إقصاء «الإخوان» أخطر من حكمهم

بقلم: علي هاشم
يعيش البعض خيالات تأخذه إلى عتبة الوهم، بأن ما حدث في مصر سينهي حالة «الإخوان المسلمين».
في هذا الكلام بعض من أماني وبعض آخر من مراهقة فكرية قد تودي بمن يعتقد بها إلى حيث وصلت سوريا. فـ«الإخوان» ليست حركة طارئة تختفي بتفاهم الأضداد على عزلها، أو اندثار الدعم السياسي والمالي المقدم لها من بعض الدول العربية أو الإسلامية. هم حركة لا شك في انغراسها في تاريخ الأمة الحديث، من نسخ الحركات التي تنمو وتزهر بقدر ابتعادها عن السلطة، بقدر رفضها ومعارضتها، بقدر شعورها بالظلم.
ولأن «الإخوان» اليوم، بعد عزل الرئيس محمد مرسي، في قلب الرفض وعلى رأس المعارضة، فهم ربما أمام انطلاقة جديدة ونمو أعظم مما كانوا عليه.
سيخرج حشر «الإخوان» في الزاوية الأسد الذي في داخلهم، وهم بذلك، للمرة الأولى منذ عقود، يتخلون عن «التقية السياسية» التي أبقتهم أحياء بالرغم من كل ما مروا به، لكنها زادتهم إعياء وابتعاداً عن الخط المرسوم بدقة من قبل المؤسس الشيخ حسن البنا.
لم يعد لدى «الإخوان المسلمين» ما يخسرونه، فجأة أخذوا كل شيء، وفجأة أصبحوا من دون شيء، حتى التعاطف المخفي الذي كانوا يحوزونه من البعض إبان حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك لم يعد له في حساباتهم مكان. باختصار هم عادوا غرباء كما لم يكونوا من قبل، وهذا أخطر ما في الأمر.
لعل من نافل القول الإشارة إلى أن انعزال «الإخوان» ليس في مصلحة أحد، لا مناوئيهم في مصر ولا خصومهم في الخارج، لأنهم باختصار سيتحولون بقصد أو بغير قصد، وتدريجياً، إلى حالة عصيان سياسي وعسكري بقاعدة شعبية لن يكون من السهل مواجهتها.
بالنسبة إلى الداخل المصري، الحديث هنا ليس عن حركة هامشية تمارس السياسة للوصول إلى مقعد في مجلس الشعب، بل عن تيار شعبي قادر على ولوج الانتخابات والخروج منها وفي جيبه أكثرية قد تعيده إلى الحكم. عزل «الإخوان» في الداخل، والاتجاه كما يهمس اليوم نحو تفتيتهم، سيدفع بسيد قطب جديد إلى الساحة وكم هي مؤهلة لذلك. عزل «الإخوان» في مصر باختصار هو عزل لمجتمع كامل فيه الملايين من الأطباء والمحامين والأساتذة والإعلاميين، وان لم أكن مخطئاً فيهم ضباط وعناصر متفرقون في الأجهزة الأمنية والجيش، وهنا مكمن خطر آخر.
خارج مصر قد يصلح القول في المناسبة إنها خير من ألف ميعاد. فهي ربما مناسبة لفتح كوة في الجدار الفولاذي الذي يقسم الأمة ويقصم ظهرها. هي مناسبة لمد الخيوط من جديد والاتفاق على خرائط طرق جديدة في أكثر من نقطة ساخنة في الأقاليم أولها سوريا، ولعل تقارباً إيرانياً إخوانياً في هذه المرحلة، بسعي من حركة حماس، قد يتمخض عنه الكثير. فالإخوان اليوم أكثر من أي يوم آخر، تبدت لهم صورة ما يحدث في المنطقة من زاوية أخرى، مختلفة، مناقضة لزاويتهم، هم شعروا حقاً بالأصابع الخفية التي يحكى عنها والتي يبدو أنها اليوم أكثر من أي يوم، معنية باجتثاث الإسلام السياسي من جذوره، سنياً كان أم شيعياً، فالمخطط يختلف عن ضحاياه بأنه لم يكن يوماً طائفياً.
أسقط حكم «الإخوان» في مصر، حقاً أسقط، لكنهم للمرة الأولى منذ سنتين باتوا أقرب للتسليم بأنهم في إعراب ما وقع في جزء من هذه المنطقة، لم يكونوا حقاً الفاعل، ربما نائبه، ومؤخراً تحولوا إلى مفعول به.