كم صاروخاً اعترضت "القبة الحديدية"؟

 

بقلم: يفتح شبير

نُشرت مقالات، الأسبوع الماضي، في البلاد وفي العالم طرحت شكوكا حول عدد الصواريخ التي أسقطتها القبة الحديدية خلال حملة عامود السحاب. عُني روبين بدهتسور بالموضوع في مقالة نشرت في "هآرتس". ويعود مصدر هذه المقالات الى بحث لخبير شهير في MIT، البروفيسور ثيودور بوستول، بالإضافة الى باحث اسرائيلي، هو د. مردخاي شيفر، ومهندس آخر غير مشهور من شركة رايتئون. ادعاءات الكُتّاب ظاهرا هي ادعاءات حادة. فالقبة الحديدية على حد أقوالهم لم تنجح في اعتراض إلا 5 في المائة من عموم الصواريخ التي أطلقت نحو اسرائيل خلال حملة عامود السحاب في تشرين الثاني 2012. الادعاء المركزي للكُتّاب هو أن "القبة الحديدية" لا تنجح في ضرب الرأس المتفجر لصاروخ العدو و"شطبه من السماء". وهم يصلون الى هذا الاستنتاج اساسا من تحليل مقاطع فيديو للاعتراضات التي صورت اثناء الحملة. وبرأيهم فإن معظم التفجيرات بدت كروية، كتلك التي تدل على تفجير الرأس المعترض ولكن ليس على تفجير ثانٍ لرأس الصاروخ، الذي برأيهم، لو كان حصل، لكان ينبغي ان يُرى فيه انفجاران، او على الاقل شعلة انفجار ليست متماثلة. كما أنهم يشخصون انفجار "القبة الحديدية" بعد وقت قصير من إجرائها مناورة حادة. وبرأيهم هذا مسار مخطط مسبقا، وليس مطاردة لهدف.

وكشرط مساعد يجد الكُتّاب في تقارير ضريبة الاملاك شهادات تؤيد وجهة نظرهم، فقد قُدمت 3200 دعوى إضرار ألحقتها الصواريخ، وكذلك تقرير اللواء الجنوبي في شرطة القدس الذي يبلغ عن 109 عمليات سقوط في مناطق مبنية – عدد مضاعف تقريبا لما بلّغ عنه الجيش الاسرائيلي (58 سقوطا في مناطق مبنية).

ادعاءات الكُتّاب هذه تبدو غريبة، على اقل تقدير. النقطة الاساس في ادعاءاتهم هي أن "القبة الحديدية" لا تنجح في جعل الرأس المتفجر في الصاروخ ينفجر. هذا ادعاء معروف، يعود الى عهد حرب الخليج الاولى، حين وجه ضد صواريخ الباتريوت. فهذه الصواريخ بالفعل لم تنجح في ضرب رأس صاروخ سكاد، وذلك لان صاروخ الباتريوت خطط له لاعتراض واسقاط الطائرات وليس الصواريخ. يبدو أن هذا الانتقاد ضد "القبة الحديدية" ينسخ ادعاءات وجهت ضد منظومات الدفاع الصاروخية الأميركية "باتريوت" وتلصقها بمنظومة القبة الحديدية في ظل تجاهل الفوارق الواضحة بين المنظومتين الدفاعيتين.

غير أن صاروخ جراد ليس سكاد. فما بالك انه ليس صاروخا باليستيا عابرا للقارات. رأسه المتفجر ليس رأس صاروخ بوزن طن. ومع أنه يمكن ان نتخيل ماذا يحصل لانبوب بطول عدة أمتار مع رأس بوزن نحو 20كغم، حين ينفجر الى جانبه "تمير" الخاص بالقبة الحديدية خلافا للبروفيسور بوستول. الحقيقة هي أن جهاز الامن لم ينشر الحقائق كما هي وله مبرراته.

استند المنتقدون الى نتائج تحليل عشرات مقاطع الفيديو التي التقطتها مواطنون باجهزتهم الخلوية ونشروها على اليوتيوب. بشكل عام لا يمكن معرفة اين التقطت والى اي اتجاه وجهت الكاميرا. يحتمل أن تكون عشرات المقاطع التي نشرت في الشبكة تعرض اعتراضا وحيدا، ولكن صورها اناس مختلفون من اتجاهات مختلفة. من الصعب جدا تنفيذ تحليلات دقيقة على هذه المقاطع المصورة وبشكل عام من الصعب ايضا فهم مقاييس طيران الصاروخ من الصور. كُتّاب المقال المذكور أعلاه بحثوا في افلام الفيديو عن تفجيرات مزدوجة ولم يجدوها. ولا غرابة في ذلك، لان مثل هذه التفجيرات قريبة جدا، حتى على مسافة بعيدة وكذا من حيث الزمن. لا أمل في ان تتمكن كاميرة جهاز خلوي من أن تميز بين تفجير مزدوج وتفجير وحيد.

اضافة الى ذلك، فليست كل عمليات سقوط الصواريخ في المناطق المبنية في اسرائيل كانت فشلا للقبة الحديدية، وذلك لان المدن في اسرائيل لم تكن كلها محمية، من البداية، بالقبة الحديدية. سقوط صاروخ على هدف غير محمي، مهما كان أليما، ليس فشلا للقبة الحديدية.

وبالنسبة لتقارير الشرطة –109 عمليات سقوط في مناطق مبنية – يرى المنتقدون في ذلك دليلا عن "كذب" جهاز الامن الذي بلّغ عن 58 سقوطاً فقط في مناطق مبنية. ادعاؤهم هذا اشكالي ايضا، وذلك لان شرطة اسرائيل تبلغ عن توجهات المواطنين، والمواطنون يبلغون حتى عن سقوط شظايا، اجزاء من الصواريخ، وبقاياها. ولا توجد معرفة واضحة كم من الـ 109 اصابات صادرة عن صاروخ حقيقي. وحتى هكذا – فان 109 عمليات سقوط في مناطق مبنية من أصل نحو 1500 اطلاق للصواريخ يعد انجازاً لا بأس به بحد ذاته. واقل من ذلك يمكن الاستناد الى تقارير ضريبة الاملاك. من واضح أن بعض الدعاوى ثقيلة الوزن. ويطرح السؤال: كم دعوى يخلق الصاروخ الواحد؟ بالتأكيد ليست دعوى واحدة فقط. فصاروخ سقط في منطقة مسكونة قد يهز اساسات ويلحق اضرارا بمبان مجاورة، وفي كل مبنى كهذا قد توجد عدة شقق تضررت (حتى من كسرت نافذته على مسافة 50 مترا من مكان الاصابة قد يتقدم بدعوى). فكم من الـ 3200 دعوى هي خفيفة الوزن؟ من المشكوك فيه أن يكون منتقدو المنظومة يعرفون ذلك. وختاما، استنادا الى تحليل مشكوك فيه يسارع المنتقدون الى صب النار والبارود على منظومة القبة الحديدية وعلى عموم دروس حملة عامود السحاب. طرح انتقادات على جهاز الامن، منظومات سلاحه او استراتيجيته، هو عمل مشروع ومرغوب فيه ولكن عليه أن يستند الى معطيات مدروسة. يخيل أنه توجد فجوة كبيرة بين الانتقاد الموضوعي والشرعي وبين القول القاطع لكُتّاب المقال عن القبة الحديدية بأن تقارير الجهاز كاذبة بل انهم "كذابون دائمون". هذا تشهير بحد ذاته. ادعاءاتهم ليست مسنودة، وغير معقولة، بل غير منطقية.

  مباط عليا