وننتقل الآن الى محللينا في قاعة الاذاعة

 

بقلم: جدعون ليفي

لا احتمال لباراك اوباما ولم يكن له منذ البدء. لم يكن يجب عليه ان يأسر الرأي العام في اسرائيل ولا ان يقنع بنيامين نتنياهو. كان يجب عليه ان يكسر السور الحديدي للمحللين الاسرائيليين وهذه مهمة غير ممكنة حتى لسياسي في حجمه. فمن الحقائق انه ما كاد ينهي خطبته المجلجلة حتى أغرق كلامه بأمواج الحموضة والرفض والشك والتهكم من محللينا في قاعة الاذاعة. حاولوا فقط أن تحدثوهم عن الأمل والسلام والعدل والاخلاق ليبينوا لكم مبلغ كون هذا "ساذجا" و"صبيانيا". فهم يعلمون، آه كم يعلمون.
اختير محللنا في قاعة الاذاعة في حرص، فهو صحفي قديم أو جنرال احتياط أو استاذ جامعة، وهو يقول دائما ما يتوقعون منه قوله (وإلا ما كان ليدعى مرة اخرى). وهو على نحو عام يعلم كل شيء، ولم يخيب الآمال هذه المرة ايضا فهو يفهم ما لا نفهمه نحن المستمعين المتأثرين بكلام اوباما، فقد نشأ في جهاز التربية الاسرائيلي الذي علمه أننا كنا في 1948 قليلين في مواجهة كثيرين (وهذه أكذوبة) وأن جميع اللاجئين فروا من قراهم (وهذه أكذوبة اخرى). والنكبة عنده ليست أكثر من حيلة دعائية فلسطينية ومثلها الاحتلال ايضا. واتصل بعد ان بلغ سن البلوغ بالساسة الاسرائيليين وتعلم منهم ان ايهود باراك قلب كل حجر في طموحه الى السلام (وهذه أكذوبة)، وان ايهود اولمرت عرض السماء وقال له محمود عباس لا (وهذه أكذوبة)؛ وانه لا يوجد شريك فلسطيني (وهذه أكذوبة اخرى)، وان اسرائيل أمة تطلب السلام (وهذه أكذوبة أكذوبة). وقد لقي محللنا قليلين جدا من الفلسطينيين في حياته إن لقيهم أصلا، وهو لم يزر قط المناطق المحتلة ولا علم له بما تفعله اسرائيل فيها. وهو يعلم القليل ايضا عن الرأي العام العالمي وهو في الأساس أنه معادٍ للسامية بالطبع. ومحلل شؤون العرب بالمناسبة هو يهودي دائما وكأنه لا يوجد في اسرائيل مثقفون ومحللون عرب. أما الفلسطيني المناوب الذي يحظى بين الفينة والاخرى ببضع دقائق تفضل في قاعة الاذاعة فإنه يجرى اللقاء معه دائما في استعلاء واستخفاف.
ومحللنا لا يؤمن بالسلام لأنه لا يوجد من يصنع معه (في الطرف العربي) ولا ما يتكلم عليه. وهو يعلم فقط أن العرب جميعا يريدون القضاء علينا أو إلقاءنا في البحر على الأقل. لأنه "يعرف" العرب. ويعرف محللنا العسكري كيف يعظم كل خطر من مجموعة بنادق صدئة تم الاستيلاء عليها على متن سفينة هشة في عرض البحر الى السلاح الايراني الذي يتدفق على حماس من الأنفاق ثم الى ما يجري في مفاعل بوشهر الذري. وهو يعلم ان اسرائيل القوية القوية فقط هي الحل لا غير.
والآن جاء رئيس الولايات المتحدة وحاول ان يستولي على أوراق اللعب وان يثير افكارا اخرى لا توزن حتى هنا. وكان الرد في الحال. فوجد أولا الجنرالات في قاعات الاذاعة مرة اخرى. ولماذا يوجد الجنرالات في وقت يتم الحديث فيه عن العدل وعن الأمل. وما صلتهم بهذين؟ أليسوا كافين في الوقت الذي تهاجم فيه اسرائيل غزة وتسمي ذلك "حربا"؟ لماذا يوجد مرة اخرى اسرائيل زيف، واهارون زئيفي – فركش وغيورا آيلاند الخالد بالطبع؟ ما الذي يفهمونه بربكم مما يحاول اوباما ان يقوله لنا؟ انه ليكفي توبيخ داني كوشمارو الشديد لاوباما لأنه لم يذكر "عنف الفلسطينيين بالمستوطنين"، كي يعيدنا الى ارض الواقع.
وجاءت الخواطر بعد ذلك مثل: اوباما "بارد" واوباما "حاسب"، واميركا متمايزة، والخطبة هي خطبة فقط، وكل الأخطار جميعا بالطبع اذا نسيتم. وكل من حاول ان يتحدث بصورة مختلفة كالدكتورة ياعيل شترنهل أو عراد نير لقوا فورا رشقات الاحتقار من جهة من يفهمون. وكم كان ساذجا في الحقيقة تأثرهم باوباما، فقد قال نير إن الدموع خنقت حنجرته، ويا ويله من ذلك العار. واعتمدوا على محللنا أن يعرف كيف يبطله.
إن خطبة اوباما التي كانت نحوا من 50 دقيقة أمل ربما انشأت صدعا في الوعي الاسرائيلي لكنه جاءت بعد ذلك فورا قاعات الاذاعة وخليط التهكم والصهيونية المنحصرين في ذاتيهما باعتبارهما نسخة عن كل الحواجز التي حاول اوباما ان يحطمها. هل أردتم الأمل؟ خذوا آيلاند الذي سيفسر لكم الحياة.

هآرتس