هل تنجح أحزاب الوسط في سلب الحريديين سلطتهم ؟!

 

بقلم: سيفر بلوتسكر

إن ما بدأ شعار انتخابات قابلاً للاستيعاب أصبح يتحول بالتدريج الى مشروع وطني. ان القاعدة المشتركة بين "البيت اليهودي" و"يوجد مستقبل" و"كديما" كما تُبين مطالبها الائتلافية لم تعد تتناول الخدمة العسكرية لأبناء المدارس الدينية بل تتناول خطة وطنية عامة يصح ان نسميها "خطة نقض حريدية دولة اسرائيل".

إن ارادة نقض الحريدية لم تولد فجأة. فهي رد طبيعي لجمهور يهودي غير حريدي على السيطرة الفعلية لأقلية حريدية في دولة يهودية تركت الشؤون المهمة لذلك الجمهور للجهاز السياسي الحريدي والآن، الآن فقط، تستيقظ مذعورة لرؤيتها النتيجة. والقصد من "السيطرة الفعلية" هو قدرة الاحزاب الحريدية في الكنيست على نقض قرارات مصيرية لمستقبل الدولة وتغييرها من غير ان يكون الحريديون مواطنيها ومساوين في الواجبات.

سلّمت دولة اسرائيل في القرن الماضي بالسلطة الشمولية للجهاز الحريدي داخل طائفته، وأملت ان تشبع بذلك شهوته الى السيطرة. ومن المفهوم ضمنا ان العكس هو الذي حدث لأن الشهوة زادت مع الطعام. وسعى الساسة الحريديون منتشين بقدرتهم لا على ان يكونوا لسان الميزان في حكومات اسرائيل فقط بل الميزان نفسه، ووسعوا مجالات حكمهم لتشمل قضايا في قلب الرسمية الاسرائيلية من غير ان يشاركوا كما قلنا آنفا في بنائها بالفعل.

في مقابل ذلك بدأ الاسرائيليون غير الحريديين يصرفون زمنا وجهدا أكبر الى شؤونهم الخاصة. وأرهقت قوة تدخل المؤسسات الحريدية أعصابهم وأصابتهم بالجنون وردوا بأعمال لم تكن ترمي الى المس بالحريديين بل الى تسهيل حياة الطبقة الوسطى المدنية المشغولة مثل مجمعات تجارية مفتوحة في ايام السبت، ورحلات جوية في شركات اسرائيلية في ايام السبت والأعياد، وشبكات طعام غير حلال ومراسم زواج لا يُسيرها حاخامون حريديون. فلم يكن صعود احزاب وسط علمانية ليبرالية كبيرة مثل "شينوي" و"كديما" ظاهرة موضة عابرة اذا حتى حينما كانت الاحزاب نفسها تمضي وتغير أسماءها. إن هذه الحركات عبرت تعبيرا أصيلا عن مخاوف الطبقة الوسطى من تحريد سريع للدولة.

كلما زادت القدرة السياسية للدوائر الحريدية على التأثير في صبغة الدولة قوي طموحها الى تغيير صبغتها. وكلما زادت مطامحها السياسية زادت لذلك معارضة الأكثرية غير الحريدية. فلم تعمل هنا "كراهية الحريديين" بل الرغبة في ان توجد في دولة اليهود حياة يومية حرة من الارغام الحريدي.

إن تأليفا بين العامل السكاني الباهظ الكلفة والسياسة الرخيصة جعل الطائفة الحريدية تنتشي وجعلها تسلك سلوك صاحبة نواة سيطرة على الدولة لا على أنها أقلية صغيرة. ويريد أكثر اليهود في اسرائيل الآن ان يعيدوا السيطرة الى أنفسهم. في التفاوض الائتلافي بين نتنياهو وكتلة لبيد – بينيت يُطرح للنقاش اجراء مهم هو نقض الحريدية: أي مصادرة سيطرة المؤسسة الحريدية على الحياة الشخصية في اسرائيل واضعاف تأثيرها في مجالات مدنية اخرى، من الاسكان والنقل العام الى التربية والرفاه والعمل. ويمكن ان نستنتج هذا ايضا من قائمة الحقائب الوزارية التي يطلب الحزبان الحصول عليها في الحكومة القادمة. إن النموذج الموجود نصب أعين لبيد وبينيت، والذي لم يوثق كتابة، هو الطائفة اليهودية في اميركا وبريطانيا. فلديها تأليف بين التدين والاعتدال، والحفاظ على الفرائض الدينية والليبرالية، والثقافة والعمل والايمان. وليس عندها كراهية للحريديين، لكن حريديين كثيرين هناك وهنا يكرهونها.

ستكون لمشروع نقض الحريدية في اسرائيل معان تاريخية وقومية كبيرة ومنها اقتراب كبير لليهود في اماكن الشتات. فما هي احتمالات ان يتحقق؟ هناك من يعتقدون انه غير ممتنع في الأمد البعيد لكن يصعب عليّ في الأمد القصير ان أرى ان يوافق نتنياهو عليه باعتباره رئيس وزراء وان يُخرجه من القوة الى الفعل، فهو غير مبني من مادة الثوار. صحيح حتى الآن ان نتنياهو في ذروة التفاوض في مستقبله السياسي يسلك سلوك من هو مستعد لأن يدعو الى المظلة رافعي راية نقض الحريدية. لكن يا بينيت ولبيد انتبها أن بيبي سيفتح في آخر لحظة باب القاطرة للحريديين ويدعوهم مرة اخرى الى الجلوس على الكرسي قرب السائق.

  يديعوت أحرنوت