بين تهديدي سوريا والميزانية

بقلم: يؤآف ليمور

كان هذا أسبوعا مقلقا في المؤسسة الأمنية. بدايته، قلق من عواقب الغارات في سوريا المنسوبة لسلاح الجو، ونهايته القلق من عواقب التقليص العميق في ميزانية الدفاع الذي تطالب به وزارة المالية. وبقدر ما يبدو الأمر غريبا، فإن القلق الاقتصادي أشد لدى قاطني الطابق 14 في برج هكرياه: وزير الدفاع ورئيس الأركان. ويبدو أن إسرائيل تدبرت أمرها مع الخطر الشمالي، أو على الأقل أبعد عن جدول الأعمال خيار الرد السوري على تدمير شحنات الصواريخ الدقيقة على أراضي سوريا. صحيح أن الرئيس الأسد يواصل الخطابية التصعيدية، لكن خياراته محدودة جدا. كما أن تهديده الأخير بتفعيل جهات فلسطينية للرد على إسرائيل من هضبة الجولان بدا فارغا أكثر من أي وقت مضى.

ويمكن الافتراض أنهم في سوريا وإسرائيل كانوا سيعيشون بسلام لو بقي أمر غارات فجر يوم الجمعة وليل الأحد سرا. كان الأمر ممكنا في الغارة الأولى، التي وقعت بعيدا عن المراكز السكانية، وكان بوسع الأسد اتهام المتمردين بها، وأقل في الثانية التي سمعت وشوهدت في كل أرجاء دمشق. ومع ذلك كان هناك في الغارة الأولى من اهتم بإيقاظ الإعلام وضرب تقديرات أن الصمت هنا يقابل بصمت من هناك، أي ما لم تثرثر إسرائيل بأنها أغارت، فسوريا ستتعايش مع واقع الغارة ولن ترد.

وقد صمد هذا الصمت المتبادل يوما ونصف يوم، إلى أن سرب الأميركيون القصة. وحتى إذا وضعنا للحظة جانبا مفارقة أن التسريب جاء تحديدا من واشنطن، التي تكثر من اتهام إسرائيل بعدم الاحتفاظ بسر. ونبقى مع تساؤل حول مصلحة من أفشى تفاصيل الغارة. جهات في واشنطن زعمت هذا الأسبوع أن الأمر خطأ من موظف صغير، ومن دون مقصد سيئ.

ويصعب العثور في إسرائيل على من يشتري رواية «الخطأ البريء». والآراء بشأن الدافع تنقسم: من يعتقدون أن التسريب جاء من أنصار الرئيس أوباما الذين أرادوا إظهار أن حلفاء الإدارة يعملون في سوريا بتنسيق تام وليس هناك إلحاح على تدخل عسكري فوري. وبالمقابل من يؤمنون بأن معارضي الرئيس تحديدا هم من سربوا الأمر لإحراجه عبر إظهار أن هناك من يعملون وهناك من يتحدثون فقط.

وأيا يكن الحال، يمكن الافتراض أن الإبلاغ المبكر عقد حياة إسرائيل. ليس فقط أنه رفع حالة التوتر خشية من رد فعل محتمل، وإنما هو ألزم بتفكير إضافي حول الموجة الثانية من الغارات التي نفذت ليل الأحد. ومع ذلك، فإن التقديرات ـ التي ثبت صحتها - كانت أن سوريا لن ترد. فالأسد منشغل بحروبه الداخلية ولا يريد فتح جبهة مع عدو آخر، يمكن أن يدمر ما تبقى من حكمه.

وظاهريا بدا توتر في الجو ـ نُشرت بطاريتا قبة حديدية في الشمال، وأرجأ رئيس الحكومة سفره لحين عقد اجتماع المجلس الوزاري المصغر، وحافظت المؤسسة بأسرها على صمت تام لحرمان أحد في الجانب الآخر من ذريعة الجنون ـ لكن بعد يوم واحد أطلقت صافرة التهدئة وعادت الأمور إلى طبيعتها. ومرة أخرى احتوت سوريا هجمات إسرائيلية صريحة على أراضيها.

والاستنتاج، الذي يخرج به الكثيرون، هو أن إسرائيل يمكنها مواصلة العمل. وتصرف إيران وحزب الله هذا الأسبوع كما لو أن الأمر لا يعنيهما، وسوريا، كما سلف، مشغولة بشؤونها الداخلية. لكن هناك طرفا ثانيا: في وقت ما، القدر سيطفح، والكرامة تهدر والأسد سيضطر للرد. هل الأمر يستحق هذه المخاطرة هذا الأسبوع، وتحديدا أمام هذه الأسلحة؟ يمكن الافتراض أن إسرائيل مقتنعة بأنه كذلك. أولا، بسبب أن الأسد لم يرد. ثانيا، لأن مجرد تدمير الهدف يشهد على وجود معلومات استخبارية دقيقة، لا تتوفر دائما. ثالثا، لأننا أغرمنا بالحديث عن الأسلحة الكيماوية وثم قلبنا تجاه الصواريخ. وعلى خلفية الأرقام التي نشرت مؤخرا - 100 ألف كان الرقم الأخير الذي حددته شعبة الاستخبارات - كان هناك من تساءل عن معنى استهداف بضع عشرات من الصواريخ.

لكن في هذه الحال ثمة فارق: فالصواريخ التي دمرت هي فاتح 110، صاروخ إيراني مداه 250 كيلومترا. صحيح أن لدى حزب الله مخازن تحوي مئات من صواريخ SM600 ذات المدى المشابه لكن بدقة أقل بكثير.

وتؤمن جهات إسرائيلية غير قليلة بأنه كان محظورا السماح بانتقالها إلى لبنان، ولكن الواقع أن ذلك حدث لا ينبغي أن يجعلنا نتعايش مع تصعيد =يكون فيه لحزب الله صواريخ برأس متفجر يبلغ 500 كيلوغرام ومدى إصابة يبلغ 100 متر. ولكن إلى جانب الإحباط، كان للهجوم أثر جوهري آخر: يمكن الافتراض أنه في أعقاب ذلك ستعمل إيران على «تجميد الوضع» لاستيضاح ما جرى هنا. فإسرائيل على ما يبدو عرفت كيف تعمل بدقة ضد مشروع سري. وسوف يحاول الإيرانيون معرفة من كشف ومن قال. وسوف يحققون في كل حلقات السلسلة في طهران، دمشق وبيروت لفهم الإخفاق. وهم سيتجنبون العمل حتى لا يتفاجأوا مجددا.

وفي الجنوب هناك سيناريو مشابه يجري في الشهور الأخيرة يعود الفضل فيه لتدمير إسرائيل شحنات أسلحة قرب الخرطوم. فكشف المحور قاد إلى إيقاف الشحنات الإيرانية، وإبطاء كبير في وتيرة دخول الأسلحة لقطاع غزة. وحماس، التي ضعفت من الحملة الأخيرة، تحرص على عدم التصعيد خشية مواجهة أخرى.

في الشمال الأمور أشد تعقيدا، سواء بسبب كميات السلاح الكبيرة الموجودة أو بسبب الفوضى داخل سوريا. وبينما اتهم الأسد إسرائيل بالعمل بتنسيق مع المتمردين فإنهم في لبنان يتهمون حزب الله بإشعال الحرائق. فأكثر من ألف من أفضل مقاتلي حزب الله ضالعون عميقا في العمل داخل سوريا. وبرؤية إسرائيلية فإن هذا تورط مبارك: ما داموا يحاربون هناك، فلن يحاربوا هنا.

ورغم ذلك يتعذر أن تخرج إسرائيل معفاة من أحداث الأسبوع. ليس بسبب ضرب السلاح وقتل عدد غير قليل ممن كانوا حوله، ولا بسبب الإهانة العلنية الإضافية التي تلقاها الأسد. الرد سيأتي لأن إيران وسوريا وحزب الله ملزمة يالمحافظة على آلية الإرهاب حية. وإذا تعذر الرد على الحدود فسوف يأتي في الخارج: سفراء، سفارات، طائرات وسفن والكل على جدول الأعمال.

لكن بينما كان الاهتمام منصبا هذا الأسبوع شمالا، كان رأس قادة المؤسسة الأمنية منشغلا بشؤون الميزانية. فالجميع يستعد لصافرة انطلاق معركة الميزانية. والمؤسسة الأمنية تعرف أنها لن تخرج معفاة. ويصعب على قادة المؤسسة شرح كيف يرزح الجميع تحت عبء التقليصات بينما ميزانية الدفاع لا تمس. والجيش يشكو من إصرار وزارة المالية على التركيز على الصغائر. ويقول إنه حتى لو قلصت كل هذه الصغائر فإنها لا تغطي شيئا من المطلوب تقليصه. وبعد انتهاء النقاش حول الصغائر سيضطر المجلس الوزاري المصغر لحسم القضايا الكبيرة. ورئيس الأركان لديه خطة لتقليصات تحدث تغييرا جوهريا في الجيش البري، بحيث يكيف ليتناسب مع المخاطر وتسريح آلاف من جنود الخدمة الدائمة.

لكن ذلك يجب أن يتم في خطة بعيدة المدى وليس غدا صباحا. فإغلاق فرق وتسريح قوات يكلف في البداية ويعطي ثمارا فقط بعد سنوات. وسيكون مطلوبا الاستثمار في شؤون أخرى حيوية مثل منظومة السايبر والاستخبارات التي برهنت هذا الأسبوع عن جدوى الاستثمار فيها.