جيوب يهودية في الدولة الفلسطينية لحلّ معضلة المستوطنات

بقلم: جدعون بيغر وجلعاد شير
مست وفاة الحاخام مناحيم فرومان، قبل نحو شهر، شغاف قلوب الكثيرين ممن ينتمون الى جماعات مختلفة، بل يقفون في أقطاب متباعدة من ناحية ايديولوجية. لقد كان الحاخام من تقوع رمزا لسعي ابداعي وعميق نحو السلام، دون تحفظ أو خوف. حركة "بلاد السلام"، التي جمعت الشباب الذين يؤمنون بها، تقترح في التسوية السلمية أن يتخلى المستوطنون الراغبون في البقاء في أماكنهم عن جنسيتهم الاسرائيلية ويحملوا الجنسية الفلسطينية. في نظرهم، أقلية يهودية ستضمن الديمقراطية في الدولة الفلسطينية. 
في الجولات السابقة من المفاوضات السياسية حول التسوية الدائمة طرحت هذه الامكانية من جهة المتفاوضين الفلسطينيين بالذات. "أهلاً وسهلاً"، قالوا لمحادثيهم الإسرائيليين، ورحبوا بكل من يرغب في أن يصبح مواطنا فلسطينيا.

اخلاء مكثف للمستوطنات، التي تقع خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، حيث يسكن نحو مائة الف نسمة، سيكون مطلوباً اذا ما طُلب من حكومة اسرائيل أو سعت هي نفسها الى تطبيق عملي لمبدأ "الدولتين للشعبين". في كل سيناريو انفصال عن الفلسطينيين، نتيجة للاتفاق او لقرار ذاتي من إسرائيل، سيُفرض إخلاء للمستوطنات التي خارج المراكز الاستيطانية الكبرى. ويدور الحديث عن اعادة انتشار وطني صعب وباعث على التحدي والصدمة من ناحية انسانية ومجتمعية واشكالي من ناحية سياسية.

كل صيغ التسوية الدائمة تفترض، مع تطبيقها، إخلاء المستوطنات التي ستبقى خلف هذا لخط، يقطنها كما هو معروف عشرات آلاف الاشخاص. المصاعب واضحة. يمكن التغلب على معظمها بتخطيط وطني مسبق للاخلاء، التعويض المناسب، الخطاب الداخلي الذي يرص الصفوف في اسرائيل، التشريع المناسب وخطة استيعاب شاملة ومتعاطفة. إضافة الى ذلك، فان اخلاء عشرات الالاف من منازلهم وبلداتهم، بما في ذلك اخلاء من يرفضون امر من الحكومة بالقوه هو مهمة صعبة للغاية على الدولة، قد تصل الى سفك دماء وحرب الرجل مع أخيه. 
من هنا تنبع الحاجة الى فحص أفكار أخرى أيضا تقود إلى تقليص عدد الاسرائيليين الذين يعيشون خلف الحدود النهائية لدولة اسرائيل، وتكون ثمة حاجة لاخلائهم كما اسلفنا. على هذه الخلفية طرحت فكرة فحص إمكانية بقاء بلدات يهودية في نطاق الدولة الفلسطينية، حين تقوم، شريطة أن تكون في إطار ظروف التسوية الدائمة التي تنهي النزاع. 

يعترف الكاتبان بان النموذج المقترح يبدو غير عملي على نحو ظاهر، أولا وقبل كل شيء من الناحية الأمنية، حيث الدولة مسؤولية على أمن كل سكانها ومواطنيها في نطاق الدولة وخارجها. ومع ذلك، فان هذا المقال سيقدم تحليلا أوليا لهذه الامكانية دون أن يعرب عن الرأي بشأن احتمالها السياسي الداخلي أو الخارجي. 
الفكرة ليست مميزة: الخريطة السياسية العالمية تعرض نحو ثلاثمائة جيب اقليمي في أرجاء المعمورة. نحو مائتين من هذه الجيوب توجد قرب الحدود بين الهند وبنغلادش. ويوجد نحو عشرين جيبا على الحدود بين هولندا وبلجيكا، والباقي في مناطق مختلفة في اوروبا وفي آسيا. 

الجيب الاقليمي هو أرض سيادية لدولة وليس له تواصل بري مع الأرض الاساس للدولة، وهو محوط بكامله بأرض برية لدولة اخرى. توجد جيوب اقليمية تقع في اراض واسعة تمتد الى الاف الكيلومترات المربعة، ولكن معظم الجيوب صغيرة – بضع كيلومترات مربعة بل واقل. في معظم الحالات لا توجد مشكلة للانتقال من الجيب الى الدولة الام، ولكن احيانا يتم العبور في ظل اجراء اداري مركب. 
والان لفحص تطبيق النموذج القائم على المستوطنات، التي خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، نظرياً يمكن الحديث عن ثلاثة أصناف: جيوب اسرائيلية داخل الارض الفلسطينية؛ بلدات اسرائيلية بحكم ذاتي تحت سيادة فلسطينية؛ وبلدات يهودية في أراضي الدولة الفلسطينية دون مكانة خاصة. 
المستوطنات الكبرى – اريئيل، معاليه ادوميم، افرات، كريات أربع، والتي تعد عشرات الاف السكان – تبقى تحت السيادة الاسرائيلية الكاملة كجزء من دولة اسرائيل، وسكانها يبقون مواطنين اسرائيليين. العبور الى هذه البلدات ومنها الى باقي اراضي دولة اسرائيل يتم في محاور سير متفق عليها، والحركة فيها تكون حرة دون أي رقابة من جانب الدولة الفلسطينية. السكان في هذه البلدات معا يبلغ عددهم اليوم 69 ألف نسمة وعموم الارض المبنية في هذه البلدات يقع في 7700 دونم. هذه الأرض ستؤخذ بالحسبان عند البحث في تبادل الأراضي بين دولة إسرائيل والدولة الفلسطينية. وفي حالة بقاء افرات ومعاليه ادوميم في نطاق دولة اسرائيل كجزء لا يتجزأ من الحدود الدائمة، فالحديث يدور فقط عن اريئيل وكريات أربع كجيبين إقليميين يضمان نحو 25 الف نسمة في ارض مبنية على نحو 3500 دونم. 

حسب النموذج المدروس هنا فان عشر بلدات متوسطة في كل واحدة منها 2000 – 7000 نسمة، بيت ايل، عوفرا، عمانويل، كفار ادوميم، كوخاف يعقوف، عاليه، كدوميم، تلمون، كرنيه شومرون وشيلو، ستكون في أراضي الدولة الفلسطينية وتحت سيادتها ولكن ستدار كحكم ذاتي بكل معنى الكلمة. كل إسرائيلي يقرر أن يبقى للسكن في هذه البلدات يحتفظ بجنسيته الاسرائيلية، وتدير البلدات حياتها بنفسها في كل المجالات البلدية – الاجتماعية – الادارية كالتعليم، الرفاه، الصحة وما شابه. واجمالي السكان في هذه البلدات نحو أربعين الف نسمة، والارض المبنية لهذه البلدات تصل الى 8500 دونم. 

سكان بلدات صغيرة ومنعزلة – نحو 65 بلدة فيها نحو 36 الف نسمة ممن يقررون البقاء في منازلهم – يمكنهم أن يحتفظوا بالجنسية الاسرائيلية بل وأن يضيفوا إليها جنسية فلسطينية. وتكون البلدات تحت السيادة الكاملة للدولة الفلسطينية. ويحتفظ بحق الملكية لهم على أملاكهم الخاصة وعلى الارض العامة في البلدة، ولكن في باقي المواضيع، بما في ذلك حق الانتخاب، سيكونون مواطني الدولة الفلسطينية. السكان الذين يبقون في هذه البلدات يكونون خاضعين لسيادة الدولة الفلسطينية وقوانينها، مثلما يخضع "عرب اسرائيل" لسيادة دولة اسرائيل. مساحات هذه البلدات لا تؤخذ بالحسبان عند البحث في تبادل الاراضي بين إسرائيل والدولة الفلسطينية. 

اذا ما تحققت تسوية حسب المبادئ المطروحة هنا في اطار الاتفاق الدائم، فانها قد تضمن استمرار وجود قسم من البلدات اليهودية دون حاجة الى إخلائها بالإكراه. خيار البقاء في المنازل والبلدات يعطى للسكان انفسهم. ويمكن التقدير بانه على مدى الوقت، سيختار بعض هؤلاء السكان وربما معظمهم العودة الى دولة اسرائيل طواعية، في ظل الحصول على التعويض عن الملك الخاص الذي يبقى في البلدات التي يتركونها، ويبقى الاخرون حسب ارادتهم في نطاق الدولة الفلسطينية، حسب النماذج المقترحة. ويتم هذا العمل دون إكراه ودون استخدام القوة ويمتد على مدى زمن طويل. 

جانب ايجابي آخر هو ان أراضي الجيوب ستكون مقلصة بالنسبة للاراضي الواسعة للكتل الاستيطانية التي تبحث حتى اليوم. وخلق الجيوب سيقلص الحاجة الى "أصابع" اقليمية باتجاه كريات أربع، اريئيل، وعمانويل. وهكذا يكون من الاسهل ايجاد اراضي بديلة تنقل الى الدولة الفلسطينية في اتفاق السلام. مساحات باقي البلدات في الصنف الثاني (الحكم الذاتي) والثالث (الاقامة والمواطنة) ستكون تحت سيادة الدولة الفلسطينية، وهكذا لن تكون ثمة حاجة الى "دفع ثمن" مقابلها من الأراضي الواقعة غرب الخط الاخضر.

ومع ذلك، هناك تخوف واضح من احتكاكات ومواجهات بين اراضي الجيوب وبين محيطهم الفلسطيني – احتكاكات قد تتطور الى اوضاع مواجهة علنية بقوى عالية. ولهذا نحتاج إلى التفكير الآمن والسياسي المسبق. ويعتقد خبراء كثيرون بان الفكرة غير قابلة للتطبيق على الإطلاق إلا في واقع السلام الكامل.

لقد دعا الرئيس كلينتون في حينه الطرفين الى التفكير، فضلا عن خط الحدود السيادي، في تسويات إقليمية إبداعية وبعيدة المدى أيضا. في ظروف التسوية الدائمة لا يمكن الاستبعاد التام لاحتمالية التوافق ايضا على الفكرة موضع البحث هنا. مطلوب بالطبع تفكير معمق آخر في الجوانب السياسية، الأمنية، والعملية بالنسبة للجيوب الإقليمية.