قراءة في خارطة أفكار حكومة نتنياهو الجديدة

بقلم: ديفيد ماكوفسكي
الآن وبعد أن أنهى الرئيس الأميركي، براك أوباما، زيارته لإسرائيل سوف يعود الإسرائيليون ويركزون على تلك الشخصيات التي ستلعب دوراً مهماً في الحكومة الجديدة في البلاد، حيث يتكون الائتلاف الحاكم من 68 عضواً من أعضاء الكنيست البالغ عددهم 120 شخصاً، وسيجسّد بعض الوزراء الرئيسيين قرارات السياسة الخارجية، حيث يتمتع بعض هؤلاء الوزراء بخبرة قليلة في السياسة الخارجية. 

توفر القائمة التالية بعض الإحساس عن شخصيات اللاعبين الرئيسيين الجدد وما هي آراؤهم حول قضايا الساعة التي تغطي عدة مواضيع بدءاً من الأزمة النووية الإيرانية وحتى العلاقات مع الفلسطينيين.

وزير الدفاع موشيه يعلون
شغل يعلون منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ويعتبر أحد الخلفاء المحتملين القليلين لبنيامين نتنياهو داخل "الليكود". وحول قضية إيران يعتبر يعلون أقل حماساً من سلفه إيهود باراك لفكرة توجيه ضربة من جانب واحد. فجنباً إلى جنب مع دان مريدور وبيني بيغن، كان يُنظر إلى يعلون كمتشكك بشأن توجيه مثل هذه الضربة في المجلس "الثماني"، الذي كان يجتمع اسبوعياً والمعروف بأنه يضم أعضاء منتدى الأمن القومي الذي شكله نتنياهو بشأن ايران. وسيكون تفضيل يعلون على ما يبدو هو تصعيد العقوبات وفرض حظر تجاري قسري شامل من جانب المجتمع الدولي على الجمهورية الإسلامية - إذا كان ذلك ممكناً، قبل الانتخابات الإيرانية في حزيران المقبل. ومع ذلك، إذا لم تنجح الدبلوماسية والعقوبات وجهود الولايات المتحدة في تغيير النتيجة، يرى يعلون استخدام سلاح الجو الإسرائيلي كملاذ أخير. وبناءً على ذلك فإن يعلون ليس من دعاة سياسة الاحتواء، أي الفكرة المتمثلة بإمكانية تعايش إسرائيل مع إيران نووية.

ومع تشكيل الحكومة، مؤخراً، وفقدان الخبرة فيها لوزراء ملمين بالسياسة الخارجية، سوف يكون كل من نتنياهو ويعلون من بين الوزراء الوحيدين المتبقين من الوزراء السابقين في مجلس "الثماني" الذين لهم إلمام جيد حول قضية إيران. وبما أن لرئيس الوزراء ووزير الدفاع الجديد وجهات نظر مختلفة بشأن هذه المسألة، لا يمكن للمرء أن يكون متأكداً من الذي ستكون له ميزة [في تمرير القرارات التي تحصل على أغلبية]. إن الانقسام الواضح قد يعزز في الواقع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي تفضل قيام روابط أمنية وثيقة مع الولايات المتحدة.
وحول القضية الفلسطينية، يُعرف عن يعلون منذ فترة طويلة بأنه أحد منتقدي السلوك الفلسطيني، منذ إصراره - عندما كان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي - في منتصف تسعينيات القرن الماضي، على أن الزعيم الفلسطينى، ياسر عرفات، كذب عليه. وتتمثل وجهة نظره الشاملة بأن العالم يخلق الأعذار لسوء السلوك الفلسطيني، وأصبح يعلون مركز نقطة جذب داخل الحكومة الإسرائيلية لأولئك الذين يدعون وجود تحريض فلسطيني. وما يقلق وزير الدفاع الجديد أيضاً هو رفض الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الإعلان عن التزامه بقيام "دولتين لشعبين"، كما فعل في الماضي، وهو تصريح يعترف ضمنياً بحق تقرير المصير للشعب اليهودي جنبا إلى جنب مع قيام دولة فلسطينية. ومع ذلك، إذا كان من الممكن إقناع يعلون بأن السلطة الفلسطينية ملتزمة فعلاً بالمعاملة بالمثل، يعتقد البعض بأنه قد يخفف من دعمه لمستوطنات الضفة الغربية. وإذا لم يتم إقناعه في هذا المسار، يمكن التوقع من يعلون بأن يكون مؤيداً أكبر للمستوطنات من سلفه باراك.

وزير المالية يائير لبيد
يعتبر حزب لبيد الوسطي "ييش عتيد" (يوجد مستقبل) الفائز الأكبر في الانتخابات. فقد تم تشكيله كحزب جديد ونجح في الحصول على تسعة عشر مقعداً في الكنيست. وقد أجاد لبيد بصورة خاصة في تل أبيب والمدن التي من حولها، بصياغته رؤية لإسرائيل كدولة غربية مستقرة تعمل فيها إصلاحات السوق الحرة على حماية الطبقة الوسطى. وعلاوة على ذلك، أصر لبيد على قدرة إسرائيل على دمج الطائفة اليهودية المتشددة (الحريدية) في الجيش والقوى العاملة، بإيمانه بأن هناك حاجة لمثل هذه الخطوة لإبعاد هذا القطاع عن وضعه بوصفه الجماعة الرئيسية التي تحصل على الرعاية الاجتماعية في إسرائيل، وضمان قدر أكبر من تقاسم الأعباء المجتمعية.
وفي خطاب رئيسي له حول السياسة الخارجية خلال الحملة الانتخابية، ألقاه في مستوطنة أرئيل، قال لبيد إن المفاوضات مع الفلسطينيين مهمة وجوهرية، ليس كتكتيك بل "كاستراتيجية" يكون لها تأثير على إسرائيل خلال الأجيال القادمة. وقد ألقى كلمته في هذه المستوطنة لأنه اعتقد بأنه يجب على المستوطنين أن يعرفوا موقفه. وبعد أن قال إن الفلسطينيين يستحقون الانتقاد بسبب عدم انتهازهم فرص إحلال السلام في الماضي، ذكر لبيد في خطابه أن هناك اتجاهات ديموغرافية سلبية: "يعيش آخرون في هذا المشهد الإقليمي، وخلال سنوات قليلة سوف نفقد الأغلبية اليهودية. وأولئك الذين يديرون وجههم عن هذه الحقيقة، وأولئك الذين يتجاهلونها، يعرضون المشروع الصهيوني للخطر". وفي الخطاب نفسه، دعا إسرائيل إلى الحفاظ على جميع أنحاء مدينة القدس وبذل كل ما في وسعها لإصلاح علاقتها مع تركيا.
ولبيد، الذي وصل الى الحكم في أعقاب قيام موجة من الدعوات الساخطة لإجراء تغيير في داخل إسرائيل، من المحتمل أن يرى في زيارة أوباما تعزيزا لاعتقاده بأنه يجب على إسرائيل أن تفعل كل ما في وسعها لتجنب العزلة الدولية.

وزير الصناعة والتجارة والعمل نفتالي بينيت
كان بينيت مساعدا سابقا لنتنياهو، وهو ابن مهاجرين من منطقة سان فرانسيسكو، ويبلغ الأربعين من عمره فقط. وقد حصل على ملايين الدولارات كرجل أعمال لنظام برمجيات، كما أنه زعيم سابق لحركة الاستيطان.
وقد فاز حزب بينيت "البيت اليهودي" المؤيد للاستيطان باثني عشر مقعداً في الانتخابات. وقد برز بينيت كـ "صانع الملوك" في الحكومة الحالية، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى دوره كمقرب بين القوى القومية الدينية والعلمانية في الحكومة، مع تركيز حزبه على إصلاحات السوق وزيادة تقاسم الأعباء مع الطائفة اليهودية المتشددة من خلال اندماجها في الجيش والقوى العاملة. ومع اجراءات تشكيل الحكومة رفض بينيت نداءات لا تعد ولا تحصى من جانب نتنياهو للابتعاد عن لبيد من أجل إدخال الطائفة الحريدية في الحكومة. ويمكن أن يعزى جزء من هذا الرفض إلى الازدراء الذي تمثل بتصرفات نتنياهو تجاه بينيت قبل الانتخابات وبعدها، إلا أن هذا الرفض قد انعكس أيضاً كنتيجة لزيادة ثراء واندماج المتدينين الأرثوذوكس الجدد مهنياً وجغرافياً في المجتمع الإسرائيلي.
ومن المرجح أن يشكل تحالف لبيد- بينيت المحور الرئيسي في الحكومة الجديدة، مع احتمال أن تكون قضية المستوطنات الموضوع الوحيد الذي يبعد بينهما. ولكن حتى الحجة القائلة بأن بينيت يحمل ميزان القوى في الحكومة الجديدة، إلا أن زعيمة حزب العمل شيلي يحيموفيتش، التي حصل حزبها على خمسة عشر مقعداً في الكنيست، قد عرضت الانضمام إلى التحالف إذا ما ترك بينيت الحكومة احتجاجاً على تقديم تنازلات للفلسطينيين.

وزير الإسكان أوري أرئيل
أوري أرئيل عضو في حزب بينيت وقيادي في حركة الاستيطان، ومن المتوقع أن يستخدم وزارة الإسكان لتوفير الموارد المالية اللازمة للمستوطنات. وهناك مستوطن آخر، نيسان سومليانسكي، الذي سيشغل منصب رئيس اللجنة المالية في الكنيست. وكانت شخصيتان من الطائفة اليهودية المتشددة تشغل كلا المنصبين في الحكومة السابقة، وقد استغل أولئك القادة منصبيهما لمساعدة قطاع الطائفة الحريدية.

وزيرة العدل تسيبي ليفني
شغلت تسيبي ليفني منصب وزيرة الخارجية في حكومة إيهود أولمرت، وفاز حزبها بستة مقاعد في برنامج انتخابي ركز على الحل القائم على دولتين. وقد منحها نتنياهو مسؤولية التفاوض مع الفلسطينيين، الذين يكنون لها الاحترام. وقد صرحت بأن خطاب أوباما العلني أمام الطلاب في القدس قد ألهمها، ووصفته بأنه يمثل "رؤية صهيونية".
وفي حين يشك البعض في أن العناصر من يمين الوسط في الحكومة الجديدة سوف تفوق براعة في مناورتها لليفني، إلا أن هذه الأخيرة أعربت عن اعتقادها بأن نتنياهو نجح في أول اختبار له من خلال عدم خضوعه للضغوط من اليمين بإلغاء منصبها ككبيرة للمفاوضين. ويمكن أن تعمل التوقعات المنخفضة وانعدام وجود مفاوضات رسمية، لصالح ليفني في تعاملها مع الفلسطينيين، ما يمكنها من إجراء محادثات استكشافية مفصلة مع عباس، بعيداً عن الأعين. وهناك احتمال أيضاً بأن تناط بليفني مسؤولية "المحفظة الأميركية" التي كانت تحت مسؤولية باراك في الحكومة السابقة (على الرغم بأنه كان من الصقور فيما يتعلق بالسياسة تجاه إيران)، نظراً لآرائها المعتدلة بشأن القضايا الفلسطينية. وهناك مؤشرات الى أن نتنياهو سوف ينظر بشكل إيجابي إلى سفرها المتكرر إلى كل من واشنطن وعواصم دولية أخرى.

وزير العلاقات الدولية 
والاستخبارات يوفال شتاينتز

في الوقت الذي تم فيه تركيب هذه الوزارة الجديدة بصعوبة ما، فقد يكون وزير المالية السابق ومساعد نتنياهو، يوفال شتاينتز - وهو أكاديمي سابق - الحصان الأسود نظراً لعضويته في مجموعة "الثماني". وإذا استمرت المشاكل القانونية الأخيرة لوزير الخارجية أفيغدور ليبرمان (يشغل نتنياهو الآن منصب وزير الخارجية)، فقد يستفيد شتاينتز من الفراغ الناجم في وزارة الخارجية الإسرائيلية.

عامل نتنياهو 
في مؤتمره الصحافي المشترك مع أوباما في القدس، مزح نتنياهو بأن ولاية ثانية للرئيس الأميركي وثالثة لرئيس الوزراء الإسرائيلي يمكن أن تحقق نتائج لا يمكن لآخرين تحقيقها. وربما كان هذا تركيزاً نادراً على الإرث الذي سيخلفه نتنياهو، الذي يمكن أن يشغل منصبه للمرة الأخيرة بعد أن ضعف في الانتخابات التي جرت مؤخراً. ومن المثير للاهتمام أن كلاً من اسحق رابين وأرئيل شارون قد أصبحا معتدلين في مواقفهما تجاه القضية الفلسطينية عندما تقدما في العمر وبعد أن شغلا منصبهما في رئاسة الوزارة الإسرائيلية لمدة طويلة. والسؤال هو هل سيدعم نتنياهو، بدوره، وقف الاستيطان خارج الجدار الذي بنته إسرائيل، وبدلاً من ذلك يؤيد فقط الكتل الاستيطانية المجاورة إلى حد كبير إلى خط ما قبل العام 1967؟ ومن غير الواضح ما إذا كان نتنياهو سيطلب شكلا من أشكال المعاملة بالمثل من قبل الفلسطينيين، مثل الالتزام الصريح بقيام دولتين لشعبين.

وفيما يتعلق بإيران، يشعر نتنياهو أن الخط الأحمر الذي بلوره في الخريف الماضي في الأمم المتحدة قد أدى إلى قيام طهران مؤخراً بتحويل استعمال اليورانيوم المخصب من برنامجها النووي. ويتساءل المرء عما إذا كان نتنياهو سيضاعف من جهوده لحث أوباما على إعلان خطه الأحمر أيضاً، على الأقل بصورة غير علنية.
كما ذُكر سابقاً، إن فقدان الحكومة الإسرائيلية لشخصيات رفيعة المستوى ذات خبرة في السياسة الخارجية يعني أن نتنياهو ويعلون سيكونان الشخصيتين البارزتين في المناقشات بشأن إيران. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وموضوع المستوطنات، لا بد أن يحدث جدل كبير بين الوزراء، بحيث سيقف بينيت وأرئيل من جانب واحد وليفني ولبيد من جانب آخر. ومن ناحية يعلون، من الممكن تلطيف حدة دعمه الغريزي للمستوطنين، ليس فقط من خلال إدلائه بتصريحات محسنة حول القضية الفلسطينية بل أيضاً من خلال الإرث المشترك الذي يتركه وزراء الدفاع الإسرائيليين والمتمثل بالسعي للحصول على تعاون استراتيجي مع الولايات المتحدة.

ويبدو أن الانقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية وانعدام الخبرة في السياسة الخارجية تؤدي إلى تبرير تركيز وزارة الدفاع الأميركية على إجراء مشاورات وثيقة مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي تشارك في الرغبة في قيام تنسيق وثيق من هذا القبيل. وربما عززت الانقسامات قرار أوباما بالتواصل مع الرأي العام الإسرائيلي ومع نتنياهو على حد سواء، وهي إيماءات يمكن أن تكون بمثابة الفرامل أمام اتخاذ إجراءات إسرائيليية من جانب واحد على الجبهتين الإيرانية والفلسطينية.