مقال: الصعيد في الثورة.. للمرة الأولى

بقلم: محمد هشام عبيه
صمت الصعيد في ثورة مصر على نظام حسني مبارك قبل عامين ونصف العام، ولم يشارك إلا بحدود، لكن صوته خرج، امس، بقوة، وعبر مئات الآلاف من الجماهير في الثورة ضد «الإخوان».
وشهدت مدن وقرى محافظات أسيوط، والمنيا، وقنا، وسوهاج، والأقصر، وأسوان، بالإضافة إلى مدينة الغردقة السياحية، تظاهرات حاشدة شارك فيها مئات الآلاف. ودعا فيها المشاركون إلى إسقاط حكم «الإخوان» وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وكان لافتاً مشاركة قبيلتي «الأشراف» و«الهوارة»، وتضم فروعهما عشرات آلاف العائلات، وتنتشران بالأساس في محافظتي قنا وأسيوط.
مسؤول اللجنة الإعلامية في «حزب الدستور» في قنا أحمد الصغير، قال لـ«السفير» إن «هذه أكبر مشاركة لأهالي المحافظة في تظاهرات سياسية منذ سنوات بعيدة»، مضيفاً «خرجت في مدينة قنا وحدها أربع مسيرات حاشدة من أجل أن تنتهي باعتصام مفتوح في ميدان محطة القطار». وأشار إلى الحضور الكبير والاستثنائي لأفراد قبيلتي «الأشراف» و«الهوارة»، وعلى رأسهم كبار رجال القبيلتين.
ولفت الصغير إلى أن تظاهرة قنا «شهدت مشاركة غير مسبوقة للسيدات في وسط محافظ بطبعه، حيث تعتبر مشاركة المرأة في أي أنشطة سياسية أو اجتماعية أمراً نادراً». ويعود ذلك، بحسب رأيه إلى أن «الناس فاض بهم الكيل من حكم الرئيس محمد مرسي والإخوان، ويريدون الخلاص اليوم قبل الغد».
وفي مدينة نجع حمادي الشهيرة، نظم الآلاف مسيرة انطلقت من أمام «مدرسة البنات الإعدادية» وصولاً إلى «ميدان العروسة».
أما مدينة الغردقة السياحية، التي تعاني من تراجع حاد في حركة السياحة منذ وصول «الإخوان المسلمين» إلى الحكم، فشهدت أكبر مسيرة نسائية في تاريخها، بحسب وصف «وكالة أنباء الشرق الأوسط»، لتلتقي هذه المسيرة بنحو عشرة آلاف متظاهر من أهالي المدينة والعاملين في قطاع السياحة في مدينة «أكو بارك».
وأجبرت كثافة التحرك الجماهيري السلمي في الصعيد، أنصار «الإخوان المسلمين» من أعضاء الجماعات الإسلامية المتشددة على عدم الظهور مطلقاً، بالرغم من أن قيادات الجماعة الإسلامية المتشددة كانوا قد هددوا بالتعرض والاعتداء على معارضي مرسي في حالة خروجهم إلى الشارع.
واللافت أن تظاهرات الصعيد خلت من أي مظاهر للعنف على عكس ما حدث في العديد من مدن الوجه البحري والدلتا، وذلك برغم أن السلاح غير الرسمي منتشر بكثافة أكبر في الجنوب. كما أن أي من مقار الإخوان لم يتعرض للاقتحام، بعكس ما حصل في القاهرة ومحافظات الدلتا. ويبدو أن ذلك يعود أساساً إلى طبيعة العلاقات الاجتماعية المتشابكة، إذا أن غالبية المقار التابعة لـ«الإخوان» موجودة في مبان مملوكة لكبار العائلات الصعيدية، الأمر الذي يستوجب احترام خصوصيتها لاعتبارات قبلية.
ويمثل غضب الصعيد على «الإخوان» انقلاباً كبيراً على توازن القوى، الذي اعتمدت عليه الجماعة بعد ثورة «25 يناير»، إذ اعتمد مرسي في الانتخابات الرئاسية على تصويت قبائل الصعيد لمصلحته، بعدما مني بخسارة في القاهرة والإسكندرية ومحافظات الوجه البحري.
يذكر أن الصعيد يعاني من تجاهل الأنظمة الحاكمة طوال سنوات طويلة، حيث تغيب الخدمات الأساسية عن نسبة كبيرة من القرى والمدن، ما يدفع بالكثير من أهله إلى الهجرة إلى القاهرة ومحافظات أخرى.