نـتـنـيــاهـــــو يستسلـــم مــــــرة أخـــــرى..

 

بقلم: ناحوم برنياع

ثمة أكثر من تشابه صغير بين صفقة شاليت والصفقة التركية. ففي الحالتين اتخذ نتنياهو آخر الأمر قراراً صائباً. وفي الحالتين كان القرار مخالفاً لمواقف عبّر عنها طول المسيرة. وفي الحالتين استسلم لضغط من الخارج. وفي الحالتين سيقوي القرار تأييده في الشارع الإسرائيلي.

وافق نتنياهو، بحسب شهادته، على صفقة شاليت بعد ان توجهت زوجته سارة فقط إلى قلبه الرحيم. ونقول بعبارة أقل رومانسية إن الذي حسم الامر هو النجاح الذي لا مثيل له للحملة الدعائية من اجل شاليت. فقد أدرك نتنياهو انه موجود في الجانب غير الصحيح من الرأي العام. واستخلص الاستنتاجات وسار بها حتى النهاية ولم يوقع على الصفقة فقط بل انحاز شاليت لنفسه أيضا. وبقي فقط قلة من قليلي الايمان تساءلوا اذا كانت الصفقة جيدة جدا فلماذا لم يوقع عليها قبل ذلك ليجنب جلعاد سنتين من العزلة لا حاجة إليهما؛ واذا كان الثمن ضروريا لكنه باهظ فما الذي يحتفل به رئيس الوزراء؟.

عيّن نتنياهو المحامي يوسف تشاحنوبر (80 سنة)، المدير العام لوزارة الخارجية في الماضي، ممثلاً لاسرائيل في لجنة بالمر التي حققت من قبل الأمين العام للامم المتحدة في قضية القافلة البحرية التركية. وكان التقرير سهلا نسبيا وحصل تشاحنوبر على تفويض بأن يستمر في الاتصالات بأزدان سانبيرك، ممثل وزارة الخارجية التركية في اللجنة، بغرض التوصل الى اتفاق. وشارك في جولات التفاوض ايضا نائب وزير الخارجية التركي. وأُبلغ نتنياهو عن كل تفصيل في الوقت الحقيقي وتم احراز الاتفاق، وعندها تراجع نتنياهو. وفي الواقع وافق نتنياهو وتراجع عن ذلك مرتين.

ألح وزير الدفاع آنذاك، ايهود باراك، وقادة جهاز الأمن على نتنياهو كي يوافق. ورأوا في نفاد صبر كيف أن المصلحة الأمنية المشتركة، التي أصبحت حيوية بازاء ما يحدث في سورية، تتلاشى بسبب غوغائية اردوغان التي لا ضابط لها ومخاوف نتنياهو من المهانة. وكان باراك مستعدا لتحمل وزر الاعتذار ولم يكن ذلك كافياً للاتراك.

كتبت عن سلوك نتنياهو في حينه أنه يشبه فتى المعهد الديني الذي طلب في ليلة عرسه ان يرى العروس عارية فجردوها من لباسها من أجله فأعلن آنذاك قائلا: "لا يعجبني أنفها".

إن الاتفاق الجديد هو في واقع الامر نسخة عن الاتفاق السابق؛ فهناك الاعتذار ذاته والتعويضات ذاتها والوعد التركي ذاته باسقاط الدعاوى القضائية ضد الاسرائيليين في الدول الأجنبية. ولن تعود العلاقات الى مجدها السابق، لكن التدهور سيتم وقفه. في يوم الجمعة قُبيل المساء هاتف نتنياهو تشاحنوبر ليشكره على إسهامه، وهاتف ايضا نائب وزير الخارجية التركي وشريكه التركي في التفاوض.

إن هجوم اردوغان القاسي الأخير على إسرائيل كان في نهاية شباط في مؤتمر في فيينا، فقد قال هناك إن الصهيونية جريمة بحق الانسانية، وشبهها بالفاشية. وندد به وزير الخارجية الاميركي بشدة وأدرك اردوغان أنه قد بالغ. فقال لصحيفة دنماركية إن كلامه أُخرج عن سياقه. وكان ذلك كافيا للاسرائيليين كي يزعموا انه حصل هنا اعتذار متبادل (أي اعتذار؟ فقد قالت مصادر في الحكومة التركية، أول من أمس، إن اردوغان لا يتراجع عن أية كلمة).

سبق اسبوعان من العمل الكثيف المكالمة الهاتفية الثلاثية في قاطرة في مطار بن غوريون. وقد أدى دبلوماسيان اميركيان دوراً مركزياً في تليين الطرفين، فقد عالج سفير الولايات المتحدة في اسرائيل، دان شبيرو، الطرف الاسرائيلي، وعالج بيل غوردون، مساعد وزير الخارجية بشأن اوروبا وآسيا، الطرف التركي. فغوردون هو الشخص الأكثر قبولا عند الاتراك في الادارة الأميركية. وأضاف وزير الخارجية كيري وحدّث اردوغان هاتفيا. وأثنى عليه للاتفاق مع حزب العمال الكردستاني وألح عليه ان يُذيب جليد العلاقات مع اسرائيل فلان اردوغان إن لم يكن ذلك بسبب كيري فبسبب الأسد.

انتهى ذلك بدراما صغيرة، فقبل دقائق من اقلاع اوباما الى الاردن اتصل باردوغان هاتفيا. وتمت المكالمة في ظروف مرتجلة في قاطرة على المسار وبالهاتف المحمول. وسلّم المحمول بعد ذلك الى نتنياهو. وذكّرت المكالمة الثلاثية بالدراما التي أحدثها الرئيس كلينتون في العام 1993 حينما اضطر رابين الى مصافحة عرفات على عشب البيت الابيض.

بعد زيارة ناجحة كثيرا ومكثفة كثيرا لم يكن نتنياهو يستطيع ان يقول لا. إن المصالحة مهم تتصب في صالح أوباما، فهو يضيف الى زيارته لاسرائيل انجازا ملموسا، انجازا حقيقيا. فالزيارة لا تتلخص بالكلام فقط مهما تكن حسنة.

علاوة على المصلحة الامنية الواضحة في تنسيق المواقف بين الحكومات لمواجهة الاحداث في سورية، كان هنا أمر حساس آخر وهو ان الدول الثلاث قلقة جدا من تسرب سلاح سوري متقدم، وفي مقدمته سلاح كيميائي، الى "حزب الله" ومنظمات الجهاد. اسرائيل مصممة على ان تحبط بالقوة أي محاولة تهريب. وقد تضطر إلى العمل قريباً لمواجهة المخزونات نفسها ويُفضل القيام بعملية كهذه ورئيس الولايات المتحدة يمنحها تأييده.

إن استعداد نتنياهو لابتلاع كرامته – كرامتنا – للاعتذار والمصالحة عدل. والمسيرة أقل إثارة للحماسة. فقد كان هناك إصرار وضغط وانكماش، فأي درس سيستخلصه اصدقاء اسرائيل من هذه المتوالية؟ وأي درس سيستخلصه أعداؤها؟ وقد قال نتنياهو في فرصة اخرى ان احمدي نجاد ونصر الله يراقباننا ويستخلصان استنتاجاتهما.

  يديعوت أحرنوت