أين اختفت الصواريخ القادمة من غزة؟

 

بقلم: عوزي روبين

قبل نحو أسبوعين أخبرنا روبين بدهتسور بأن عالما يهوديا أميركيا، البروفيسور تد بوستول، من المعهد التكنولوجي عظيم المكانة في مساشوستس، بحث فوجد ان "القبة الحديدية" هي ظاهراً قبة أوهام، سلاح غير ناجع نجح في اعتراض 5 الى 10 في المائة فقط من الصواريخ التي اطلقت من غزة على مدن اسرائيل خلال حملة "عامود السحاب" ("كم صاروخا حقا اعترضته القبة الحديدية"، "هآرتس"، 8/3). إذا كان هذا القول الفضائحي صحيحاً، كما يلمح الكاتب (وكما سارعت وسائل الاعلام في العالم الى الاقتباس)، فانه يبدو ان مواطني اسرائيل سقطوا ضحية خدعة ذكية من جهاز الامن الذي نشر بأن اكثر من 80 في المائة من الصواريخ التي وجهت نحو المناطق المبنية اعترضت ودمرت في الهواء.

قول خطير كهذا يستدعي موقفاً جداً. أولاً وقبل كل شيء يطرح السؤال التالي: لو كان 10 في المائة من الصواريخ تم اعتراضه، فأين اختفت كل الصواريخ المتبقية؟ يدور الحديث هنا عن اعداد غير تافهة. في حالة نادرة من التوافق في الرأي بين اسرائيل و"حماس" نشر الطرفان معطيات شبه مماثلة عن عدد الصواريخ التي اطلقت من غزة الى اسرائيل خلال "عامود السحاب": 1.506 حسب رواية اسرائيل، 1.569 صاروخاً حسب رواية "حماس".

وحسب تجربة الماضي، فمن شبه المؤكد ان بين ربع وثلث هذه الصواريخ سقطت، او كانت توشك على السقوط في المراكز السكانية. وبالفعل، حسب معطيات وزارة الدفاع فان نحو 480 صاروخا ستسقط في مناطق مبنية. واذا كان 10 في المائة فقط تم اعتراضه، فاين اختفت قرابة 430 صاروخا لم تسقط على ما يبدو في أي مكان، على الاقل ليس دفعة واحدة؟ بدهتسور وكذا البروفيسور بوستول يتجاهلان هذا التناقض.

مراجعة عاجلة لمسودة مقال البروفيسور بوستول، وصلت الى يد كاتب هذه السطور، تبين أن لا صله بينه وبين البحث العلمي الحقيقي. بوستول – معارض قديم لمفهوم الدفاع ضد الصواريخ – افترض سلسلة من الفرضيات المغلوطة بالنسبة لاداء صاروخ الاعتراض في منظومة "القبة الحديدية"، تمير، تخلق عمليا صورة صاروخ عاجز يقدم اداء مترديا، لا يبلغ حتى ظل أداء الصاروخ الحقيقي. ودون أن يسأل نفسه لماذا تستثمر اسرائيل في تطوير سلاح عاجز كهذا، توجه الى أفلام الفيديو التي التقطها مواطنون في هواتفهم الذكية والتي تظهر مسارات الدخان المتلوية لصاروخ تمير والتي لا يمكن فيها رؤية الصواريخ التي تم اعتراضها.

من هذه الصور السمائية نصف العمياء، مضافاً اليها الاداء السيئ للصاروخ الاعتراضي الذي اختلقه لهذا الشأن، توصل بوستول الى احساس داخلي بان ليس اكثر من 5 الى 10 في المائة من الاعتراضات دمرت الصواريخ المعادية. وحسب أقواله، فان هذا ليس أكثر من تخمين يستند الى معلومات جزئية، ولكن الأمر لا يمنعه من أن يتهم بشكل صريح دولة اسرائيل بالتضليل المتواصل. وفي نهاية "البحث" يدعو اسرائيل والولايات المتحدة الى عدم دعم منظومة "القبة الحديدية" بعد الآن.

ومثلما يمكن لكل ذي عقل أن يقدر، فان طواقم تطوير القبة الحديدية تنشغل بشكل مستمر بحل لغز الاعتراض منذ بدأت المنظومة بالعمل في نيسان 2011. فقد تم التحقيق بكل اعتراض واعيد بثه المرة تلو الاخرى بصورة سماء كاملة ومفصلة، التقطت من جملة المجسات المتطورة التي تراقب وتوثق كل معركة. وتقارن النتائج بالخرائط الارضية لسقوط الرؤوس القتالية وحطام الصواريخ.

معركة الصواريخ خلال "عامود السحاب" اعيد البحث والتحقيق فيها بكاملها، اعتراض إثر اعتراض، سواء، كان ناجحا أم لا، وكانت النتائج لا لبس فيها: معدل النجاح يتطابق مع بيان جهاز الأمن.

وكما أسلفنا فان البروفيسور بوستول هو معارض قديم لمفهوم الدفاع ضد الصواريخ، اكتسب شهرته في أنه كان أول من كشف النقاب عن أن أداء منظومة الباتريوت في حرب الخليج تخلفت بشكل متطرف عن النتائج التي نشرها الجيش البري الأميركي (بالخطأ) في ذاك الوقت. ومن شبه المؤكد أنه لو لم يكشف ذلك لكان الامر انكشف من تلقاء ذاته بعد وقت ما كون الصواريخ التي اعترضت، سواء في البلاد أم في السعودية، وثقت وصورت حين كانت تصل إلى الأرض.

ومنذئذ يكثر بوستول من نشر بحوث تشكك في قدرة منظومات الدفاع ضد الصواريخ على تحقيق أهدافها. هذه البحوث، التي "اثبت" آخرها أن معظم تجارب منظومة الاعتراض البحري الأميركية لم تنجح، تشكل موضعا للجدل في الاسرة الفنية وغير مقبولة بصفتها ذات مصداقية من معظم اعضائها.

حتى الان عني د. بوستول باعتراض منظومات الدفاع الأميركية. يحتمل أن يكون التوقيت لهجومه على منظومة "القبة الحديدية" عشية زيارة الرئيس براك اوباما الى اسرائيل، ليس صدفة. في كل الاحوال، في نهاية مقاله يشير بوستول الى أنه يؤيد حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها. و"القبة الحديدية" هي اليوم العمود الفقري في كل ما يتعلق بالدفاع عن مدن اسرائيل وسكانها في وجه تهديد الصواريخ المتزايد من غزة ومن لبنان. من يدعي الاعتراف بحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، يجمل به أن يؤيد تعزيز منظومة الدفاع ضد الصواريخ في الدولة، بدلا من أن يحاول التشكيك بها من خلال "بحوث علمية" مزعومة.

  هآرتس

حرره: 
ز.م