مصر تبهر الإنسانية.. وتشعر أنها مقصّرة!

بقلم: ناصر كامل
لم يكن، أمس، كما توقع البعض «يوم النزول العظيم»، أنه «يوم النزول الأعظم» في تاريخ مصر الحديث، الذي فتح به المصريون صفحتهم الخاصة في تاريخ الألفية الثالثة.
نجح المصريون، أمس، في إبهار الإنسانية، لكنهم ما زالوا يشعرون أنهم «مقصرون».
مصر، أمس، هي إيزيس تلملم أوزوريس من بحيرة ناصر، أعلى الصعيد في الجنوب، إلى المنزلة في الشمال على ضفاف المتوسط، من رفح في الشرق حتى سيدي براني في الغرب.
ومصر، أمس، هي ماري تريز، والسيدة نفيسة، وأم كلثوم وهي تشدو» أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي»، وهي عفاف راضي وهي تصدح «الباقي هو الشعب، ولا في قوة ولا في صعب»
وقفت مصر، أمس، بروحها وجسدها لتسد باب اقتتال أهلي في الكفور والنجوع والقرى، وفي الشوارع الطويلة والحواري والأزقة والعطوف، وفتحت بوابة الأمل على مصراعيها، لغد صعب للغاية، لكنه ملك للجميع.
مصر، أمس، وصلت حاضرها بزهو ماضيها، ووصلت مسلميها بمسيحييها، فالمصريون يقولون «...وكل من له نبي يصلي عليه».
تجاوزت مصر صورتها عن ذاتها، حين خرجت مسيرتان من ميدان الأوقاف والعروسة في مدينة نجع حمادي تضم آلاف من الثوار وأبناء القبائل العرب والهوارة باتجاه مجمع محاكم المدينة للاعتصام أمامه.
والعرب والهوارة قبيلتان تجاوزتا خلافاتهما القديمة واجتمعتا بالأمس لتظهرا معدن الصعيد الأصيل.
خجلت مصر، أمس، من بؤس مخيلة المتحدث الرسمي باسم الرئاسة وهو يذكر في مؤتمر صحافي حادثة « تحرش» بسيدة اجنبية في ميدان التحرير قبل يومين ليدين به ملايين السيدات اللواتي خرجن مطالبات بسقوط النظام والثورة في وجه كل التهديدات اللاأخلاقية، والدموية، والتكفير.
كما خجلت مصر، من العشرات الذين حاولوا أن يلوثوا عذوبة طعم الطوفان الإنساني الهادر، الواصل إلى عنان السماء... خجلت من بضع وعّاظ كفّروا الخارجين مطالبين بالحرية من على مآذن بضعة جوامع، ومن كل متحدثي جماعة «الإخوان المسلمين» الذين كذّبوا عيونهم وآذانهم وواصلوا نكران صوت الشعب.
لكن، مصر، فخرت حين أعلنت جبهة الانقاذ الوطني أن «خروج الجماهير المصرية هو تصديق على سقوط نظام الرئيس محمد مرسي».
وأضافت الجبهة في البيان المعنون «بيان الثورة رقم 1»، أن الشعب المصري «يفرض إرادته التي وضحت بجلاء في جميع ميادين تحرير مصر».
وطالب البيان «جميع المواطنين أن يستمروا في البقاء السلمي في جميع ميادين وشوارع وقرى ونجوع البلاد والامتناع عن التعامل مع الحكومة الإخوانية الساقطة حتى سقوط آخر معاقل هذا التنظيم المستبد».
وقلقت، مصر، قلق المجتهد الواثق من أنه وبالرغم من كل التراجع في الكفاءة طوال ثلاثين عاما، فإن مؤسسات الدولة قادرة على ضبط الإيقاع والتماسك، بعدما كشفت مصادر مطلعة عن مغادرة الرئيس محمد مرسى لقصر القبة، وتوجهه إلى نادي الحرس الجمهوري لسهولة تأمينه.
وكشف مصدر عسكري عن نشوب أزمة بين الرئاسة والقوات المسلحة بسبب إجراء كل من رئيس ديوان رئيس الجمهورية، السفير رفاعة الطهطاوي، ونائبه الإخواني أسعد الشيخة اتصالات هاتفية مباشرة بقادة الأفرع الرئيسية في القوات المسلحة، الأمر الذي رفضه القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الذي أصدر أوامره للقادة بعدم الاستجابة للاتصالات، وأن يكون التواصل مع غرفة عمليات القوات المسلحة فقط.
كما رفض السيسي طلب الرئاسة بخروج أحد قيادات الجيش للتحدث في المؤتمر الصحافي الذي أعدته الرئاسة منذ ساعات.
وازدادت مصر ثقة بعدما نجح المصريون، مجددا، ومنذ الصباح في مزج السياسي والنضالي بالسخرية وحب الحياة، والمزج بين التظاهر الباهر والاستعداد للعصيان المدني في القطاعات الحكومية، حيث تغيب عدد كبير من العاملين في جميع وزارات وقطاعات الدولة، إما للمشاركة في تظاهرات سحب الثقة من الرئيس، أو بدافع الخوف من حدوث أعمال عنف.
فقد تغيب جميع العاملين بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة والذين يبلغ عددهم أكثر من ألفي موظف عن العمل، حيث يقع مقر الجهاز في طريق النصر بالقرب من مسجد رابعة العدوية، مكان تظاهر مؤيدي مرسي.
وبلغت نسبة غياب الموظفين في وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية 99 في المئة، بكل إدارات الديوان العام، فيما بلغت نسبة الغياب في ديوان وزارة القوى العاملة والهجرة، للمرة الأولى 65 في المئة.
وفي وزارة التنمية المحلية، تخطت نسبة غياب العاملين أكثر من 55 في المئة، برغم تهديدات الوزير محمد علي بشر - عضو مكتب إرشاد الإخوان المسلمين ـ للعاملين بتغليظ عقوبة المتغيبين.
وتجاوزت نسبة الغياب في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 30 في المئة، وغاب أكثر من 80 في المئة من العاملين بوزارة التنمية الإدارية، كما تمرّد موظفو وزارة الزراعة في الدقي. وقال محمود فوزي، المتحدث باسم الاتحاد التعاوني الزراعي، إن نسبة الغياب بلغت 70 في المئة.
وفي وزارتي التعليم والتعليم العالي، بلغت نسبة الغياب 50 في المئة.
وفي وزارة النقل تحدى العاملون قرار الوزير «الإخواني» بمنع الإجازات وتحويل المخالفين للتحقيق، وأضربوا عن العمل، وبلغت نسبة الغياب في السكة الحديد 55 في المئة، كما تغيب نحو 30 في المئة من العاملين في وزارة السياحة والهيئات التابعة لها.
وأغلقت وزارة الأوقاف بابها الرئيسي، الذي علّق عليه المتظاهرون لافتة: «ارحل..ارحل». وفي وزارة الصحة تغيب ما يقرب من 50 في المئة من العاملين في الديوان، وفي ماسبيرو ـ مبنى التلفزيون المصري ـ تغيب 60 في المئة.
من جهتها، رصدت غرفة العمليات التي شكلها اتحاد العمال أمس، تغيب العمال والموظفين عن أعمالهم، وإغلاق بعض المصانع أبوابها، وأرجعت ذلك إلى مشاركة العمال في ثورة 30 حزيران.
وهكذا يبات المصريون فخورين بمصريتهم، مستعدين لرفد نصر الأمس، بنصر اليوم.