قراءة أولية في مبادرة مئوية!!

habeeb

ما زال المستوى السياسي في إسرائيل في حيرة في كيفية التعاطي مع النتائج الأولية لمسارات 'الربيع العربي' ومن خلال التصريحات والتحليلات الصادرة عن مقرّبين من هذا المستوى، تشير إلى أن إسرائيل مربكة تماماً لا تزال تنتظر ما ستؤول إليه الأمور في 'الربيع السوري'، وهو الذي ما زال موضع خلاف كبير في الاوساط السياسية الإسرائيلية حول الموقف منه، فبينما يرى طرف أن إزالة نظام الأسد، سيحول الوضع في سورية إلى فوضى ستستمر طويلاً، ما سيفيد إسرائيل خاصة وأن ذلك سيؤثر على التحالفات السورية مع إيران و'حزب الله'، بينما يرى طرف آخر أن إزالة هذا النظام، هو إزالة لنظام كان الأكثر تعاوناً مع المواقف الإسرائيلية من الناحية العملية، وتمكن من خلق حدود صامتة أفادت المستويات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، إلى حد كبير رغم كل شعارات المقاومة والممانعة، فاستمرار مثل هذا النظام الذي يضج بالتصريحات والشعارات، بإنجاز إسرائيلي حقيقي بكل المقاييس.

في هذا الوقت بالذات، حيث الإرباك الرسمي الإسرائيلي، تتقدم مائة شخصية إسرائيلية، عسكرية وأمنية واقتصادية وعلمية وأكاديمية، لإنقاذ حكومة نتنياهو من هذا الإرباك وهذه الحيرة، من خلال مبادرة تنطلق من فشل العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي وان الحل يكمن في اتخاذ الجانبين خطوات أحادية الجانب بإشراف ومساندة المجتمع الدولي، هي مبادرة تأخذ بالاعتبار الوضع الإقليمي والتغيرات في المنطقة إضافة إلى الوضع الداخلي الإسرائيلي. وبينما يشير القائمون على هذه المبادرة أن الهدف منها هو إنقاذ فكرة الدولتين للشعبين وتخفيف الضغوط التي يتعرض لها القادة في الطرفين من محيطهما السياسي والتحالفات السياسية الداخلية التي فرضوها على أنفسهم، نرى أن هدف هذه المبادرة هو بالتحديد التكيف الإسرائيلي مع المستجدات الإقليمية وتطويق إيران من ناحية، والتكيف مع النتائج المرتقبة لـ 'الربيع العربي' من خلال 'تعويم' ملف العملية التفاوضية الإسرائيلية ـ الفلسطينية والتوجه إلى المنظومة العربية من خلال حل ما، يهدئ من روع ثوار 'الربيع العربي' ويخفف من حدة احتمالات امتداد هذا 'الربيع' على الحدود الشمالية والجنوبية مع الدولة العبرية من حدودها مع سورية وفلسطين والضفة الغربية وغزة.

مضمون المبادرة ينطلق من قيام الجانب الفلسطيني بمسعى جدي للحصول على اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية بالتوازي مع تنفيذ برامج اقتصادية وتنموية لبناء أسس الدولة الفلسطينية، في حين تقوم إسرائيل بتنفيذ خطة لإزالة المستوطنات القائمة في قلب الضفة الغربية التي تمنع التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية، بينما ـ حسب المبادرة ـ تواصل إسرائيل البناء في الكتل الاستيطانية التي ستبقى جزءاً من إسرائيل في ظل أي عملية سلام وسيحظى الفلسطينيون بتعويض عنها بأرض بالمساحة والقيمة نفسها، شرط أن لا تمس هذه الخطوات على الجانبين بالتسوية النهائية وملفاتها المؤجلة منذ اتفاق أوسلو عام 1994.

السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، لم تعلقا على هذه المبادرة بعد، وجاء تصريح جمال محيسن عضو اللجنة المركزية لحركة 'فتح' تعقيباً على المبادرة عاماً، وأعتقد أن القيادة الفلسطينية تنشغل الآن بهذه المبادرة تاركة الأمر كي يأخذ مداه الواسع مع إدراك تام، بأن حكومة نتنياهو ستتخذ موقفاً مندداً بهذه المبادرة والقائمين عليها، موقف القيادة الفلسطينية صائب إذا كان الأمر المتعلق بعدم التعليق على المبادرة أخذ هذا المنحى، وفي هذا السياق اعتقد أن هذه المبادرة تستحق الدراسة والتحليل، والقراءة الأولية لها تضعها في طور إيجابي، على الأقل لجهة تفعيل الساحة الداخلية الإسرائيلية من حيث تحميل حكومة نتنياهو مسؤولية عرقلة التوصل إلى عملية تفاوضية ناجحة، وهذه المبادرة لا شك تحمل في سطورها الإشارة إلى أن التوسع الاستيطاني الذي اتخذته حكومة نتنياهو سياسة ثابتة مستمرة لها، كانت وراء إفشال العملية التفاوضية.

وربما لم يلحظ القائمون على هذه المبادرة، ما سربته حكومة نتنياهو مؤخراً بعرض نتائج مفاوضات عمان بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، في محاولة منها لتحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية فشل العملية التفاوضية، إذ إن هذه التسريبات التي عرضها مسؤول إسرائيلي على وسائل الإعلام الإسرائيلية في إيجاز صحافي 'تشير إلى أن القيادة الفلسطينية غير معنية بالتوصل إلى حل في اطار العملية التفاوضية إثر التوقيع على اتفاقات المصالحة مع حركة 'حماس' في القاهرة والدوحة، وان أبو مازن يتهرب من استحقاقات العملية التفاوضية بهدف إنجاح المصالحة مع 'حماس'، لكن مبادرة المائة شخصية إسرائيلية، جاءت في وقتها حتى لم يكن القصد من ذلك، الرد على التسريبات الإسرائيلية هذه، والتي قام رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض صائب عريقات بالرد عليها وتفنيدها في رسالة بعثها إلى أعضاء 'الرباعية الدولية'.

ولعل أهمية هذه المبادرة التي قام عليها عدد كبير من كبار قادة أجهزة الأمن السابقين، وكبار الساسة والمفكرين والأكاديميين في الدولة العبرية، انها تجد طريقة إبداعية للإبقاء على 'حل الدولتين' ماثلاً وقائماً، بعدما أطاحت به الغطرسة الإسرائيلية وإجراءات حكومة نتنياهو الاستيطانية وتراجع الرأي العام الإسرائيلي في تأييدها، والخطوات أحادية الجانب المطلوبة من الجانبين، تكاد تقترب إلى ما توصلت إليه المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية في عهد حكومة أولمرت، خاصة وأن هذه المبادرة تجاهلت تماماً الاشتراط الإسرائيلي المستجد بضرورة اعتراف الجانب الفلسطيني بيهودية الدولة العبرية، في حين أنها ـ المبادرة ـ تقوم على تجميد الاستيطان مع أنها مع استمراره في المناطق التي يعتقد أنها ستظل في ظل الاحتلال الإسرائيلي في أية تسوية قادمة، إلاّ أن المبادرة في اطار الموقف من الاستيطان تجعل من الجدار الحدودي الفاصل، حدوداً بين الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية.

ولا شك أن إشارة هذه المبادرة إلى أنها حل مؤقت إلى حين توفر أسباب انطلاق عملية تفاوضية ناجحة من أهم عناصر هذه المبادرة، إذ إن الملفات الأساسية كالقدس واللاجئين والمياه وغيرها من ملفات الحل النهائي، لا تزال قائمة وسيتم التفاوض بشأنها، ونعتقد أن هذه الإشارة كانت ضرورية حتى لا تشكل هذه المبادرة عقبة أمام مطالبة الفلسطينيين باستحقاقات العملية التفاوضية ومرجعيتها من ناحية، وللتأثير على المستوى الدولي لدعم هذه المبادرة بوصفها حلاً مؤقتاً لفشل العملية التفاوضية، وتشجيع الأطراف الدولية المختلفة كاللجنة الرباعية والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية، على استمرار الضغط على الجانب الفلسطيني من أجل إزالة العراقيل من أمام إطلاق العملية التفاوضية على ملفات الحل النهائي.

إلاّ أننا ندرك، أن الحلول المؤقتة في ظل تجربة التفاوض مع حكومات إسرائيل هي حلول دائمة يصعب التخلص من استحقاقاتها المؤجلة والتوصل إلى حلول بشأنها، إلاّ أن ذلك من الممكن معالجته من خلال التعامل مع هذه المبادرة بجدية من دون إسقاط الحقوق المؤجلة، ومن دون إعفاء المجتمع الدولي من مسؤوليته في الضغط على إسرائيل بوصفها المعرقلة للجهود الفلسطينية والدولية في التوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية.

Hanihabib272@hotmail.com

www.hanihabib.net