لضيق المكان .. داسته أقدام اخوته الصغار بغير قصد أثناء لعبهم، فلقي حتفه !

خان يونس / سعيد قديح
قد تجد بيتًا، لكن أن يكون بلا سقفٍ صالح للعيش، هنا يبدو الأمر معقدًا، وقد يأتيك طفلُ من رحم زوجتك للتو، لكن أن تدوسه أقدامُ أبنائك الصغار- بغير قصد - فيلقى حتفه، لا لشيء إلا لأن ضيق مساحة مسكنك سلبت حق أطفالك في اللعب والعيش، هنا يبدو الأمر أكثر تعقيًداً، وقد يطال المرض ابنتك الصغرى، لكن أن لا تجد دولارًا واحدًا يحفزك على التفكير في شراء دواءٍ لعلاجها، هنا المأساة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، وهذا بالضبط هو حال عائلة صبح التي تقطن في المنطقة الواقعة بين مدينتي رفح وخان يونس جنوب قطاع غزة.
في الخامس من تموز عام 2009م– كان أبناء أشرف صبح ( 32 عاماً ) الصغار يلهون في غرفة نومهم الضيقة التي تكسو جدرانها آثار الغبار والتصدع، ليفاجئوا أن أقدامهم قد داست - وبغير قصد - على جسد شقيقهم الرضيع يوسف؛ ليغادر الحياة بعد 37 يوماً من رؤيتها، ويعزو الأب سبب ذلك لضيق مساحة البيت، فركنه الذي يسكن فيه مع زوجته وأطفاله الثلاثة يشتمل فقط على مطبخ ملتصق بدورة المياه تليه الغرفة الوحيدة التي يعلوها سقف الإسبست الآيل للسقوط، متسائلاً:" هل تحتملون عيشًا في بيتٍ غير نظيف كهذا، وتحت سقفٍ مهتزٍ مثل هذا ، وأمام وجوه أطفالٍ لكم مساكين يطلبون الحاجة كهؤلاء ؟!".
يتجمع حوله أطفاله، ويتابع صبح حديثه لزمن برس قائلاً:" شهر رمضان الذي من المفترض أن أؤمن فيه شيئًا لأولادي، والذي من المفترض أن آتي بكسوة عيد فطرهم، إنه يمر علينا دون أن نشعر بأنهم بشر لهم كرامتهم وإنسانيتهم". مشيرًا إلى أنه دومًا تكون مائدة إفطارهم إما "علبة فول مدمس قديمة أو حبة بندورة وقطعة خبز جافة".
وغير بعيدٍ عن باب مسكنه– وبأمتارٍ قليلة – تلعب ابنته الصغرى خلود ( 4 أعوام ) بالرمل مكونةً شيئًا من الأشكال التي لا إسم لها، يشير إليها أباها بإصبعه نافضًا أجواء الصمت بقوله:" إنها معاقة عقليًا، وتعاني من الصرع والتشنج الدائم، وتمضي أغلب وقتها في اللعب بالرمل"، ويتابع بعد همهمة قصيرة:" لا أستطيع توفير دواء مناسب لها، أو حتى لباس يناسب صغيرة مثلها، فلا حول ولا قوة لي ولها ولنا إلا الله".
ولا يختلف حال أخوة أشرف عما يعيشه، فسامي ( 28 عاماً ) لا يتذكر من قبل أنه عاش يومًا تكسوه السعادة ولو لساعة واحدة، كون أن زوجته الأولى وتدعى - منايا – داهم السرطان رئتيها فحولها لجسدٍ ينخر ألمًا وموتًا متكررًاً طوال الوقت، إلى أن جاءت لحظة مغادرتها للحياة. قائلاً
لزمن برس:" رغم أنني سافرت برفقتها لمصر لعلاجها كيمياويًا مرتين، وكنت أوفر العلاج لها بعرق جبيني، إلا أنني لم أعد حينها أملك شيئًا، فكانت تتمنى الموت على أن لا تبقى تتعذب ببطء، وماتت". مشيرًا إلى أن لديه طفلٌ أنجبه منها قبل وفاتها. وطفلةٌ من زوجته الحالية.
على القرب تجلس أم أشرف ( 65 عاماً ) تمرر غطاء شعرها على وجهها، فهي لا ترغب أن يظهر للكاميرا. تتكئ على ركبتها ابنتها الكبرى أزهار ( 40 عاماً )، تضع رأسها شيئًا فشيئًا عليها إلى أن تغمض عينيها ، حيث تعاني من مرضٍ نفسي حاد يتطلب نقلها مرارًا وتكررًا لمصحة النصر النفسية وسط مدينة غزة، ولا تشعر الابنة الأربعينية العزباء بالراحة أبدًا وسط أركان هذا المسكن الذي تصفه بالمزعج وشديد الفوضى ومتصدع الجدران، فكانت قبل أن تتناول دواءً يخفف من حالتها تجري وسط الحارات المحيطة بالبيت تنادي، وتصرخ، بلا وعي وحس، إلا أن والدتها أكدت على عدم تحملها لما تطلبه الصيدليات ثمنًا للدواء الذي تستدعيه حالة أزهار، ويساوي مائة دولار أمريكي لكل شهر، متسائلة:" من أين لي بهذا، فالموت والله أشرف من كل هذا؟".
تصحو أزهار من نومها على ركبتي أمها، فتشكو حر الشمس لها، ثم ترسم بأصابعها شيئًا غير واضح في الهواء، تفرك عينيها، وبعامية تسودها القلق والكسل تخر قائلة لنا:" أنا مريضة، ومش قادرة أحس إني أزهار زي زمان، بدي أعيش مرتاحة، أنا كنت منيحة قبل".