اكـراد أخيار.. اكـراد اشـرار

 

بقلم: تسفي بارئيل

في سجن إمرالي، جنوب اسطنبول، ينتظر عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردي، سماع ما لدى رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان ان يقترحه كي يحل المشكلة الكردية.

منذ 14 سنة يمكث السجين في السجن الذي اعد خصيصا له وعلى مدى السنوات العشرة الاولى فيه مكث وحده في المنبى، مع السجانين ـ وهو يحاول اقناع السلطات التركية بان لديه ما يعرضه للحل. بديله في الميدان هو الاخر، مورات كريالين الذي يقود حلقاته من مكان مستقره في جبال قنديل شمالي العراق، ينتظر اليوم الذي يتعاطى فيه الحكم التركي معه كزعيم وليس كارهابي.

والان، يشعران بتغيير طفيف في الاجواء بعد أن بدأت الحكومة التركية في تحريك مفاوضات مع الانعزاليين الاكراد. هذا الاسبوع اذا لم تطرأ انعطافة في اللحظة الاخيرة، فسينعقد لقاء بين زعماء حزب السلام والديمقراطية الكردي وبين اوجلان في زنزانته المحروسة. بعده كفيل بان تنشأ في مدينة اربيل، عاصمة الاقليم الكردي في العراق، عملية طويلة ومضنية اذا ما نجحت فستنهي الصراع القومي الاعنف الذي شهدته تركيا منذ استقلالها.

هل ثمة على الاطلاق ما يدعو الى التفاؤل؟ في الجانب التركي يقولون انه خلافا لمبادرات سابقة، يوجد هذه المرة احساس بان الطرف التركي جدي وان الدور الشخصي لرئيس المؤسسة التركية للاستخبارات، كان فيدان، يضيف كثيرا من الثقة في العملية. كما ان الملابسات السياسية التي تستدعي من اردوغان ان يعتمد الان على الحزب الكردي كي يمرر في البرلمان وبين الجمهور مبادرته لتغيير الدستور، تساعد المبادرة والضغط الاوروبي الهائل لتحسين وضع حقوق الانسان في تركيا ـ حين يكون المقصود بشكل خاص الموقف من الاقلية الكردية ـ يضيف وزنه.

 

'لا توجد مشكلة كردية'

 

من الجهة الاخرى لا يمكن الاستخفاف في حجم الالغام التي توجد في طريق المصالحة. فبين الاكراد والحكومة يفصل محيط ايديولوجي وسياسي.'لا توجد مشكلة كردية'، صرح رئيس وزراء تركيا اردوغان الشهر الماضي، 'ولكني اعترف بالمشاكل التي لاخواننا الاكراد'. في الاسبوع الماضي كان اردوغان أكثر تفصيلا حين قال: 'اولئك الذين يدعون بان عنصرهم أعلى من الاخرين يسيرون في طريق الشيطان. نحن امة واحدة تعيش على أرض الجمهورية التركية. امتنا تتشكل من الاتراك، الاكراد، العرب، اللازيين والشركس'. وفي هذه الصيغة يكمن لب المشكلة الكردية التي يحاول اردوغان حلها بعد نحو 30 سنة و40 ألف قتيل.

ومع أن الاكراد 'أرجأوا' حاليا مطلبهم بدولة مستقلة يكون قسم منها في تركيا والاقسام الاخرى في العراق، سوريا وايران. فحلم 'كردستان الكاملة'، كما يشهد زعماء الاكراد في العراق، لا يمكنه أن يتحقق في المستقبل القريب. بالمقابل، فان اقامة حكم ذاتي كردي في تركيا اصبح تطلعا بديلا. السؤال هو ما هو المعنى العملي لمثل هذا الحكم الذاتي؟ الاكراد ليسوا دقيقين، وعن عمد، في تفسيرهم. 'الحكم الذاتي معناه حكم كردي شبه مستقل في الاقليم الكردي ذي الحكم الذاتي الذي له طريقة حكم خاصة به لا تتعارضة وطريقة حكم الدولة، له جهاز تعليم كردي وثقافته معترف بها'، يقول لـ 'هآرتس' نشيط كردي من ديار بكر. هذا التفسير يهز أنقرة. 'الحكم الذاتي الثقافي سيولد حكما ذاتيا قوميا'، يصرخ رجل وزارة الخارجية التركية، 'هذا لن يحصل ابدا'.

يكفي سماع خطاب اردوغان لفهم الفجوة. تعبيره 'الجميع أتراك' معناه أنه على الاغلب لن يكون مستعدا لان يمنع الاكراد حقوقا ثقافية قليلة اخرى. فاذا كان بوسع الاكراد الان ان يسمعوا بضعة برامج باللغة الكردية في التلفزيون الرسمي، فلعله سيسمح لهم بان يقيموا محطة خاصة بهم، تحت الرقابة. ووزارة التعليم كفيلة بان توسع الدروس بالكردية التي تعطى في المدارس. واذا ما توصل الطرفان الى اتفاق، فان تركيا كفيلة بان حتى تجري عملية تشاور على تعيين محافظ ديار بكر عاصمة الاقليم الكردي في تركيا الذي تعينه الان أنقرة دون اشراك السكان. وعلى السؤال اذا كانت تركيا ستكون مستعدة لان تسمح للاكراد بان يعيدوا الى البلدات والقرى اسمائها الكردية، يتلوى الناطقون التركيون. 'اسماء القرى باتت معروفة للجميع ولا خلاف عليها. هذا ليس لب المشكلة'، يقول رجل وزارة الخارجية. كي نفهم هذا المطلب يمكن أن نتصور كيف يمكن لحكومة اسرائيل أن ترد لو أن الاحزاب العربية كانت ستطالب باعادة الاسماء الاصلية للبلدات اليهودية التي قامت على اراضيهم. فالاسماء الجديدة هي جزء من القومية الجديدة، في اسرائيل مثلما في تركيا، اسماء الماضي هي تهديد قومي.

اردوغان، من جهته، يريد شيئا واحدا: أن يضع نشطاء حزب العمال الكردي سلاحهم وان يغادروا تركيا. وهو مستعد في هذه المرحلة لان يدعهم يغادروا الدولة دون أن يمس بهم الجيش. يريد من المنظمة الكردية التي لا يذكر حتى الان اسمها في وسائل الاعلام دون أن يضاف اليه 'منظمة الارهاب' ان تكف عن تنفيذ العمليات في الاراضي التركية، وهو مستعد لان يدفع الثمن. وعمليا بدأ من الان بدفعه.

اذا كان قبل سنة رئيس المؤسسة التركية للاستخبارات كان فيدان، على شفا ان يقدم الى المحاكمة بتهمة ادارة حوار سري في اوسلو مع ممثلي حزب العمال الكردي، الذي يعرف كمنظمة ارهابية، ففي الاسابيع الاخيرة اصبحت اللقاءات مع قيادة هذه المنظمة سياسة علنية يؤيدها معظم الجمهور. وبقدر كبير يمكن مقارنة رد الفعل على هذه اللقاءات، برد فعل الجمهور الاسرائيلي على الحوار غير المباشر الذي تجريه حكومة اسرائيل مع حماس. ويقول استطلاع نشر الاسبوع الماضي في تركيا ان 'معظم المواطنين الاتراك يريدون منذ الان وضع حد للارهاب ويؤيدون المحادثات مع حزب العمال الكردي'.

لقد جعل اردوغان الحوار مع حزب العمال الكردي مشروعا. وكتب المحلل فهمي كورو في مجلة 'ستار' يقول ان اردوغان هو فنان في فرض المواضيع، فهو يعرف كيف يخدع ويأسر الاخرين بأجندته. لم نرَ حتى الان رجلا من المعارضة يمكنه أن يفرض على الدولة نقاشا في موضوع آخر مثل اردوغان'.

الاعتراف والفهم بانه لا يوجد حل عسكري للصراع بين الاقلية الكردية وتركيا لم يبدآ الان. فمنذ العام 2009، اقترح اردوغان مبادرة لحل المشكلة الكردية فشلت، لان الاكراد لم يفكروا بانها تمنحهم ما يكفي من المقابل بوقف النار. ووقف النار الذي ولدته المبادرة في حينه انهار بصخب كبير في غضون وقت قصير.

 

تحرير الاف السجناء

 

والان يقترح اردوغان ليس فقط الاستعداد للاستماع لمطالب الاكراد، بل وسار ايضا خطوة عملية هامة. تغيير قانون تعريف الارهاب بشكل كفيل بان يؤدي الى تحرير الاف السجناء والمعتقلين السياسيين. وهؤلاء يضمون صحفيين كتبوا عن المشكلة الكردية وطلبوا تطبيق اصلاح في سياسة الحكومة تجاه الاقلية الكردية. وتقضي صيغة القانون المقترحة بان 'اولئك الذين بشكل علني منحوا شرعية لاعمال العنف او تهديد منظمات الارهاب أو اولئك الذين حرضوا علنا على العمل بهذه الوسائل سيعاقبون بالسجن بين سنة وخمس سنوات'. وذلك مقابل الصيغة القائمة التي يمكن أن يعاقب فيها ايضا 'من يؤيد فقط منظمة ارهابية'، الصيغة التي تمس بشكل وحشي بحرية التعبير.

ومنذ هذا الاسبوع كفيلة الحكومة بان تعرض مشروع القانون على البرلمان لاقراره كجزء من خطوات تلطيف حدة المواقف قبيل الحوار مع قيادة حزب العمال الكردي. وتستهدف هذه الخطوة العيون المفتوحة لزعماء الاتحاد الاوروبي الذين سيتعين عليهم أن يقروا استمرار المداولات لضم تركيا الى الاتحاد. ولدى محكمة حقوق الانسان في الاتحاد الاوروبي توجد الان نحو 16.879 شكوى على خرق حقوق الانسان، تشكل نحو 13 في المائة من عموم الشكاوى التي رفعت الى المحكمة. اما اقرار القانون ومنح الحقوق في اعقابه فكفيل بان يحسن جدا مكانة تركيا في هذه المحكمة وفي الاتحاد بشكل عام. ومن المهم أن يضاف الى ذلك العلاوة السياسية التي ينتظرها اردوغان من المصالحة. وهو يتطلع الى تغيير الدستور بشكل يمنح رئيس الدولة المنصب الذي يعتزم التنافس عليه في 2014 صلاحيات واسعة للغاية. وثمة منذ الان من يسمي هذه الصلاحيات التي تتضمن حل البرلمان واتباع السيطرة على جهاز القضاء للرئيس، بانها صلاحيات سلطانية. وسيحتاج اردوغان الى كل صوت في البرلمان والحزب الكردي حيوي لنجاحه. وتفيد استطلاعات الرأي العام بان أغلبية الجمهور تعارض تغيير صلاحيات الرئيس، ولكن اردوغان علم الجمهور بان ما هو خير له، خير للجمهور ايضا. والان هو متعلق بقدر كبير بالرجل ذي الشارب الذي يمكث في سجن إمرالي. اذا نجح اوجلان في اقناع ثواره بوضع سلاحهم وهو مشكوك جدا فيه بحد ذاته فيمكن لاردوغان أن يسارع بثقة نحو قصر الرئاسة في أنقرة.