اليهودي الطيب لا يسافر مع العربي الشرير في باص واحد

 

بقلم: ياعيل باز ميلميد

إسرائيل 2013. انتهى شتاء ماطر على نحو خاص، كل شيء اخضر، أزهار رائعة ترسم ألوانا من الاصفر والاحمر والبنفسجي، تل ابيب اختيرت بصفتها المدينة الثانية في العالم في الحداثة، قبل نيويورك. الحياة جميلة، بالاجمال. غير أنه على مسافة بضع عشرات الامتار من الحداثة ومن الحياة الجميلة، يحاول كل صباح الاف الفلسطينيين الصعود الى باص يأخذهم الى عملهم في تل أبيب. يحاولون، ويُدفعون بفظاظة الى الخارج.

"انزلوا من هذا الباص"، يصرخ سائقون مغلقو الحس، يشرحون بعد ذلك بأنهم لم يفعلوا سوى تنفيذ الأوامر. "هذا باص لليهود فقط"، يبلغون الفلسطيني الذي يكاد يُسحق في طابور لا ينتهي من الفلسطينيين الآخرين، الى ان ينجح كيفما اتُفق في ان ينحشر في باص "المستوطنين". وعندما يهددونه بأنهم سيجلبون الشرطة، ينزل ويبدأ بالسير مسافة 2.5 كم الى الباص الذي يُسمح له بالصعود اليه.

"أبرتهايد"، يسمى هذا الفصل بين الانسان والانسان. هل يسافر المستوطنون بعدم ارتياح مع الفلسطينيين؟ لا، قرر وزير المواصلات اسرائيل كاتس. المستوطنون لا يحتاجون أبدا الى ان يحتملوا جيرانهم يستقلون ذات الباص. فهم عرب، واليهودي الطيب لا يسافر في ذات الباص مع العربي الشرير. يمكن لهذا ان يستمر هكذا سنين، لو لم تكتشف وسائل الاعلام سياسة الابرتهايد هذه. اوهاد حامو، المراسل الممتاز لشؤون "المناطق" في القناة 2، جلب تقريرا لم يكن ممكنا مشاهدته لأنه كان جد قاسيا ومثيرا للحفيظة. برامج الراديو، وبالطبع صحيفة "هآرتس"، بسطت أمامنا الصورة المفزعة التي كان يراها الموظفون قساة القلوب الذين انكبوا على تنفيذ تعليمات الفصل هذه. رأوا وصمتوا. فلماذا يحتاجون الى مراعاة عصبة العرب الذين يحاولون بكل قوتهم ان يجلبوا بعض الرزق الى بيوتهم؟ فقد اعتاد الفلسطينيون شروط الحياة الفظيعة هذه. لا بأس. فليُحشروا في الطوابير، وليسيروا كيلومترات على الأقدام حتى باصهم.

في أعقاب الكشف عن هذه الفضيحة في وسائل الاعلام أعلن الوزير كاتس أنه في أعقاب الانتقاد الجماهيري فانه يلغي التعليمات. ليس لأن الامر غير قانوني على نحو ظاهر، وذلك لأن محكمة العدل العليا سبق ان قررت قبل اربع سنوات أنه لا يجب منع سفر الفلسطينيين في الطرق التي بُنيت للمستوطنين بمئات ملايين الشواقل كي لا يضطروا حتى الى رؤية فلسطيني في طريقهم من والى بيوتهم. وبالطبع، فان المبرر هو أمني: الحفاظ على حياة وأملاك المستوطنين. يحتمل ان يكون هناك بعض الحق في هذه الحجة، غير ان نسبة صغيرة من مليارات الشواقل التي ذهبت الى شق الطرق التي تلتف على كل شيء في الضفة لم تصل الى تحسين سفر الفلسطينيين. اسرائيل المحتلة لا تنفذ التعليمات الأولية للقانون الدولي الذي ينطبق على المحتلين، في الحرص أيضا على الحياة السليمة والمنتظمة للخاضعين للاحتلال.

اسرائيل ليست فقط احتلالا غير متنور، كما نحب نحن ان نسمي أنفسنا بتحبب غير خفي. ففي حالات عديدة جدا يجعلنا تفضيل المستوطنين بكل المقاييس محتلا غير متنور على الاطلاق. والعالم لا يصمت. فهو لا يمكنه ان يصمت رغم انه بالنسبة لردود الفعل القاسية التي كانت تجاه جنوب افريقيا، عندما كان لا يزال يُنتهج فيها نظام الابرتهايد، يتعاطون معنا بقفازات من حرير. لقد كانت جنوب افريقيا منبوذة بسبب النفور، ومقاطعتها كانت جارفة وعزلتها في العالم كانت واضحة. أما نحن فلا نزال لسنا هناك، لأنه عندنا محظور حسب القانون وجود نظام ابرتهايد. وهو موجود في حالات معينة ولكنه لن يجتاز في أي مرة اختبار محكمة العدل العليا. ورغم ذلك، فاننا نتقدم بخطى هائلة نحو ذات العزلة المطلقة.

العالم يرى المشاهد، يسمع الأصوات، وبالنسبة له فان الفلسطيني هو ايضا انسان. أما من يصمت حقا فهم السياسيون، باستثناء احزاب اليسار مثل "ميرتس". في نظر شيلي يحيموفيتش مثلا، لم تكن معاناة الفلسطينيين في أي مرة جزءا من مذهبها الاشتراكي – الديمقراطي. وتصمت ايضا تسيبي لفني، ويصمت يئير لبيد، ومن يتحدث بصوت عال وجلي، بالافعال طبعا، هم سياسيون من أمثال اسرائيل كاتس.