تحقيق لـ بي بي سي: لماذا يهرب شبان غزة إلى اسرائيل؟

شهدي الكاشف
في منزل مكون من غرفتين صغيرتين وباحة ضيقة سقفها من الاسبست بدت وكأنها الجحيم في هذا الحر القائظ، جلس محمد ابو ظاهر مع اطفاله، يفترشون الارض والذباب يملء المكان.
يقول الرجل وهو أب لعشرة اطفال، إنه عاطل عن العمل ويحصل على مساعدات غذائية من الأمم المتحدة مرة كل ثلاثة أشهر، ابنه البكر أحمد في الثامنة عشر من عمره، أفرجت عنه اسرائيل قبل أيام قليلة، بعد أن قضى في سجونها سبعين يوما بتهمة التسلل إلى اسرائيل بحثا عن عمل.
يشتكي أبو ظاهر من أنه ليست هناك أي فرصة عمل في غزة، ويقول إن الشباب يتخرجون من الجامعات ويجلسون في البيت، حتى الفتية الصغار يخرجون للعمل في الحقول ولا يحصلون إلا على الفتات، فالمبالغ التي يحصلون عليها من عملهم في قطف الثمار لا تتجاوز خمس دولارات يوميا أي 15 شيكل اسرائيلي.يقول أبو ظاهر وقد علا الشيب رأسه، "كان الفتية يسمعوننا نتحدث عن تلك الأيام كنا نعمل فيها في داخل اسرائيل ونحصل على 100 دولار يوميا، ويحلمون بأن يحصلوا على فرص مشابهة.
ويتساءل الرجل عما سيفعله الفتية بخمسة عشر شيكلا.
يروي لنا أبو ظاهر أن ابنه أحمد خرج مع اثنين من أصحابه واجتازوا الحدود ليلا في محاولة للهرب إلى داخل اسرائيل والبحث عن فرصة عمل هناك لكن ما تسمى شرطة الحدود الاسرائيلية ألقت القبض عليهم وأوسعتهم ضربا قبل أن يمثلوا أمام قضاء الاحتلال وصدر بحقهم حكم مخفف بالحبس لسبعين يوما بتهمة التسلل.
جاره سلمان أبو صواوين (50عاما)، كان يجلس على باب منزله، وسألني هل تعمل في الصحافة؟، فقلت له نعم، فقال لي ابحث لي عن ابني.
جلست معه وقال أن ابنه خرج من منزله في الخامس عشر من الشهر الحالي، في الصباح قاصدا مدرسته فهو طالب في الثانوية العامة وفي هذه الأيام كان من المفترض أن يجلس للامتحانات النهائية، ولكنه لم يرجع حتى الآن إلى منزله.
ويقول سلمان إن سكان المنطقة أخبروه أن ابنه هرب مع ثلاثة من رفاقه إلى الحدود وقام بالتسلل إلى اسرائيل، مشيرا إلى أن ابنه كان يشكو دائما من أوضاعه، فزملاؤه يلبسون أفضل منه والفقر ينخر في جسد العائلة.
ويضيف سلمان "لو كنت أعرف أنه سيفعل ذلك كنت سأكسر رجله".
قادتنا الرحلة إلى منطقة أبو العجين في قرية "وادي السلقا" شرقي مدينة دير البلح بوسط قطاع غزة، حيث يعيش غالبية سكان هذه المنطقة الحدودية على الزراعة.
وتقع القرية بمحاذاة الشريط الأمني مع اسرائيل، وبإمكان الشخص أن يشاهد أبراج المراقبة العسكرية والمواقع الحدودية بسهولة، حيث تشاهد سيارات جيش الاحتلال وهي تسير على الطريق الشرقي وقد ثبتت في أعلاها رشاش ضخم.
ولا يتردد جنود الاحتلال في إطلاق النار إذا اقترب منهم أي شخص، كما يقول عمر أبو محارب (55 عاما) وهو مزارع كان يجلس في حقله القريب من الحدود.
كان عمر يجلس على الأرض فهو لا يستطيع الوقوف على قدمه، حيث أصابته رصاصة في فخذه الأيمن أطلقتها عليه قوات الاحتلال أثناء عمله في حقله الأسبوع الماضي.
قال وهو يقدم لي الشاي، إنه يعيل أسرة مكونة من 14 فردا وإن اثنين من أبنائه هربا إلى اسرائيل وانهما يخضعان الآن إلى المحاكمة هناك بعد أن ألقت قوات ما يسمى حرس الحدود الاسرائيلي القبض عليهما.
وأضاف عمر أنه تحدث معهما كثيرا ونصحهما لكنهما لم يسمعا النصيحة.
وكشف لي أنه هو أيضا حاول قبل سنوات التسلل إلى داخل اسرائيل وخرج قبل منتصف الليل مع اثنين من جيرانه وقاما بقطع الاسلاك الشائكة والعبور إلى الجانب الاخر والعدو لمسافة تزيد عن الثلاثين كيلو مترا حتى ساعات الفجر الأولى.
وأضاف عمر أن الرحلة كانت ستكلفه حياته، فالمنطقة مفتوحة وليس فيها أماكن يمكن الاختباء فيها وأنه وصل مع رفاقه إلى منطقة تعرف (بدوار سعد) أو كفار سعد، وأن جيش الاحتلال حاصرهم في حقل نخيل هناك قبل أن يلقي القبض عليهم، مشيرا إلى أنهم قضوا في السجن فترة وأطلق سراحهم إلى غزة.
يقول عمر أن ما يحدث في قريته أمر يثير القلق فكثير من شبانها تسللوا عبر الحدود والأهالي يحاولون أن يمنعوهم "ولكن لا حياة لمن تنادي".
يوسف وهو أحد شبان القرية، اصطحبني إلى إحدى المناطق التي يقوم الشبان بالتسلل منها، وهي منطقة مرتفعة مشرفة على الحدود، رأيت منها خطا من الأسلاك الشائكة، تتبعه مسافة لا تزيد عن الخمسين مترا، حرصت قوات الاحتلال على جعلها مستوية كي تظهر فيها آثار أي قدم بسهولة، يتبعها خط آخر من الاسلاك الشائكة، ومن ثم حقول واسعة لكن أبراج المراقبة التي وضعت عليها كاميرات تجعل عملية التسلل تبدو مستحيلة، هذا إذا ما أضفنا أعداد دوريات الاحتلال التي تجوب المنطقة الحدودية على مدار الساعة.
يوسف قال لي، أن كثيرا من شبان القرية يعرفون أن جيش الاحتلال سيقوم باعتقالهم لكنهم رغم ذلك يهربون إلى هناك، سألته لماذا؟ فابتسم وقال إن بعض الشبان يذهبون إلى هناك وعندما يتم إلقاء القبض عليهم ينسجون قصصا خيالية عن بطولاتهم وأنهم يعملون مع فصائل مقاومة وأنهم مكلفون بعمليات تصوير أو تنفيذ هجمات.
قلت له وماذا سيستفيدون إذا قالوا ذلك؟!، فرد علي قائلا: إنهم يحاولون أن يحصلوا على أحكام تزيد عن خمس سنوات في سجون الاحتلال، لأن السلطة تقوم بصرف معاشات شهرية لأهالي الأسرى الذين تزيد أحكامهم عن خمس سنوات في سجون الاحتلال.
لكن أبو أحمد أبو ظاهر نفى ذلك، وقال إن جيش الاحتلال غيّر كثيرا من تعامله مع المتسللين فقبل عام من الآن حاول أحد شبان القرية التسلل وقاموا بإطلاق النار عليه وقتلوه على الفور، لكنهم ومنذ اتفاق التهدئة الذي تم التوصل إليه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي مع الفصائل لا يقومون بإطلاق النار على المتسللين بل يقوموا باعتقالهم ووضعهم في السجون لبضعة أشهر ومن ثم الإفراج عنهم وابعادهم إلى غزة.
وأضاف، أن بعض الشبان يتسللون إلى اسرائيل هربا من المسؤولية فالاعتقال بالنسبة لهم أفضل من بقائهم عالة على ذويهم في هذا الظرف الصعب الذي نعيشه، لكنهم في الواقع "يهربون من سجن كبير اسمه غزة إلى سجن آخر لا فرق بينهما".
أبو ظاهر قال إن ابنه أحمد، خضع للتحقيق لدى الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة حماس في غزة بعد الافراج عنه، خوفا من أن يكون قد تم تجنيده من قبل مخابرات الاحتلال.
وأضاف، أنه يرى أن ذلك أمر ضروري فهؤلاء شبان صغار وقليلو خبرة، وربما يصبحون صيدا سهلا بالنسبة لاسرائيل، لا سيما وأنهم يعرفون أنهم يعانون من ضائقة مالية ويعرفون أوضاع غزة الاقتصادية وربما يغرونهم بالمال.
حاولت التسلل إلى منزل عائلة أبو مغيصيب القريب جدا من مواقع جيش الاحتلال، ونجحت بالفعل فالمنطقة مكشوفة بالكامل لقوات الاحتلال، وواجهة المنزل تعرضت إلى رصاص قةات الاحتلال، وكانت في استقبالنا ربة البيت زينب أبو مغاصيب.
زينب هي أم لثلاثة عشر ولدا ألقت اللوم على حكومة حماس، وقالت إن زوجها عاطل عن العمل منذ سنوات، وابنها باسم طالب في كلية الهندسة ولا يملك مصروف جيبه حتى يتمكن من الذهاب إلى الجامعة، الأمر الذي دفعه للهرب إلى اسرائيل بحثا عن عمل وهو الآن يقبع في أحد سجون الاحتلال.
وتتساءل زينب "ألم يكن باستطاعة حكومة هنية أن توفر لزوجي فرصة عمل ولو مؤقته ليحصل منها على 100 دولار شهريا فقط؟ لا نريد أكثر من ذلك، انا احملهم مسؤولية ما جرى لابني باسم ولحالنا الذي وصلنا إليه".
ويقول خالد، أحد سكان المنطقة أن أكثر من خمسين شابا هربوا من المنطقة عبر الحدود منذ مطلع العام الحالي، وأن الشهر الماضي فقط سجل هروب أكثر من 17 شابا تتراوح اعمارهم بين 15 – 20 عاما.
وقال خالد "إن سكان المناطق الحدودية في غزة يواجهون أياما عصيبة فهم يعيشون في فقر مدقع ويعانون من تهميش واضح من قبل المسؤولين الفلسطينيين وشبانهم يبحثون عن لقمة العيش وإن كانت مغمسة بالدم".