وداعاً لعصر الدبابات

بقلم: أمير أورن
شُحنت آخر 22 دبابة لجيش الولايات المتحدة في اوروبا، وهي من طراز "أبرامز"، الشهر الماضي، على متن سفينة رست في الميناء الالماني بريمرهيذن في طريقها الى الوطن. فقد انقضى عصر الفرق المدرعة لدى الأميركيين في اوروبا. وقد كان هناك 20 فرقة كهذه في ذروة الحرب الباردة واختفت الآن جميعاً، فلا حاجة إليها، وتراجع تراث معركة أنصار جورج باتون والكرايتون أبرامز، أمام الواقع السياسي والاقتصادي الجديد.
مر عقد منذ احتلت دبابات أميركية بغداد، ولا يوجد الآن أي سيناريو مقبول لاستعمال قوات مدرعة يرسلها براك اوباما في أوروبا بيقين وبنفس قدر الاحتمال تقريبا في الشرق الاوسط، بل ولا في كوريا. أما القوات الخاصة فنعم، وربما أيضا قوات المشاة بمساعدة نار من الجو والبحر. لكن أين تُستعمل الدبابات ؟ وفي مواجهة من ولأجل ماذا؟.
هذا في الحقيقة ما تحدث فيه، الاسبوع الماضي، وزير الدفاع، تشاك هيغل، في جامعة الامن القومي في واشنطن. ولزم هيغل نهجاً متحدياً كان يرمي الى ان يشير للضباط الكبار ومؤيديهم من الساسة الذين عارضوا تعيينه أنه ينتظرهم من جهته وبدعم من اوباما معركة طويلة من اجل زيادة جدوى المؤسسة العسكرية وملاءمتها للظروف التي تغيرت، وهو يؤكد على الدوام انه خدم (وجُرح) في فيتنام عندما كان رقيبا بسيطا لا ضابطا مغتربا. وليس تحديه هو الدبابة بمعناها المدرع بل "الدبابة" التي تعني غرفة مباحثات رؤساء هيئة الاركان العامة في وزارة الدفاع الأميركية. وقد قال هيغل انه يجب على كل ضابط ان يعرض على نفسه ثلاثة اسئلة تنتظر اجابة بنعم قبل القرار: "هل يسهم هذا في الامن القومي؟ وهل يتساوق ذلك مع المصالح الاستراتيجية الأميركية التي تشتمل ايضا على أبعاد سياسية واقتصادية واخلاقية؟ وهل يناسب ذلك خدمة وتضحية رجالنا ونسائنا في البزات العسكرية وعائلاتهم؟".
يمكن ان نفهم من ذلك ان هيغل لم يُلين معارضته المعروفة لعملية عسكرية ضد ايران، لكن المهمة الرئيسة في نظره هي اعداد الجهاز الأمني للمستقبل وبين يدي ذلك الأزمة في الميزانية التي تزداد حدة. يُحتاج الى اقتطاع حاد من القوة البشرية، المدنية، والعسكرية، والى تغييرات بعيدة المدى في الميزان الداخلي للجهاز. ولم يواجه هيغل الى الآن أكبر اعمال التبذير مثل الوجود المستقل لسلاح قوات التدخل السريع مع 200 ألف جندي مارينز يخدمون فيها.
جلس بين جمهور هيغل ايضا ضباط اجانب عُقداء كما كان بني غانتس حينما درس هناك في نهاية تسعينيات القرن الماضي. لا نتوقع من الجيش الاسرائيلي ان يتخلى كليا عن دباباته، لكن يمكن مضاءلة عددها وعدد الفيالق المدرعة ايضا – لأن المهمات قد تغيرت. كانت المدرعات رأس حربة المملكة الاسرائيلية المتوسعة في نهاية ستينيات القرن الماضي. وقد أُطيلت مدة الخدمة الإلزامية من اجل مضاعفة ألويتها النظامية ثلاثة أضعاف أو أربعة. لكن اذا حصر الجيش الاسرائيلي عنايته في مهمات دفاعية أو فضّل على نحو واضح النار على المداورة، من معركة مع "حزب الله" الى ازمة جديدة مع مصر، فانه يستطيع ان يكتفي بقدر أقل من قوات المدرعات، أقل بكثير.
من اجل ان نفرض على جيش عنيد تقليص القوات يُحتاج الى واحد من اثنين: قائد متقاعد ذي مجد أمني ووعي مدني كما كان الرئيس آيزنهاور (الذي يُجله هيغل)، أو الى مدني لا يحجم عن مناكفة الضباط. استغل وزير المالية السابق، يوفال شتاينيتس – باذن وتفويض برغم غضب القيادة الامنية – خرقا في قرارات الحكومة وحكم على ميزانية الدفاع باقتطاع 6 مليارات شيقل في السنتين 2013 – 2014. وتستطيع الحكومة الجديدة ان توافق على الاقتطاع أو تغيره. إن موشيه يعلون، الفريق المتقاعد، لا ينتمي الى الطراز الهيغلي، فقد كان الى الآن محافظا وجامدا ورجل الجهاز. ويتوقع منه ان يُدفع الى مواجهة الحكومة أكثر من مواجهة مرؤوسيه السابقين. واذا لم يقُد مع غانتس أو من غيره، اذا رفض غانتس التعاون، الى بنية عسكرية مُحدّثة ومن المؤكد انه يمكن ألا يكون يعلون وزير الدفاع الوحيد في الحكومة الحالية.

  هآرتس