الاعـتـذار لـتـركـيـا يـلـحـق بـإسـرائـيـل ضـرراً جـسـيـمـاً

 

 

بقلم: افيغدور ليبرمان*

بعد أن وضعت حرب "الأيام الستة" أوزارها خطب اسحق رابين ما سيُتذكر لاحقاً بـ "خطبة عدالة النهج"، فقد تناول رئيس هيئة الأركان في ذلك الوقت في خطبته أخلاقية الجيش الاسرائيلي زمن الحرب، وكانت تلك ظواهر "أولها الروح وآخرها الروح"، بحسب قوله. إنها ظواهر التضحية والأخوة بين الجنود. ولم تنبع أسباب هذه الظواهر بين جنود الجيش الاسرائيلي بحسب قوله من تلك المشاعر العسكرية بل من عدالة النهج ومعرفة الدور ألا وهو "تأمين وجود الأمة في وطنها".

ثبت طوال التاريخ، مرة بعد أخرى، أن كل نصر في ميدان القتال، وكل نصر سياسي في المقابل، يُحرز أولاً بفضل إيمانٍ أقوى لدى الجانب المنتصر بعدالة نهجه وبالقناعة الداخلية العميقة بأنه يفعل الشيء الصحيح ويناضل من أجل هدف سامٍ وصحيح. ولهذا السبب خسرت الحروبَ دولٌ كانت قوتها العسكرية أكبر كثيراً من العدو. هذا ما كان في "حرب الاستقلال"، حينما هزم الاستيطان اليهودي الصغير الجيوش العربية، وهذا ما حدث أيضا في حرب فيتنام حيث خسرت الولايات المتحدة العظيمة حينما كانت يمزقها صراع داخلي على عدالة الحرب.

هذا هو السبب الأول والرئيس لمعارضتي الاعتذار الاسرائيلي لتركيا، وحتى لو بدا شيء ما في لحظة ما مصلحة سياسية داخلية أو خارجية ذات قيمة في ذلك الوقت لكنها تضر بالشعور الأساسي بعدالة النهج وأخلاقية الشعب فان ضرره في الأمد البعيد أكثر من الفائدة المؤقتة التي تُعرض على أنها حكمة سياسية. أفكر في جنود الوحدة البحرية الذين عرضوا أنفسهم للخطر مُرسلين من الدولة على متن "مرمرة" وفي شعورهم حينما يسمعون كلام الاعتذار. فالاعتذار يجعلهم مذنبين. ومعنى الاعتذار ان الدولة تخلت عنهم، وجعلت محاربين عرضوا أنفسهم للخطر وعملوا عن دفاع عن النفس ومُرسلين من الدولة، مذنبين بالفعل. واستعداد اسرائيل لدفع تعويضات اعتراف بالذنب، والاعتقاد بأن مكافحة مجموعات "إرهابية" تُرسل للمس بالدولة غير عادلة. وهذه المشاعر عند الشعب وعند جنوده تُدمر قدرة الشعب على البقاء وهي مدمرة في الأمد البعيد.

وفيما يتعلق بالمعنى السياسي الداخلي والخارجي للاعتذار ينبغي ان نتذكر ان تدهور العلاقات بين اسرائيل وتركيا لم يبدأ على متن سفينة "مرمرة"، بل ولا على كرسي السفير المنخفض، بل بدأ قبل ذلك بكثير عن ايمان ايديولوجي وقرار استراتيجي للقيادة التركية الحالية برئاسة رئيس الوزراء اردوغان ووزير الخارجية داود اوغلو. وكان التعبير المعلن البارز الاول عن ذلك في ايام حكومة اولمرت حينما غادر اردوغان لقاء في مؤتمر دافوس وهو يقذف الرئيس بيرس باتهامات عدوانية. وجاءت بعد ذلك خطوات عدوانية كثيرة اخرى مثل مسلسلات بُثت في التلفاز التركي الرسمي وعرضت جنود الجيش الاسرائيلي على أنهم قتلة أطفال. واستمر ذلك حتى الهجوم الفظيع قبل أسابيع معدودة فقط والذي شبّه فيه اردوغان الصهيونية بالعنصرية وبالجريمة ضد الانسانية. والآن ايضا بعد الاعتذار الاسرائيلي و"المصالحة"، ما زال اردوغان لم يعتذر عن قوله ذاك. ولا يمكن أن نقبل قولاً عارضاً من اردوغان لصحيفة في الدانمارك أنه فُهم بصورة غير صحيحة على أنه اعتذار وتراجع عن الكلام الفظيع الذي قاله. ورفضه ان يقول ذلك ايضا في حديثه مع رئيس الوزراء نتنياهو يشهد على ذلتك أكثر من أي شيء.

قلت أكثر من مرة في الماضي في نقاشات مغلقة ومعلنة إنني مستعد لأن تعبر اسرائيل لتركيا عن أسفها لموت المواطنين الاتراك فوق "مرمرة" بالصيغة ذاتها التي فعلتها الولايات المحدة مع الباكستان. وذلك رغم الفروق الكبيرة بين الحالتين لأن الولايات المتحدة قتلت 24 جنديا باكستانيا بسبب خطأ في التعرف في حين كان جنودنا يدافعون عن أنفسهم ضد نشطاء منظمة "ارهابية" (وهذه المنظمة معروفة كذلك في دول اوروبا ومنها المانيا وهولندا) أرادوا ان يقتلوهم وان يخترقوا حدود اسرائيل خلافا للقانون. حقيقة ان اردوغان لم يوافق على قبول هذه الصيغة والطريقة التي قُبل بها وفُسر آخر الامر الاعتذار الاسرائيلي في صحف شرقي القدس وعند القيادتين في غزة ورام الله وفي لبنان ومن اردوغان نفسه تشهد على أهمية الفرق.

وأهم من ذلك طريقة تقبل الاعتذار الاسرائيلي في اليونان وقبرص ودول الخليج وعند الاكراد وعند الجهات المعتدلة والعلمانية في تركيا. فالتفسير عندهم انه يفضل بدل التعاون مع اسرائيل تجاوزها والتوصل الى اتفاقات مع اردوغان وداود اوغلو، فهي تبرهن لهم على انه لا يمكن من وجهة نظرهم الاعتماد على إسرائيل ولا يمكن التعاون معنا على شؤون حاسمة بالنسبة إلينا من جهة تعزيز الجهات المعتدلة في الشرق الاوسط. وهذا إضرار استراتيجي للأمد البعيد سنشعر بنتائجه بعدُ في السنين القادمة، وهذا استنتاج خطير جدا.

وفي الختام من المهم لي أن أكرر ما قال رئيس وزراء اسرائيل لمقاتلي الجيش الاسرائيلي في ختام دورة ربابين قبل نحو من سنتين: "شعب اسرائيل يفخر بكم ونحن نفخر بكم".

 

 يديعوت أحرنوت

*رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"