على باب بيته الصغير، والذي تخفيه عن الأعين  عمارةٌ من خمس طوابق،ٍ حيث إنه ذو سقفٍ مصنوع من الأقمشة المتسخة والزينكو وبعض قطع الباطون، يحوي  صالونًا  ومطبخًا وحمامًا مشتركًا بين عائلته وعوائل أخوته الأربع،  وذو جدارٍ آيل للسقوط، لا يكنسه من علامات الغبار والوحل والتصدع شيء،  فأبو نعيم يستخدم سيارة جارٍ صديق له في نقل الركاب على خط غزة وحاراتها؛ ليكسب بعرق جبينه مبلغًا غالبًا ما يصل إلى خمس دولارات أمريكية في اليوم، لا تكفي لإعداد مائدة رمضانية واحدة. ويردف قائلاً:" الحياة هنا ليست عادلة، كان من الممكن أن يكون ابني الأول على فلسطين في قسمه، فهو كان يذاكر طيلة الوقت، رغم الحال التي أعيشها ويعيشها وباقي أفراد أسرتي وأسر أخوتي، إننا منسيّون، لا أحد يهتم إلا رب العالمين".

تضع آية ( 17 عاماً ) – شقيقة نعيم – الملح على طبخة العدس التي ستكون افطارًا لعائلة راضي الكبيرة، وبابتسامة تزحزحها ملامح خجل تقول:" كان شعورًا لا يوصف، حين سمعت لحظة حصول شقيقي على هذا المعدل، هو تعب وذاكر وسهر، إلا أنني أطلب من هذا العالم، من الجهات المعنية، أن تنظر لحاله، أن تخرجه من هذا المكان غير المناسب له، كونه ذكيًا ومتفوقًا، ويحتاج  لمقومات  عيش  ومذاكرة  لحياة جامعية مناسبة".

آية ستلتحق خلال الفترة القادمة بالتوجيهي وقالت لزمن برس :" لا مستحيل، سأحاول أن أنافس مرتبة نعيم، وأحرز مثله بل أكثر منه!".

"ثقتك في الله أولاً، فجوك الهادئ، ثم توفيرك ملزمة واحدة تكون مرجعك الجيد للمادة الدراسية، وعدم خوفك من النسيان، والعمل على إدارة وقتك بكل جدية رغم ظروف حياتك، والمداومة على العبادات والطاعات، والصبر، والمرح"، يختم نعيم حديثه لنا بهذه النصائح لطلاب الثانوية العامة في الموسم الدراسي القادم.

 

شاهد المزيد من الصور...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حرره: 
م.م