احمدي نجاد وقع في الفخ

 

بقلم: ايلي أفيدار

'زيارة تاريخية'، هكذا وصفت وسائل الاعلام هبوط الرئيس الايراني أحمدي نجاد في مصر. وكان التخوف، الذي اعرب عنه بصوت عالٍ، هو أن حكم آيات الله يوشك على أن يرتبط بالاخوان المسلمين، فيخلق محورا اسلاميا يتجاوز المعسكرات والقارات، تكون اسرائيل والصراع ضدها في مركزه. كما أن هذه على ما يبدو خطة الرئيس الايراني. في القاهرة ما بعد الثورة، قدر احمدي نجاد، فانهم يستمعون أساسا لحكماء الدين المسلمين.

وهكذا، منذ يومه الاول وصل احمدي نجاد لزيارة مؤسسة الازهر، الاكاديمية الاسلامية السنية الاهم في العالم. وكان بوسع حادو النظر ان يلاحظوا على الفور با مضيفيه لم يكونوا متحمسين من العناق العلني معه. واستقبله كما كان متوقعا رئيس جامعة الازهر، ولكن الى المؤتمر الصحفي لم يصل الا السكرتير. وكانت هذه مجرد البداية.

لشرح ما حصل في ذاك المؤتمر الصحفي علينا أن نعود الى التقاليد المتعلقة بجذور الانقسام بين السنة والشيعة، والابتعاد حتى القرن السابع. في تلك الفترة نشب خلاف حول هوية خليفة عثمان. وكان المدعيان بالخلافة هما علي بن ابي طالب، ابن شقيق النبي محمد، ومعاوية بن سفيان، حاكم دمشق.

وكما كان متبعا، اتفق الرجلان على التحكيم، وفي نهايته تقرر بان يكون ابن شقيق النبي علي هو الخليفة المتفق عليه، وخرج المندوبان للاعلان عن ذلك أمام الجمهور. مندوب معاوية أقنع مندوب علي بان يتكلم أولا، احتراما لعمره المتقدم. وقد تحدث هذا عن أنهما توصلا الى قرار متفق عليه، ونقل الحديث الى المندوب الثاني. 'قررنا ان يكون معاوية بن سفيان هو الخليفة'، فاجأ المندوب الشاب قائلا. فهتف جمهور مؤيدي معاوية فرحا واخذت الخلافة نهائيا من علي، ونشأ شرخ انجب الشيعة. درس هام واحد استخلص من ذاك الحدث: لا تتحدث أولا أبدا.

بعد نحو 1400 سنة اخذ الرئيس الايراني الشيعي احمدي نجاد شرف الحديث أولا في الاكاديمية السنية الاهم في العالم. فألقى خطابا من ست دقائق ونصف، اثنى فيه على الشعب المصري، ثقافته وزعمائه، وروى عن المحادثات المثمرة، ونقل حق الحديث الى سكرتير الازهر. وبدأ هذا بالترحيب العادي ولكن على الفور بدأ يستعرض الخلافات في الرأي. فقد أعرب عن غضبه من الزعيم الشيعي على شتم صحابة النبي وزوجته، الذين يتهمهم الشيعة بسرقة الخلافة من علي.

شيخ شيعي وقف خلف الرئيس الايراني بدأ يعرق لعدم ارتياحه. وعندما واصل السكرتير طرح تفاصيل الخلافات فهم الايرانيون بان هذه ليست زلة لسان بل فخ. وطلبوا من أحد الشيوخ السنة الذي كان يقف بالجوار ان يشير الى المتحدث بان يدع هذه المواضيع الى اللقاءات المغلقة، ولكن السكرتير، الذي سمع ذلك، شدد فقط النبرة ضد الشيعة وايران.

خمس دقائق في حديثه حاول أحمدي نجاد انهاء المؤتمر الصحفي دون نجاح. ووصل الناطق بلسان الازهر الى المسألة الاصعب حقوق الاقلية السنية في ايران. 'لم نتفق على ذلك، لم نتفق على ذلك'، قال أحد الشيعة. 'تحدثنا عن الوحدة'، اشار احمدي نجاد بنفسه عدة مرات، دون جدوى.

وكما كان متوقعا، فان الجملة الوحيدة التي طابت لاذان الايرانيين كانت تتعلق باسرائيل. 'كلنا نعارض كل ضربة لايران، ومواقفنا متماثلة بالنسبة للعدو الصهيوني'، قال سكرتير الاكاديمية. ولكن هذه لم تكن سوى لحظة ارتياح مؤقتة، قبل أن يصف استياء شيوخ الازهر من خطوات ايران في سوريا. في هذه المرحلة بدأ احمدي نجاد يقاطع المتحدث ويحاول انهاء الحدث، وهو يقول 'شكرا، شكرا، شكرا'.

لم يكن هذا هو الحرج الوحيد الذي تعرض له الرئيس الايراني في اثناء زيارته الى القاهرة، والتي اجريت بمناسبة 'المؤتمر الاسلامي' وليس في أعقاب دعوة من الحكم المصري. وقد استقبلت زيارة احمدي نجاد بمظاهرات غضب عديدة، بل حتى وكيف لا؟ بالقاء حذاء. وفي الخلفية يوجد صراع حقيقي على النفوذ والقوة. في الدوائر الدينية في القاهرة يوجد غضب شديد على جهود آيات الله في تحويل ملايين السنة عن دينهم في الشرق الاوسط. في مصر وحدها يوجد اكثر من مليونين تحولوا الى شيعة ومعارضة النشاط التبشيري الايراني كان من نقاط الاتفاق القليلة بين حكم مبارك والاخوان المسلمين.

إن الاهانة العلنية التي تعرض لها أحمدي نجاد في المؤسسة الاسلامية الهامة في العالم كشفت كم هو عميق الصدع السني الشيعي وكم هو لا يزال مسألة سياسية حية تعتمل. وقد عرف زعماء مسلمون وعرب في الماضي كيف يغطون على الكراهية الشديدة والخلافات العميقة بطبقة من الخطابية الحلوة والاحاديث عن الوحدة. في هذه الحالة، حتى التظاهر نفسه لم يبقَ