فـشـل سـيـاسـة الـغـمـوض

بقلم: رونين بيرغمان
في آذار 2001 اختفى العميد اسحق يعقوب (ياتسا) عن ظهر البسيطة. اعتقلت الشرطة و"الشاباك" يعقوب في مطار بن غوريون، ونُقل ليُحقق معه تحقيقا سريا جدا، بسبب مقابلة صحافية أجراها معي تناول فيها المشروع الذري الإسرائيلي. وأصبح آنذاك "السجين إكس".
ضجت البلاد بالاشاعات، وكان بعضها آثما ومتعمداً، وكأن يعقوب اعتُقل بشبهة أنه جاسوس روسي. ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" أجزاء من القضية بشكل بارز، وجذب ذلك اليها بالطبع الكثير من الانتباه وحولها من جدل صغير فيما يجوز أو لا يجوز لـ "السابقين" نشره – الى جدل تجاوز محيطات الغموض الذري الاسرائيلي.
وسمّى الراحل نير توييف، وهو سينمائي وثائقي محارب لهذه الظاهرة، فيلما أعده عن القضية باسم "مملكة السر". وفي هذه المملكة، كما هي رسالة الفيلم، حيث كل شيء سري وكل شيء غامض وخفي على الناظر، يجلس أناس مستعدون باسم أمن الدولة المقدس لأن يفعلوا أي شيء، أي شيء حتى لو كان ذلك تغطية على اخفاقاتهم وحتى لو اشتمل على دوس ثقيل على حقوق الانسان.
نعرف تفصيلات قضية بن زغيير قبل أن ينتحر. وقد كان من أقنعني آنذاك بأنه ينبغي من اجل أمن الدولة إبقاء الموضوع سراً (لزمن ما على الأقل). واعتقدت بعد ان انتحر انه ينبغي نشر جزء من القضية. لا شك في انه توجد أجزاء في هذه القضية من المناسب ان تبقى سرا. ومن جهة ثانية فان النضال لابقائها كذلك قد حقق منذ أول من أمس بالضبط النتيجة العكسية. فقد استقرت آراؤهم في اسرائيل، بدل ان يدعوا التحقيق الاسترالي يمر من فوق رؤوسنا جميعا مع عدم مبالاة به مهما تكن نتائجه، على التصرف عكس ذلك بالضبط.
بدل جلبة ضئيلة وكثير من علامات السؤال حصلت النيابة العامة على قضية دولية شديدة لا نشهد سوى بدايتها فقط. كيف يمكن ألا يكونوا تعلموا هناك من قضايا سابقة مثل منبار ويعقوب واوستروفسكي وفعنونو وقد حاولوا في كل واحدة منها ان يلجموا القرية العولمية فحصلوا على قضية دولية أخطر بأضعاف مضاعفة؟.
على أثر قضية اسحق يعقوب قدّم عدد من اعضاء الكنيست مساءلة طلبوا فيها ان يعرفوا هل يوجد سجناء "إكس" آخرون في اسرائيل. وردت وزارة العدل آنذاك بأنه لا يوجد. ليس مؤكداً ان يعطوا الجواب ذاته اليوم بعد انتحار زغيير. واليكم عدداً من الاسئلة ينبغي بل يجب ان تُسأل وهي: ألم يكن ممكنا العمل معه بطريقة تختلف عن تلك التي اختيرت، طريقة كانت ستفضي الى مضاءلة الضرر لكنها ما كانت لتفضي الى موته؟ ولماذا لا توجد جهة خارجية تراقب في الوقت المناسب قرارات "الشاباك" و"الموساد" والنيابة العامة على إبقاء انسان في ظروف عزل متطرفة مع اخفاء القضية كلها عن أبناء عائلته والجمهور؟ ولماذا لم يتم التحقيق في القضية بجدية بعد ان انتحر؟ لا يوجد ما يُخشى، فهذه الاسئلة ستبقى بلا جواب. ولن يرفع أحد في اسرائيل حبة البطاطا الساخنة هذه.