رجل واحد في وجه التيار

بقلم: عمانوئيل روزان

تظهر في هذه الايام في السينما والتلفاز صورة مختلفة لاميركا، صورة يميل أكثرنا الى نسيانها ولا يهب الاميركيون في أكثرهم ايضا لتذكرها. هي اميركا العبودية البغيضة (في فيلم "جانغو الذي لا كابح له")، اميركا الحرب الأهلية البربرية (في فيلم "لينكولن")، اميركا التي تأخرت عن المشاركة في الحرب العالمية الثانية وأنهتها بعمل بربري هو القاء القنبلتين الذريتين على اليابان (في مسلسل "التاريخ السري للولايات المتحدة" بحسب أوليفر ستون).

قبل 150 سنة تقريبا، أي منذ وقت غير بعيد في الحقيقة، كانت الولايات المتحدة دولة ظلامية تاجروا فيها بالبشر ونكلوا وقتلوا وفصلوا بين الابيض والاسود. ومزقت الحرب الأهلية الدولة إربا إربا، وكانت في تلك الايام بعيدة عن صورة دولة حضارية وقوة من القوى العظمى حاكمة كبعد سوريا عن ذلك اليوم.
بعد ذلك ببضع عشرات السنين، حينما حاول العالم ان يصد الغول النازي، فضلت الولايات المتحدة ان تتنحى وتراقب. وجرت وراء ستالين وتشرتشل، وفي النهاية وبعد ان تلقت ضربة في بيرل هاربر في الأساس، تفضلت بالمساعدة وأنهت الحرب في السادس من آب 1945 بالعمل الحربي الأكثر جنونا في التاريخ، في وقت يتحدث فيه عن أنه جاء من قبل دولة ديمقراطية طالبة للعدل.
يمكن ان ننظر في الاعمال الابداعية لكوانتين ترينتينو، وستيفن سبيلبيرغ واوليفر ستون وأن نحرك رؤوسنا ونقول: يا للعجل كيف يدور. انه عجل التاريخ في هذه الحال. ويمكن بالطبع ان نقرقع باللسان ونقول: من يكونون كي يدعوا علينا ويعظونا، أنظروا كيف كانوا يبدون حينما كانوا في عمرنا. لكن يمكن في الأساس ان نفهم مرة اخرى ان التاريخ هو مسلسل جنون وحروب، ومظالم واستعمال للقوة تبدو احيانا حتمية ونتاج غريزة سيئة – الى ان يأتي القادة العظام ويغيرونها. والاسم الشيفري هو الزعامة، والمفتاح هو الانسان الواحد، وهو واحد دائما الذي يعمل في مواجهة التيار وفي مواجهة الغوغائية الرخيصة الغالبة.
لا يستطيع زعيم حقيقي ان يكون واحدا يتفحص في كل صباح بوليصة تأمينه. فخطر الحياة مباشر وملموس. قتل لينكولن والمهاتما غاندي وأنور السادات واسحق رابين وكثيرون آخرون لأنهم تجرأوا لكنهم مهدوا لنا الحياة بزعامتهم وبموتهم.
يميل الناس الصغار الى تخليد الواقع أو مواجهته بشعارات وحلول صغيرة مؤقتة موهمة. إن الطريق الى الزعامة مرصوفة احيانا بأعمال قاسية وعنف ومراوغة بل بأكاذيب بيضاء. لكنها حين تصل خط النهاية تصبح حقيقية وطاهرة ولذلك تغير الواقع ايضا. وتمر الطريق الى الثورة احيانا بالحرب واحيانا بالسلام وتجبي احيانا حياة بشر وتقتضي احيانا تخليا مؤقتا عن مباديء ووعود. لكن الطريق طريق فقط والهدف هو الذي يقرر وهو تغيير مسار التاريخ المدمر احيانا.
حاول اوباما بزيارته المجلوة هنا ان يوقظنا وان يذكرنا برؤساء الوزراء الاسرائيليين الذين نظروا الى التاريخ وغض التاريخ عينيه. وهم بن غوريون وبيغن ورابين بل شارون. ولم يعد في القائمة نتنياهو لكن الحقيقة انه هو نفسه لا يستحق الى الآن ان يدخل هيكل مجد عظماء رؤساء الولايات المتحدة.
يحتاج هذان الزعيمان كي يدخلا الى هناك ان يكفا عن الحديث الجميل ويبدءا العمل وألا يكتفيا بخلع الجاكيت بل ان يشمرا حقا. إن القول المتشائم ان كل شيء ضائع وإن نافذة الفرص قد أغلقت وانه لا يوجد من يحادث وان الربيع العربي كابوس كله خطر وغيوم شتاء سوداء – تلائم ناسا مدللين جبناء من اولئك الذين يأتون ليوم عمل آخر لا من اجل القيادة، ومن اجل البقاء لا من اجل التغيير.
سيصبح عمر اسرائيل بعد قليل 65 سنة لكنها ما زالت لا تستطيع التقاعد. وحينما ننظر الى دول العالم ولا سيما الولايات المتحدة وكيف كانت حينما كانت في سننا يمكن ان نتشجع. لكن العالم لا يقف والواقع مختلف وفي اسرائيل احيانا شعور بالسير الى الوراء بدل السير الى الأمام. فقد حان الوقت ليبدأ نتنياهو واوباما وأبو مازن صنع شيء ما فربما يصنعون فيلما عنهم ايضا ذات مرة.

يديعوت أحرنوت