جولات المصالحة في القاهرة: محبطة.. لكنها صادقة!!

مع نهاية جولات الحوار المتواصلة في القاهرة، والتي جمعت فيما جمعت أبو مازن ومشعل وكافة قيادات وممثلي الفصائل الفلسطينية، باتت الأمور أكثر وضوحاً على الرغم من سلبية النتائج التي توصلت إليها هذه الحوارات، فبعد أن ظهرت الخلافات إلى العلن، وصعوبة التخندق وراء تصريحات متفائلة، لكنها مخادعة، كما جرت عليها الأمور في معظم الجولات السابقة، فإن النتائج السلبية لهذه الجولات الحوارية الأخيرة في القاهرة، رغم أنها قد صدمت المواطن الفلسطيني، فإنها كانت الأكثر صدقاً وتعبيراً عن حقيقة المواقف لدى كل فصيل، بل لدى كل قيادي.

وقد بات واضحاً أن اتفاق الدوحة، ما زال محل خلاف داخل قيادة حركة حماس، وبينما اعتبرته كتلة الحركة في المجلس التشريعي مخالفاً للقانون الأساسي الفلسطيني، أي أنه غير دستوري، فإن القيادي في الحركة محمود الزهار أخذ على هذا الاتفاق أنه يعكس انفراداً بالقرار من قبل رئيس المكتب السياسي للحركة، إذ من المفترض بقضية كبيرة وبهذا الحجم والتأثير على الوضع الفلسطيني أن يتم اتخاذ القرارات بشأنها من خلال مؤسسات الحركة، الأمر الذي دفع بالحركة إلى الاجتماع في القاهرة حين قيل إن هذا الاجتماع خرج بتوافق حمساوي على أساس الدعوة إلى ضرورة التنفيذ الدقيق والأمين لاتفاق المصالحة في الدوحة.

وسائل الإعلام المصرية، كـ'الأهرام'، نقلت عن اجتماع المكتب السياسي لحركة حماس في القاهرة، أن الحركة اتفقت في هذا الاجتماع على وضع شروط صعبة تتعلق بتشكيل الحكومة الفلسطينية التي من المفترض أن يشكلها أبو مازن من أعضاء تكنوقراط مستقلين، شروط وآليات باتت معروفة لأي متابع قرأ أو استمع إلى هذه التسريبات، إلا أن مفوض العلاقات الوطنية في اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد، نفى أن تكون حركته قد تسلمت أي شروط من هذا القبيل، لكنه أردف موضحاً، 'إن الأخ مشعل لم ينقل مثل هذه الاشتراطات عند الاجتماع به، ربما لأنه كان يعلم عدم موضوعية هذه الاشتراطات'. ومن الواضح أن هذه الخلافات والاشتراطات هي التي منعت تناول قضية تشكيل الحكومة خلال الجولات المختلفة للحوارات الفلسطينية في القاهرة، وظلت هذه الحكومة معلقة حتى إشعار آخر.

مصادر حركة حماس تشير إلى أن أمر تأجيل تشكيل الحكومة، جاء مرتبطاً بضرورة التعرف إلى مدى إمكانية عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني في الضفة الغربية والقدس، إذ إن مهمة هذه الحكومة، الانتقالية، تنحصر أساساً في إجراء هذه الانتخابات، وإذا كان ذلك يرتبط بالدور الإسرائيلي، فإن تأجيل تشكيل الحكومة يصبح أمراً حتمياً إلى حين اتخاذ الرئيس قراراً بهذا الشأن من خلال مرسوم رئاسي يحدد موعد إجراء هذه الانتخابات من خلال التوصل إلى الموقف الإسرائيلي منها.

ونعتقد أن ما سبق من تحديد لموعد الانتخابات التشريعية والرئاسية في أيار القادم، لم يكن سوى موقف يؤكد أهمية إجراء هذه الانتخابات، إلا أن التحديد الزمني لم يأخذ بالاعتبار أن هذه الانتخابات يجب أن تجري في كافة محافظات السلطة الوطنية الفلسطينية، ومحافظة القدس، العاصمة الفلسطينية على وجه الخصوص، وكأن هذا التحديد قد تجاهل أن لإسرائيل دوراً أساسياً في هذا السياق، كونها تتحكم من خلال احتلالها العسكري للضفة الغربية بما فيها القدس، في إجراء هذه الانتخابات من عدمه، وهو الأمر الذي فرض على عباس عدم إصدار مرسوم رئاسي بهذا الشأن في الموعد المحدد اللازم، ما فرض تأجيل مثل هذا المرسوم إلى آجال غير معروفة، خاصة أن لجنة الانتخابات المركزية، التي استردت مقرها في غزة لم تسترد بعد القدرة على القيام بعملها، حيث لم تسمح لها حركة حماس بالعمل في هذا المقر الذي ما هو الآن سوى حوائط ومن دون أدوات العمل اللازمة للقيام بهذه المهام المناطة بعمل لجنة الانتخابات.

إلا أن اجتماعات اللجنة الخاصة بإعداد القانون الخاص بالمجلس الوطني، كانت الأكثر فاعلية وإنجازاً، عندما أقرت أن 'الوطن دائرة انتخابية واحدة'، حسبما أشار الرفيق وليد العوض، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب وعضو لجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، فإن مدة ولاية المجلس الوطني أربع سنوات، وتجري بشكل دوري، إلا أن الحديث عن أن 'الأراضي الفلسطينية المحتلة دائرة انتخابية واحدة' حسبما قال العوض، يثير التساؤل المشروع، إذ إن المجلس الوطني، كمؤسسة كبرى تقود منظمة التحرير الفلسطيني بين مؤتمرين، يعنى بكل الفلسطينيين، داخل الوطن المحتل، وكذلك مناطق اللجوء والاغتراب، وعلى هذا الأساس، فإن الوطن بهذا المعنى، ليس مجرد أرض، بل بشر، وإذا كان الوطن دائرة واحدة، فإن هذا يجب أن يعني أن الفلسطينيين، أينما كانوا، يشكلون دائرة واحدة، وليس فقط الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة.. ولعل في الأمر خطأ في الصياغات.

إلاّ أن أهمية ما توصلت إليه اللجنة الخاصة بانتخابات المجلس الوطني، تتجاوز مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية إلى الانتخابات التشريعية، والمقصود هنا قانون الانتخابات المتعلق بها، وفيما إذا كانت محافظات الوطن تشكل دائرة واحدة، ما يتيح نسبياً إجراء الانتخابات التشريعية في العاصمة الفلسطينية القدس، حتى لو لم توافق إسرائيل على إجراء هذه الانتخابات، وهو الأمر الذي يجب أن يناقش عند الحديث عن قانون الانتخابات الذي يفترض أن تجري الانتخابات التشريعية على أساسه.

وليس من المعلوم متى ستجري جولة الحوار القادمة، فكل المواعيد مؤجلة إلى آجال غير معلومة أو محددة، وعلى الأرجح فإن 'الانتظار' سيظل سيد الموقف حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ويصعد الدخان من مدخنة الحوارات الداخلية في حركة حماس تحديداً، ونأمل ألا ننتظر طويلاً، فالوضع في العاصمة الفلسطينية القدس، لم يعد محتملاً، التصعيد العنصري الإسرائيلي اتخذ من الانقسام الفلسطيني مبرراً للسطو على كل ما هو فلسطيني بداية بالمقدسات مروراً بالأرض، ونهاية بالفلسطيني الإنسان.

ولعل أفضل ما قدمته لنا جولة الحوارات الأخيرة في القاهرة، هو الصدق، فالحقائق باتت معروفة، ولم يعد بالإمكان خداع الجمهور، بمبررات وتصريحات زائفة، فقد انهارت خلال هذه الحوارات كل الأضاليل، وتبين الآن، أنه بعد أن تجاوزت أحداث المنطقة ارتباط المصالحة بالأجندات الخارجية، عاد الأمر لكي تصبح الأجندات الفئوية والفصائلية والشخصية هي التي تعيق وضع حد للانقسام والتوصل إلى مصالحة جدية.

www.hanihabib.net