بشار على طريق معمر/قلم رجب ابو سرية

فجأة، ظهر 'الرئيس' السوري بشار الأسد، على الملأ يخطب في الناس مدافعاً عن نظامه، بعد عشرة شهور من القمع المتواصل لانتفاضة الشعب المستمرة منذ الخامس عشر من آذار الماضي، قاطعاً بذلك الطريق على كل محاولات إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، يتضمن إصلاحات أو حتى انتقالاً سلمياً للسلطة.

المفاجأة كانت في أن بشار قد ظهر على الملأ في ساحة الأمويين، بعد يوم فقط من خطاب مطول ألقاه أمام 'القيادات' السورية، عشية إجراء انتخابات حزب البعث الحاكم، التي كان يعول عليها البعض، في أن تشكل مناسبة له ولنظامه للخروج المشرف من الحكم، عبر إصلاحات تبدأ من الحزب، ولا تنتهي بالانتخابات العامة.

هجوم بشار على ما سماه 'الإرهاب' يكشف والى حدود بعيدة، وكأن حادثة الميدان التي جرت قبل أيام، كانت مدبرة من قبل نظامه، في استخدام متقدم لخلط الأوراق، وتقديم أوراق الاعتماد للغرب، كما حاول من قبله كل من معمر القذافي وعلي عبد الله صالح، حين أدعيا أن ما يقومان به، إنما هو مواجهة عناصر القاعدة والإرهاب 'الإسلامي'، وكما قدرنا في مقال سابق، فإنه لا بد حين الحديث عن ما حدث من تفجيرات في بعض المدن السورية، من البحث عن أصابع النظام، لسببين أساسيين هما: أولاً: أن التفجيرات الانتحارية إنما تحدث وسط تجمعات شعبية سنية، بهدف ترويع الناس والتلويح لهم بأن في جعبة النظام ما هو أشد من القتل المباشر للمتظاهرين. وثانياً: إيهام الرأي العام الخارجي بأن إضعاف النظام سيدفع بسورية للسير على طريق الصومال، أو حتى العراق، وهو يعتقد بأنه يمكن أن يكسب حلفاء في الغرب، إذا ما حدثت حرب طائفية داخلية، حيث يتمنى بشار أن يدفع اليأس بالشعب السوري، وخاصة أغلبيته السنية إلى اللجوء للعمليات الانتحارية، رداً على القمع المستمر والقتل المتواصل للشعب السوري.

اللافت أيضاً في كلمة 'الرئيس' السوري، كان هجومه العنيف على العرب، ممثلين بالجامعة العربية، وكانت سورية في عهده وعهد أبيه من قبله، نموذجاً في العروبة، وإذا كان هو قد عيّر الجامعة بعجزها عن تحرير فلسطين ومنع انقسام السودان، ومنع المجاعة عن الصومال، فكان حرياً به أن يعير نفسه بعجزه، بل وحتى عدم محاولته تحرير الجولان أو المطالبة بلواء الإسكندرونة، كذلك بكل ما يعاني منه الشعب السوري من قهر وقمع مستمر منذ أكثر من أربعة عقود.

في الحقيقة فإن بشار، بخطابه في ساحة الأمويين قد احرق كل سفن العودة إلى الحل السياسي، وقطع الطريق على محاولة الجامعة العربية إيجاد حل، وبالفعل فإن الجامعة التي كانت تبحث في تعزيز دور لجنة المراقبة العربية رغم كل الانتقادات التي واجهتها من المجلس الوطني الانتقالي، وفي إضافة عدد من المراقبين للجنة، اضطرت إلى إغلاق هذا الخيار والتفكير في تحويل ملف الأزمة السورية إلى مجلس الأمن.

اندفع إذاً بشار إلى الأمام، وفضل مواجهة 'دولية' على المواجهة العربية، رغم انه يعرف أن الغرب سيكون أشد عليه وطأة وقدرة، لكنه فعل ذلك وهو يراهن على أمرين: الأول: حماية روسية / صينية له، تستمر في استخدام حق النقض / الفيتو، خاصة ضد احتمال استخدام القوة ضد نظامه، بما في ذلك تشكيل مناطق آمنة، كما فعلت المنظمة الدولية قبل أعوام مع العراق في عهد صدام حسين، بإقامة مناطق حظر للطيران، ربما يضاف إليها في النموذج السوري، مناطق حظر دخول للدبابات والمدافع الثقيلة، وتحقيق هدف حماية المدنيين في المدن السورية من بطش الجيش. والثاني: هو فتح جبهة حرب إقليمية، دفاعاً عن نظامه، عنوانها طائفي، فما دام الغرب 'يحضر' لحرب على إيران، وهو يخوض مواجهة مع الخارج، فلمَ ينتظر النظامان ومعهما حزب الله، أن يتم التفرد بكل واحد منهم على طريقة 'أكلت يوم أكل الثور الأبيض'.

من الواضح أن خطاب بشار في ساحة الأمويين كان يهدف إلى رفع معنويات أنصاره ومحازبيه، الذين احتشدوا في الساحة وكأنهم جيش من الشبيحة، يذكر بكونه 'قائداً' لشبيبة حزب البعث، ويذكر كذلك بمعمر القذافي، حين كان يطل من الساحة الخضراء، متوعداً 'الجرذان' والاستعمار بالسحق، ومغلقاً الأبواب أمام كل احتمالات التوصل إلى حل سياسي.

ما كان ينقص بشار وقد ظهر على طريقة القذافي سوى أن يهتف 'زنقة، زنقة' وهو في الحقيقة ربما ظهر كقذافي مزدوج، أي على هيئة الرجل وابنه، ربما لأنه كان هو من جيل سيف الإسلام، وانه كان أول من تم توريثه من أبناء الرؤساء العرب السابقين، على طريقة أبناء الملوك، الأمر الذي لم يتحقق حتى لكل من سيف الإسلام القذافي، وعلاء مبارك!

بذلك فقد صار ظهر بشار ملتصقاً بالجدار، وهو قد انحاز لقيادة الحل الأمني، وصار زعيماً للشبيحة، وما عاد يمكن أن يشكل قائداً للمرحلة الانتقالية، فقد وضع العقدة في المنشار، وأجبر الجميع على المواجهة بمستوييها السياسي والعسكري، وعلى الصعيدين: العربي والدولي.

ضيق أفق آخر ظواهر القادة الانكشاريين للعالم الثالث، يدفعهم إلى معاندة التاريخ، وعدم القدرة على قراءة المتحول الدولي، ولو هدأ أحدهم قليلاً، وفكر في ما آلت إليه الأمور في العالم، لتوصل إلى النتيجة، أنه لم يعد هناك من نظام ديكتاتوري واحد تقريباً خارج منظومة العالم العربي، فالملوك في الشرق: من اليابان وتايلاند، باستثناء سلطان بروناي المسلم، وفي الغرب، ملكتي بريطانيا والدنمارك، وملوك النرويج والسويد، يملكون ولا يحكمون، وهم مظهر أرستقراطي/ بروتوكولي، برستيج يعني، وأحد ضمانات استقرار البلاد، وليس هناك في الكون كله رؤساء للأبد، يملكون صلاحيات واسعة وغير محدودة، تجعل من الشعب، الذي هو بالأصل مصدر السلطات، جمعاً من الناس المستلبين، هذا هو جذر المشكلة التي يتجاهلها بشار الأسد، الآن، كما تجاهلها من قبله معمر القذافي، وركب رأسه، الذي كان ثمناً لهذا التجاهل!

كل من له عقل وشاهد بشار في ساحة الأمويين أدرك أن الرجل، قد تأبط شراً، وانه لم يستطع الفكاك من 'حلف' العسكر السوري، أصحاب الخيار الأمني، وقادة الشبيحة، وانه بذلك اختار السقوط مع النظام، على الخروج 'بكرامة' من وحله، المتحقق، خاصة بعد مجزرة القتل خلال عشرة أشهر حتى الآن.

Rajab22@hotmail.com