منال زريق ... أول سيدة أعمال فلسطينية تنال جائزة التمكين الاقتصادي العالمية

في الثاني من نيسان الجاري، وحين استلمت سيدة الأعمال الفلسطينية منال يعيش زريق جائزة التمكين الاقتصادي من مؤسسة الأصوات الحيوية العالميه المرموقة، وقفت أمام آلاف المصفقين من الجمهور في مركز كندي في العاصمه الامريكيه واشنطن لتقول: "أقدم جائزتي هذه لكل امرأة فلسطينية تصارع بطريقها من أجل السلام".

هدفت هيلاري كلينتون من تأسيس مؤسسة الأصوات الحيوية العالميه هذه، قبل نحو ثلاثة عشر عاما، إلى تسليط الضوء على النساء القياديات اللواتي يتركن بصمات عظيمة في بلدان متعددة وفي حقول متنوعة كانت في زمن ما حكرا على الرجال، منها الحقل الاقتصادي، وذلك بمنحهن جائزة التمكين الاقتصادي.  وتقول زريق التي استحقت الجائزة لهذا العام: "إن هذه الجائزة تعني الكثير بالنسبة لي، وهذا ليس باعتبارها الأكبر في مستواها أو لأنها جائزة عالمية اعتبارية هامة، فقط، وإنما لمساهمتها في تحقيق رغبتي الدفينة لأقدمها للمرأة الفلسطينية التي أعتبرها أسطورة في تحقيق الإنجازات رغم التحديات الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية، وإنني آمل أن يشكل نيلي لهذه الجائزة دفعة من الأمل لنساء فلسطينيات أخريات لتحقيق ما هو أكبر على المستوى الاقتصادي الفلسطيني وتمكين المرأة من أجل ضمان مستقبل أكثر إشراقا لنا ولأولادنا".

زريق ابنة مدينة نابلس وأم لثلاثة أولاد هم (هلال،كريم ولين)، عملت بطريقتها الخاصة طوال العقدين الماضيين من أجل تقدم الاقتصاد الفلسطيني حتى أصبحت نموذجا للإنجاز. وإذ تدير زريق شركة مسار العالمية  التي تملك العديد من الشركات في مجالات مختلفه احداها الشركه المطوره لمدينه روابي.

بدأت زريق مشوارها من الصفر، حيث حملها في خطواتها الأولى نحو النجاح الطاقة والشغف، اللذان دفعاها سنوات طويلة للعمل دون كلل أو ملل ليكون نيلها لهذه الجائزة ثمرة نجاح وجهد. حيث عملت خريجة كلية المحاسبة من جامعة بيرزيت بدايةً في القطاع المصرفي، وبعد عام واحد من العمل قررت تقديم استقالتها استعدادا لاستقبال مولودها الأول،  ورغبة في التجديد واكتساب المزيد من الخبرة في مجالات أخرى.

بعد أقل من أسبوعين على ولادتها، وهي ربما تكون أطول فترة زمنية لازمت فيها زريق البيت دون عمل، عرض عليها ابن مدينتها رجل الأعمال بشار المصري أن تعمل معه في شركته التي كان قد أسسها حديثا في العام 1994  شركة "مسار"، بدأت آنذاك عملها مع المصري وموظف ثالث في الشركة، ليكونوا ثلاثتهم طاقم الشركة الوحيد،  وكانت وظيفتها تتعلق بمهام الإداره والمحاسبة والاستقبال في آن واحد،  حيث أن الوضع المالي للشركة  لم يكن يسمح بتعيين أي موظف آخر.

 

وبعد ما يزيد عن العام من العمل الجاد، وقفت  زريق أمام منعطف مهني كبير، فالشركة رغم تقدمها إلا أن عروض العمل المغرية من الشركات الأخرى بدأت بالتزايد على موظفي "مسار"، لذلك كان قرار المصري إما أن يضاعف الراتب بناء على طلبهم، أو يخفضه إلى النصف على أن يكون لهم نصيب من أسهم الشركة بعد عام، بلا تردد وافقت زريق على العرض الأخير، لتصبح بعد عام تملك حصة في "مسار"، ومن هناك بدأ مشوارها كشريك وسيدة أعمال تعرف بالضبط ماذا تريد وكيف توظف مهاراتها وطاقتها الكبيرة لمزيد من الإنجاز كل عام.

 

إن كل من يتذوق طعم النجاح، يصيبه النهم لتحصيل المزيد منه، هذا ما حدث تماما للسيدة زريق، فمسيرتها الطموحة لم تكن لتتوقف هنا، فمع كل إنجاز على المستوى الشخصي، زادت رغبتها في تحقيق المزيد للمرأة الفلسطينية والمساهمة في خلق بيئة عمل لها تؤمن استقلاليتها وتمكينها، فكانت من المؤسسين  "لمنتدى سيدات الأعمال" عام 2006 مع عدد من سيدات الأعمال الفلسطينيات، واللواتي شاركنها الرؤيا ذاتها، وهنا يمكننا القول أن زريق  احتضنت المنتدى في شركتها لمدة عامين وترأسته لبعض الوقت، وما زالت تعتبره ابنها "الرابع"، حيث تقول "هذا المنتدى وُجد لتعزيز دور المرأة الاقتصادي، وتزويدها بكل المهارات اللازمة لتكون سيدة أعمال ناجحة". وأضافت: "أطمح دائما لتطوير قدرات المرأة التنافسية في سوق العمل، وتمكين المرأة على الصعيد الاقتصادي، فأنا شخصيا أؤمن بأن تمكين المرأة الاقتصادي سيكون أساس العدالة الاجتماعية لاحقا في مجتمعنا، فمن حق الجميع، سواء كان ذكرا أو أنثى الحصول على فرص متكافئة من أجل تطوير ذاته والمجتمع المحيط به"، هذا وقالت: "ربما مع بداية عملي كنت محظوظة لوجود أشخاص داعمين واستطعت أن أرى بعض الفرص الاقتصادية والتي مكنتني اليوم من الوصول إلى ما أنا عليه، إلا أن الكثير من النساء الفلسطينيات يملكن قدرات هائلة وإبداعات خلاقه ولكنهن بحاجة إلى آليات دعم تصل بهن لأهدافهن التجارية ولاحقا الاجتماعية، وهذا فعلا ما أطمح لتحقيقه ونعمل عليه في المنتدى".  

وإضافة لدورها الفعال في دعم ريادة النساء، قامت زريق باطلاق مبادرة خاصىة تدعو لتدريب وتوظيف خريجات تكنلوجيا المعلومات، وتقول: "إن هذا القطاع دائم التجدد، ويعد أحد أهم القطاعات الفلسطينية الاقتصادية الحيوية، ولا يجب ان يكون احتكاراً على الرجل علما أن كثير من النساء الفلسطينيات هن رياديات في هذا القطاع وأرى الكثير من الخريجات المبدعات اللواتي يحتجن للقليل من الدعم ليسجلن قصص نجاح خلاقة في قطاع تكنلوجيا المعلومات والاتصالات".

ومع اهتمامها المتزايد بدور المرأة الفلسطينية، أدركت زريق أن دعم المرأة العربية بات أيضا بالأمر الضروري، مثل حال المرأة الفلسطينية، هي الاخرى بحاجة للدعم والمساندة من أجل تحقيق أحلامها وبناء قدراتها. وبالتالي فقد ترأست زريق جلسة حوارية مع سيدات أعمال ليبيات بهدف مشاركتهن خبراتها في آليات تأسيس مؤسسات جديدة وتحديدا منتدى لسيدات الأعمال يعمل ضمن ظروف سياسية حساسة، وذلك ضمن برنامج مشترك ما بين "مؤسسه الأصوات الحيوية العالميه" وبادره الشراكه مع الشرق الاوسط, وقد ساهمت هذه الجلسة بخلق نواة لاتحاد سيدات أعمال ليبيا.   

وتشير زريق: "أنا أعي تماما أن المسؤوليات الملقاة على عاتق المرأة في البيت ومع الأولاد ليست سهلة إلا أنه يجب وضع حد فاصل ما بين العمل والعائلة الأمر الذي يستوجب على من تعمل منا  السهر طويلا لإنهاء الأعمال الواقعة على عاتقها وإتقان أكثر من عمل بذات الوقت، ولكن مع كل هذا فأنا أصر على طبخ طعام العشاء بنفسي وتدريس الأولاد، ولا أساوم على تقضية يوم الجمعة معهم".

وبابتسامة كبيرة تشير زريق الى كنبة مكتبها الأنيقة  التي يعود عمرها الى ثمانية عشر عاما، كانت مثل سرير بديل لأطفالها في المكتب. تقول: "لقد نجّدت هذه الكنبة عدة مرات، فعليها كان ينام طفلي وهو ما زال في أعوامه الأولى، أحضره من الحضانة أطعمه لينام عدة ساعات كانت كافية لإنهاء ما بيدي من أعمال قبل أن نذهب معاً الى البيت".

العمل لساعات طويلة لا يعتبر طفرة في عائلة سيدة الأعمال التي تنحدر من عائلة يعيش المشهورة  بالتجارة في نابلس، تقول: "تربيت في جو عائلة تعمل في التجارة، والدي لم يكن يوما ينتمي لنظام انتهاء الدوام في وقت معين والجلوس في البيت بعد الظهر، العمل لساعات طويلة أمر عادي في عائلتي، وهذا ما أقوم به أنا وزوجي سمير زريق أيضا بانسجام كبير".

تعرفت منال بزوجها سمير زريق فترة دراستها في جامعة بيرزيت، حيث كانت مسؤولة اللجنة الاجتماعية لسكن الطالبات، وهو رئيس مجلس الطلبة هناك، وبعد التخرج تزوجا ليكون شريك حياتها ولاحقا شريكها بالعمل. تقول: "زوجي صديقي وشريكي أيضا، وهو يدعمني بشكل دائم".

هذه المرأة  لديها إيمان عميق  أنه لا يوجد مستحيل في هذا العالم، وأن كل شيء نستطيع تحقيقه إذا ما وجد العقل والإرادة طريقهما لتجاوز التحديات،  وأن جائزة التمكين الاقتصادي ما هي إلا بداية للمزيد من الإنجازات الاقتصادية.

حرره: 
م.م