نتنياهو وائتلاف المستضعفين

 

بقلم:يوسي فيرتر

في الأسبوع الفائت التقى رئيس الحكومة بقيادي في حزب العمل بينهما مودة خاصة. وطلب نتنياهو إيصال رسالة لزعيمة الحزب، شيلي يحيموفيتش. قال نتنياهو لمحادثه: "أتوق لوجودها في الحكومة، أنا لا أريد لبيد. أريد شاس ويهدوت هتوراه معي في كل الأحوال. كذلك ليفني وموفاز. سوف تكون هذه حكومة مريحة للعملية السلمية".

لم يذكر نتنياهو اسم نفتالي بينت، "السياسي إكس" رئيس قائمة البيت اليهودي.

قال القيادي من حزب العمل: "أنت تعرف مطالب يحيموفيتش".

رد نتنياهو: "أنا مستعد لقطع طريق طويل نحوها".

رد القيادي على نتنياهو: "إذا أردت أن أذهب لإخبارها ذلك، فإنني لا أنوي فعل هذا" وبرر سبب امتناعه عارضا على نتنياهو إرسال أحد وزراء الليكود. وردا على سؤال قالت يحيموفيتش هذا الأسبوع أنه حتى يوم الأربعاء لم يرسل نتنياهو إليها أحدا. ويتضح أنها ونتنياهو ليسا بحاجة إلى وسطاء. فقد أخبرت يحيموفيتش اجتماع كتلتها يوم الاثنين أنها بعد لقائها مع نتنياهو تحادثت معه هاتفيا عدة مرات. وقالت لهم: "صدقوني لم يطرأ أي تغيير. ليس فقط أن المحادثات الهاتفية لم تقلص الفجوات بيننا، بل العكس، وسعتها. ونحن لن نكون مقاولي تنفيذ لدى نتنياهو، بغض النظر عن الحقائب التي ستعرض علينا. لن نؤيد ميزانية تعارض توجهاتنا".

ويعد ائتلاف الأماني عند نتنياهو 72 عضو كنيست، وهو ائتلاف تراوح فرص إنشائه بين الصفر والواحد على سلم 120 عضو كنيست. واحتمال أن نستيقظ ذات صباح ونسمع أن رئيس الليكود بيتنا وزعيمة حزب العمل جلسا طوال الليل في مقر رئاسة الحكومة ووقعا بالأحرف الأولى الاتفاق الائتلافي الذي يغير من النقيض إلى النقيض السياسة الاقتصادية في إسرائيل ويحولها اشتراكية ديموقراطية فاخرة، يشبه، بحسب المقربين من يحيموفيتش، إلى تجسيد قصيدة القفص: "الأسماك تطير، والعصافير تسبح".

واحتمال أن نستيقظ ذات صباح على بشرى أن خمسة من أعضاء كتلة حزب العمل يطلبون الانشقاق والانضمام لائتلاف نتنياهو ـ لأسباب أيديولوجية طبعا، من دون صلة بواقع أن كلا منهم سيسمن ويتلذذ بوظيفة ما - أعلى بكثير. ولنقل انه بين 5-10 في المئة. فالانشقاق يحوم على الدوام، فضلا عن أن أمرا كهذا يحدث وفي السياسة يعلمون أن البرق يسقط مرارا، وحتى في المكان نفسه.

والحديث المذكور آنفا يشير إلى مزاج مؤلف الحكومة على الأقل في الأسبوع الفائت. وقبل الانتخابات، حينما تنبأت الاستطلاعات بـ 18-19 مقعدا لحزب العمل و10-12 لهناك مستقبل، لم يخطر ببال نتنياهو إدخال يحيموفيتش إلى حكومته. ودأب على القول: "أنا لا أريدها". وبالمقابل فإنه تحدث عن لبيد كشريك مؤكد.

بعد الانتخابات انقلبت الآية: لبيد خارجا، يحيموفيتش داخلا. نتنياهو يحب الشركاء المستضعفين، العديمي المطامح، وغير المهددين وممن ليسوا مصابين بجنون العظمة. وفي هذه الأثناء، في واقع نتنياهو، كلاهما خارجا. إذ يدير لبيد مفاوضات قاسية. ويحيموفيتش ترفض بعناد ركوب سكة المفاوضات.

وأنصار الدخول للحكومة داخل حزب العمل يشعرون بالجنون من فردية زعيمتهم. وهم يتذمرون من عزفها المنفرد ويدعون على الأقل إلى إنشاء طاقم للتفاوض، والجلوس مع الليكود، نبدي رأينا ونعرض مطالبنا. حتى لو لم ينتج عن ذلك شيئا، فعلى الأقل الجمهور سيعرف أين نقف.

في محيط يحيموفيتش يسمعون هذه النصائح ويسخرون. وهي مقتنعة بأنه لحظة بدء مفاوضات ائتلافية، سوف تخسر. وسيكون مصيرها كالفأر الذي دخل حجر القط ليعرض موقفه بشأن التعايش. ويزعمون في محيطها أن "هذا سيكون خطأ سياسيا فظيعا. حال بدء المساومة سينهار السد. وكل ما سنحصل عليه سيعرض على أنه إنجاز هائل ومثير لنا وتنازل كبير من الطرف الثاني. وهذه سيرورة تآكل واضمحلال لمواقفنا في نهايتها سنجد أنفسنا في الحكومة، ننفذ السياسة الاقتصادية لنتنياهو".

ساعة الذئاب

كل ما جرى في الأسبوع الفائت، وعمليا في الأسبوعين منذ تلقى نتنياهو من الرئيس بيريز التكليف بتشكيل حكومته الثالثة، ليس أكثر من لعبة تمهيدية: طويلة، مضنية ومعقدة، حتى بتعابير المفاوضات الائتلافية الإسرائيلية. وبدأت شهوة الناس المتواجدين داخل السيرورة في النفاذ. وعندما يحين وقت الفعل الحقيقي سوف ينفذونه مع ابتلاع حبة دواء ضد التقيؤ.

ولا حاجة للإسهاب في تفصيل كميات المعلومات المضللة، الألاعيب، وبالونات الاختبار التي تطلق في الفضاء السياسي. ومن شدة الضوضاء وغبار المعركة، لم يعد واضحا من هو الآدمي ومن هو الذئب، وما هي القبة الحمراء ومن هي الجدة ومن سيفترس من في نهاية المسرحية.

على سبيل المثال، الاقتراح الذي قدمه الليكود بيتنا للبيت اليهودي كشرط لتفكيك تحالف بينت - لبيد ودخول حزب اليمين أولا للائتلاف: حقيبة التعليم، حقيبة اقتصادية كبيرة، حقيبة الأديان، نائب وزير دفاع ورئاسة لجنة هامة في الكنيست. وهذه رزمة جيدة، خصوصا وزارة التعليم المفترض أن تعود للمفدال بعد 17 عاما. والمشكلة كانت أن البيت اليهودي سمع بالاقتراح أولا من القناة الثانية للتلفزيون وبعد 24 ساعة قدمت له رسميا. هكذا، بنزاهة كما لو أنها منسوخة من مساومة في بازار تركي، يدير رجال نتنياهو المفاوضات.

وكان رد الفعل الأولي لرجال بينت ساخرة: "إذا انتظرنا مزيدا من الوقت، فسوف يعرض علينا مداورة في رئاسة الحكومة". والرد الثاني كان مهينا: "هل هذا كل شيء؟ نفتالي، رئيس كتلة من 12 نائبا، ينال التعليم وليبرمان، رئيس كتلة من 11 نائبا، ينالوزارة الخارجية؟ ما هذا؟ الليكود يريد أن يحتفظ لنفسه بالوزارات الكبيرة الثلاثة الخارجية، الدفاع والمالية. وهم ينسون أنهم فقط 31 نائبا. ربما أنهم يعيشون حتى الآن في فيلم فينكلشتاين مع 40 نائبا".

والرد الثالث كان غاضبا : صرخ رفاق بينت: "كفى! كفى! كفى مع الألاعيب. ثمة من لم يستوعب نتائج الانتخابات. ثمة من لم يفهم أن الجمهور صوت لصالح سياسة أكثر اتزانا، أقل تآمرا".

وهكذا تحول الاقتراح الذي لم يعرض والذي عرض، إلى بؤرة اشتعال أخرى بين حزبين وقع زعيماهما بين فكي كماشة منظومة علاقات عكرة ومشحونة، لم يسبق لها مثيل. ولو أن نتنياهو تصرف تجاه بينت بشكل آخر، بمزيد من الاحترام والنضج وبقدر أقل من العواطف والانتقام، لكان كسبه قبل بذلك بكثير وبثمن أقل. فبينت هو الشريك الأكثر طبيعية، الأشد راحة، والأسهل الممكن توقيع اتفاق ائتلافي معه في مرحلة مبكرة.

ونتنياهو ليس فقط ضيع الفرصة، بل أنه دفع بينت لإنشاء تحالف المقموعين مع لبيد. (في هذا التحالف هناك مقموع واحد وهو بينت. وقد باع أسهمه للبيد، الذي آخر ما يمكن أن يقال عنه أنه مصاب بالإحباط). ونتنياهو بنى بيديه هذا التحالف، وحاليا يجهد نفسه من أجل تفكيكه.

وفي نهاية اللقاء بين نتنياهو وبينت، يوم الأحد في تل أبيب، قال مقربو رئيس الحكومة أن اللقاء كان "جوهريا". لم يقولوا أنه تم "في أجواء طيبة" أو "طيبة جدا" كما وصفوا اللقاء مع لبيد. ويتولد انطباع بأن نتنياهو يتصرف بوحي من حظر أو أوامر عليا، ولم يمدح بينت حتى بأقل القليل.

وما العجيب أنه بعد بضع ساعات من اللقاء وقع بينت في أحضان لبيد في الكنيست كما لو كان أخاه الضائع. لم يكن ينقص ذلك سوى أن يبلل بدموعه أطراف لباسه. هذان الرجلان يتعانقان بفرحة أكثر من باراك وميشال أوباما في انتخابات الرئاسة. ويوصف محورهما من جانب المقربين من بينت بأنه لا يقبل الفكاك. وهو ئة طن خرسانة مسلحة. ويعتقد لاعبون آخرون أن هذا وصف مبالغ فيه. وأنه بمرور الأيام ستبدأ التذمرات في الكتلتين من هذا التحالف غير الطبيعي بين كتلة وسط - يسار حسب تكوين معظم أعضائها، وكتلة يمين متطرف بكل معنى الكلمة.

ويتفق بينت ولبيد على الكثير من القضايا في المجال الاجتماعي - الاقتصادي - الدستوري، وأيضا حول تجنيد الحريديم. ولكنهما يختلفان حول أمر واحد، تافه، هو الموضوع السياسي الذي عليه تقوم أو تسقط دولة إسرائيل. لبيد يؤيد حل الدولتين. بينت يعارض ذلك. لبيد يريد دولة يهودية. بينت يقود لدولة ثنائية القومية. وهي حكمة صغيرة أن توافق على بنك اجتماعي وإصلاح في الموانئ ودس الفيل الهائل، السياسي، تحت السجادة.

 

آخر البخار

من دون هناك مستقبل والبيت اليهودي (31 نائبا معا) ليس لنتنياهو حكومة، ولا مستقبل ولا بيت في شارع بلفور في القدس. من هنا إذا أصر نتنياهو على ضم الحريديم إلى حكومته، وصمد محور بينت - لبيد، لن تقام حكومة حتى 15 في آذار. وسيقتضى الأمر من الرئيس إعطاء التفويض لمرشح آخر، ليس متوفرا، وإذا لم يشكل المرشح البديل حكومة، فسوف تذهب إسرائيل مرة أخرى إلى الانتخابات في منتصف تموز هذا العام.

وهذا سيناريو خيالي. فنتنياهو لن يدع التكليف يفلت من بين يديه. ولماذا يحتاج إلى انتخابات مكررة تدور حول رفضه المبدئي التخلي عن إيلي يشاي ويعقوب ليتسمان؟ ستكون هذه نهايته السياسية. سيطرد من ديوانه بالعصي والحجارة. وأصلا هو يعيش على آخر البخار، كما أظهرت الانتخابات.

في وقت ما، ربما في منتصف الأسبوع المقبل، سيضطر نتنياهو للحسم: مع الحريديم أو من دونهم. ولحظة أن يقول للبيد الجملة السحرية "الحريديم خارجا" ستتشكل له حكومة مع 70 عضو كنيست. مسألة "مساواة الأعباء" ستترتب من ذاتها.

من جهة أخرى إذا قرر أنه لن يحطم التحالف مع يهدوت هتوراه وشاس، فسوف يضطر للتوجه لبينت، لتشكيل معسكر من 61 نائبا، يضيف لهم ليفني وموفاز فيصل إلى 69 نائبا. ولكن إذا قال بينت له لا، فسوف يبقى أمامه فقط خيار أل 63 نائبا: الليكود بيتنا، الحريديم، ليفني، موفاز وحوالي ثلث حزب العمل.

وبشأن حركة تسيبي ليفني: فالمعروف أنها اتفقت مع نتنياهو على دخول حكومته لكنها لا تريد أن تكون أول من يوقع على اتفاق ائتلافي. ومن أقوال عمرام متسناع يمكن أن نفهم واحدا من أمرين: إما أنها ليست قريبة من الائتلاف، أو أن نتنياهو ذهب بعيدا نحوها في الشأن السياسي، أو أن متسناع نفسه غير مطلع على ما جرى.