إبراهيم سرحان والآخرون
بقلم: نهلة الشهال
طفح الأسى مع وفاة الناقد الأدبي الفلسطيني يوسف سامي اليوسف، منذ أسابيع، في مخيم نهر البارد شمال لبنان الذي لجأ إليه بعد نزوحه من مخيم اليرموك في دمشق، الذي استقر فيه إثر مغادرته مخيم «ويفل» قرب بعلبك، التي وصل مع أهله بعيد 1948، وهو في العاشرة، لاجئاً من قرية لوبية في قضاء طبريا. الجملة طويلة وبلا تنفس؟ ما باليد حيلة، وليس في الوصف إضافات قابلة للحذف.
يومها، تركز الأسى على التشريد المتواصل للفلسطينيين، بحيث تنتهي حياة ناقد ومثقف من قامة اليوسف في مخيم ما زال أغلبه مهدماً جراء قصفه واقتحامه عام 2007، (ويقال عنه أنه في طور البناء)، نازلاً على أهل له ضاقت بهم الأمكنة ولم تضق القلوب، حتى استقبل كل بيت عدة عائلات. في الأمر ذلٌ رغم كرم الأقارب. وفيه خسارات لا نعرفها، مكتبة الرجل العامرة، وأشياؤه التي يتمسك بها... وافتقاده للمئات ـ أو الآلاف ـ ممن مروا به صغاراً، كأستاذ الانكليزية في مدرسة المخيم لسنوات طوال، وأصبحوا بعد ذلك أصدقاءه وجيرانه، ثم تبعثروا من جديد، كما في 1948...
وإن كان اليوسف قد احتُفي برحيله في الصحف، فأمر إبراهيم سرحان أمرّ. فقد ورد عرَضاً، في جملة من إحدى مقالات هذا الملحق، اسم إبراهيم سرحان، كأول سينمائي فلسطيني اخرج فيلماً وثائقياً عام 1936، ثم هجِّر من يافا و«توفي في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان عام 1987». ولو! من يعرف إبراهيم سرحان؟ ليتبين أن الرجل المولود في 1915، عاش منذ نكبة 1948 في مخيم شاتيلا بعد عبور سريع بالأردن. تذكّره المخرج السينمائي العراقي قاسم حول وقابله. وهذا كل ما ناله وكل ما بقي منه، بعد أن أسس في يافا «استديو فلسطين» بقوة إرادته وشغفه العاريين، ورعى أحلاماً كبيرة، كسرتها النكبة.
النكبة مستمرة أيضاً بسبب الخسارات والفقدان: التبديد والإهمال واليأس، والصعوبات أحيانا. كم من المشاريع رأت النور وهدفت لتوثيق وجوه وشخصيات وأقوال وأفعال وذاكرة من عاشوا 1948 ووعوها، ثم تلاشت قبل أن تُنجز. كم بقي منهم... قبل فوات الأوان.