الجدار الأزرق
تهدف الحملة بحسب الخطيب للتعبير «عن شعور الفلسطيني بالعزلة واليُتم في جميع المخيمات الفلسطينية داخل سوريا، إضافة للقيمة المعنوية الكبيرة التي يتمتع بها المخيم في كل مكان على اعتباره (عاصمة اللجوء)». ويضيف: «تؤكد الحملة أنّ المخيّم هو أصل الحكاية، هو المكان الوحيد الذي يحمل الشروط المطلوبة للنهوض بواقع سياسي جديد، ولتسليط الضوء على ما يجري داخل المخيمات من انتهاكات بحقّ أبنائها».
انطلقت الحملة ببيانٍ نشره عبدالله الخطيب على صفحته الشخصية، ثمّ تحوّلت إلى ما يشبه البوح الجماعي العلني، إثر تجاوب نشطاء وكتّاب وشباب وأطفال معها. شرع هؤلاء بقصّ ذكرياتهم عن المخيّم وأزقّته، وحكايات الشهداء والمعتقلين والمهجّرين في نزوحٍ لا ينتهي. لا يخفي عبدالله دهشته من الأصداء التي أثارتها الحملة والاهتمام الإعلامي بها. لكن المشاركات الآتية من الأراضي المحتلة في العام 1948، كانت الأكثر أهمية بالنسبة له، ويضيف ضاحكاً أن أهم شخصية تبنت الحملة من وجهة نظره كانت ريماس الصفوري، ابنة الأعوام الخمسة.
تبلورت ملامح الحملة مع الوقت، وتجلّى ذلك من خلال حملات تبرّع لمصلحة المنكوبين، بالإضافة للعمل على إصدار سلسلة وثائقية قصيرة من عشر حلقات عن حكايا المخيّم. وقد حظي الإعلان الترويجي باهتمام واسع على «يوتيوب» وصفحات التواصل الاجتماعي. الإعلان الذي يحمل توقيع «التجمّع الفلسطيني للإبداع ــ ردّ فعل»، تمّ تصويره في مخيّم اليرموك لينقل حجم الدمار الذي لحق به. تجوّلت الكاميرا في عمق المخيّم، لتلتقط تفاصيل رمزيّة، تعكس صراع الحياة في مواجهة الخوف والموت. تصوّر الكاميرا التربة التي يقلبها المعول لتختلط بالماء، مروراً بمشهد عودة بعض السكان بمتاعهم البسيط وهم يحتمون بجدارٍ محاذرين خطر الرصاص، أو عبارة «وطني فلسطين ولن أبقى لاجئ» التي خُطت على باب أحد المتاجر.
يقول نيراز سعيد أحد المشاركين في الحملة والقائمين على إنتاج الـ«برومو» إنّ الشريط «دعوة للحفاظ على هوية المخيمات الفلسطينية، ومحاولة لقصّ حكايات معيشة، حقيقية، كان المخيم الكيان الجامع لها». يرى نيراز أنّ كون الشباب القائمين على إنتاج الأفلام من أبناء المخيم، ألغى حاجز الخوف بين الناس والكاميرا، «زيّ حدا عم يحكي بينه وبين حاله».
تشكِّل شهادات الأطفال العنصر الأساسي في الفيلم القصير، إلا أنهم يبدون هنا متفائلين، أقوياء مبتسمين، بالرغم من أنهم يتوسطون مشهد دمارٍ مخيف. وتلك صورة مختلفة عما ركز عليه الإعلام من لحظات ضعف وخوف وفقدان في حياة الأطفال خلال السنتين الماضيتين. تُوجّه إحدى الفتيات رسالة إلى أخيها، طالبةً منه العودة إلى المخيّم، وتقول: «إلي ما بده يرجع على المخيم لا يضل يتصل ويسأل عن بيته إذا انسرق.. إلي بده بيته ما ينسرق يرجع على المخيم». لينتهي الفيلم بعبارة تصرخ بها إحدى الفتيات أثناء لعبها على الأرجوحة «إحنا الفلسطينية حبيباتي ما بنخاف».
لم تنجح حملة «المخيمات أصل الحكاية» برواية تلك الحكايات فقط، بل استطاعت كذلك تسليط الضوء على أوضاع المخيمات الفلسطينية، وطرح إشكالية القضية الفلسطينية في تدخلها وتأثرها بما يحدث في سوريا. لكنّ الأهمّ من ذلك كله، أنّها استطاعت أن تعيد إلى الأذهان جميع التفاصيل التاريخية والمكانية والعاطفية المرتبطة بالمخيمات الفلسطينية عموماً ومخيم اليرموك تحديداً، ليس في حياة الفلسطينيين ومن سكنوه فقط، وإنما في حياة جميع السوريين.