قصص فلسطينية قصيرة جداً

بقلم: د. يوسف حطيني
1 - سيزيف
زرع الطفل وردة فوق حطام سور بيته، اقتلعتها الجزافات،
بعد أكثر من ستين عاماً تكاثرت الجرافات.
والورد كذلك.

2 - خارطة الطريق
كان جدي يحتضر حين رفع سبابته.
قبل أن ينطق بالشهادتين أشار إلى صورة معلقة على الجدار: عزّ الدين القسام يضع بندقيته على كتفه.
فجأة تذكرت خارطة الطريق؛ وإذ ذاك خطر لي أن أضحك، لولا أن جدّي شهقَ شهقته الأخيرة.

3 - خبر عاجل
تقطع الحواجز كل صباح إلى المدرسة الثانوية، تحمل في قدها الممشوق أزهار سبعة عشر ربيعاً، يستوقفها جندي ماكر أزرق العينين، يحاول أن يتحرش بها، تنظر إليه بتحدّ:
-
ابتعد عني حتى لا أجعل منك خبراً عاجلاً.
يبتعد عن طريقها، رغماً عنه، فتفتح رئتيها للعلم والحياة.

4 - سحر خليفة
زرعتْ في بستانها شجرة مباركة من الصبّار، ذقتُ من حلاوة ثمارها، مثل ملايين العرب.
وحين حاول الجنود اقتلاعها من جبل النار أدمتهم الأشواك.

5 - والدي الشهيد، ابن جدي الشهيد، جاءني الليلة الماضية: استيقظ من نومه الساحر، سألني عدة أسئلة، ثم شتم جميع الفصائل.
أطفأت غضبه بكأس شاي ساخن، ربّت على كتفي قائلاً: لا تصالح.
ثم مضى إلى نومه الساحر.

6- أم الخير وابنها والوسادة
عندما خرجنا من حيفا بعد أن أحاط بنا جحيمُ الموت.. كان البحر منفذنا الوحيد، لم تشأ
أم الخير أن تترك ابنها، ولكنها - في حمأة القصف وحمى الركض في الطرقات، حملت وسادته بدلاً عنه، وراحت تجري حتى حملتها السفينة، مع مئات الباكين الراكضين الخائفين.
حين اكتشفت الوسادة بين يديها ضحكت ثم بكت ثم زغردت ثم بكت ثم رقصت ثم بكت، حتى احتضنها المنفى، وضاعت في شَتاته.
ما زالت أم الخير تبحث عن ابنها، وما زلت أبحث عنها وعن وسادتها، وما زلنا، هي وأنتم وأنا، نبحث عن عبق حيفا.

7 - حلوة زيدان
حين قتلوا زوجها أطلقت زغرودة طويلة.
وحين قتلوا ابنها ردّت بزغرودة ثانية.
وحين قتلوا زوج أختها وابن أختها وضرة أختها أشعلت فضاء القرية بالزغاريد.
وحين قتلوها...
زغردت جدران البيت في دير ياسين، وغنت أغنية الوداع الأخيرة:
زغردي... يا ام الجدايل...زغردي زيّني فخر الأصايل ...بالودَعْ
وازرعي الحِنّا على الصدر الندي واربطي العصبة على كل الوجَعْ

8 - فرحان السعدي
من قرية المزار إلى سجن عكا إلى سجن نور شمس إلى حيفا سجّل سطور، واجه ظلم المستعمرين، قطف رؤوسهم التي أينعت من أزهار دمنا الخضيب:
-
أأنت مذنب؟
- معاذ الله أن أكون مذنباً.
كان صائماً حين علّقوه على أرجوحة المجد، فروى باستشهاده أرواح كل الصائمين.
حكاية أخرى يرويها جدّي لأصغر أحفاده.

9 - لم يكن ثمة غير حسنة وغير الأرض في قلبه، تحمّل ظلم العشيرة وفقر الحال، غير أنه لم يتحمل ظلم الإنكليز، وها هي ذي البادية تشهد أنه واجهم بكل شجاعة،؛ وإذ ذاك خافت حسنة عليه، فقالت له:
"
حَيِّدْ عن الجيشي يا غبيشي"
ولكن غبيشي ما حاد عن دربه، وبقي متمسكاً بكلتا حبيبتيه، ينظر بتحدٍّ إلى الأمام.
كم أخاف عليك يا حبيبي من رصاصة تباغت ظهرك المكشوف.

10 - تاريخ الأيدي
يد تزرع القمح والورد والحُبّ منذ فجر التاريخ، يد تعزف أصابعُها على الناي، يد تمسك يداً في حلقة الدبكة.
يد تطلق سبابتُها النار على البراءة مجزرة إثر مجزرة، يد تقتلع الشجر، يد تكمّ الكلمات الحرّة في أفواه الشعراء.
يدان تتضرعان ، يد ترفع سبابتَها قبل الشهادة، يد تشكل بأصبعين شارة النصر، يد ترفع.

حرره: 
م.م