تبلبلوا؟! حسن البطل
كأن هذه السلطة رأس مذنّب سابح (تائه أو غير تائه) تجر خلفها ذيلاً طويلاً من الخلافات: خلاف على تأسيس السلطة، وخلاف على سياستها ومفاوضاتها. خلاف على الانتفاضات وآخر على الانتخابات (داخل حركتي "حماس" قبلها و"فتح" قبلها وبعدها) وعلى الحوار والصلحة.. وسنصل الى خلاف على الاتفاق (اتفاق مكة.. اتفاق القاهرة.. واتفاق الدوحة يا عيني) سأقول ونقول أن الخلاف مظهر صحي من مظاهر الديمقراطية الفصائلية والمؤسساتية الوطنية (تذكروا خلافات المنظمة قبل السلطة، وخلافات الفصائل قبل الثورة).
هل تأسرلنا؟ يقول الاسرائيليون أن ثلاثة يهود يعني خمسة آراء، ويقول رئيس الكنيست السابق، ورئيس الوكالة اليهودية ابراهام بورغ، أن الاسرائيليين والفلسطينيين متشابهون جداً (وبالطبع مختلفون جداً، لأن أمرّ الخصام يحصل بين الأكثر تشابهاً وقرابة (البعثان: العراقي والسوري، ثم داخل كل بعث من تصفيات تناحرية).
في الانتخابات الثانية، ذهبت "فتح" شتى، و"حماس".. ذهبت كالطود. هذا أول خلاف عقائدي في الشعب والثورة والمنظمة، باعتبار الخلافات الفصائلية السابقة له كانت سياسية وبرامجية (كل الفصائل على يسار "فتح").
"ما يرونه من فوق غير ما يرونه من تحت" كما قال أرئيل شارون، أو ما يرونه في السلطة غير ما يرونه في المعارضة.. و"حماس"، صارت سلطة رديفة أو موازية، وآن أن يروا "من فوق" كيف تبدو المصلحة الوطنية فوق المصلحة الفصائلية، مفترق طرق مثلاً. كانت "فتح" استاذة الشعارات الوطنية، وصارت "حماس" استاذة هذه الشعارات، بينما "فتح" ضربت رأسها في الواقع، منذ برنامج النقاط العشر 1974 الى أوسلو الميمونة-الملعونة، الى السلطة ومشروع الدولة.
اجتازت "فتح" وليس بغير صعوبة، انتقال الثورة من ساحة الى ساحة.. الى المنفى.. الى البلاد: داخل وخارج، علماً أنها "مذنب" مع ذيل طويل (جبهة في مسمى حركة).. والآن، جاء الدور على "حماس": الشعار والواقع.. والمصلحة الفصائلية والمصلحة الوطنية العليا. الاحتكام للسلاح والاحتكام للانتخابات. الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية السلمية (ومزيج منهما).. ومن ثم: الخارج والداخل. المكتب السياسي ومجلس الشورى. الجناح المدني والجناح العسكري.
هذه بلبلة لم تتخطاها "فتح" تماماً، لكن "حماس" دخلت في دوامتها، ودخول "حماس" الدوامة مظهر من مظاهر "تفتيح" هذه الحركة الإسلامية الأصولية، ونقل الخلافات الداخلية المغطاة بـ "مجلس الشورى" الى قواعد الحركة، ومن ثم "دمقرطتها".
لنترك خلافات "حماس" الى اجتهادات في صفوف السياسيين والخبراء والبرلمانيين في الضفة. لماذا شذ أبو مازن عن القانون والدستور (يقال: الضرورات تبيح المحظورات) ضرورات الوحدة، ومحظورات استمرار الانشقاق.
أطرف الاجتهادات، وربما أغباها عملياً، هو السؤال: أمام من سيقسم رئيس السلطة اليمين الدستورية؟ وكيف سيخضع للمساءلة أمام المجلس التشريعي (ليس هذا المجلس بل المجلس الثالث. ولماذا تخلينا عن "فصل السلطات".. وأخيراً، كيف ستجد "فتح" مرشحاً آخر يتصدر الاستطلاعات.
اجتازت "فتح" خلافاتها بفعل القيادة التاريخية-الثورية لياسر عرفات، وهي تجتازها بفعل هذا الإرث، وفوقه دور أبو مازن في الانتقال الى "حكم المؤسسات". كيف ستجتاز "حماس" خلافاتها بين الخارج والداخل، و"حماس"-الدوحة و"حماس" غزة، والصقور والحمائم، والأصوليين فصائل المنظمة قبل السلطة كما هي مظهر آخر من (صورة أخرى لعملة النقد).
إذا كنا والإسرائيليين متشابهين (ومختلفين لأننا كذلك) فعلينا أن نتعلم منهم. مكان ليبرمان في الحكومة؛ لا مكان لزعيم "القيادة اليهودية" في الليكود. هل تتصورون الأخ الزهار وزيراً للخارجية؟ لماذا لا؟ والأخ مشعل رئيساً للمنظمة؟ لماذا لا.
المهم والأهم أن تضع الفصائل المصلحة الوطنية العليا نصب عينيها أولاً وثانياً وثالثا.. وبعد ذلك، لا بأس بالخلافات داخل طنجرة "المنظمة". ولا بأس بالبلبلة! فلسطين لن تكون نطاقاً عربياً آخر.. ربما.