السفير 9.1

«حمـاس» والثـورات .. حـذر بعـد ارتيـاح بيـن دورهـا الفلسطينـي والسـوري والعربـي

قابلت حركة حماس «الثورات» العربية بارتياح كبير وخاصة تلك التي أسقطت النظام المصري السابق التي تحفظ له تعمد إيذائها والتحريض عليها، وحيث تشعر بأن ما يجري حولها وفي بعدها الإقليمي يصب في صالحها والقضية الفلسطينية.

ومبعث هذا الارتياح هو الصعود الواضح لحركة «الإخوان المسلمين» التي تعد «حماس» جزءاً منها وإن ليس بالشكل التنظيمي، والذي بدا واضحاً من خلال جولة رئيس وزراء الحكومة المقالة اسماعيل هنية والترحاب الذي لقيه في مصر وتونس.

لكن الأحداث في سوريا قلبت معادلة «حماس» التي تغنت بها وسببت لها شكلا من الاحراج وحالة من عدم الرضا من النظام السوري ومن معارضيه، فكلاهما طالباها بموقف واضح، وهي حاولت الالتزام بمواقف «حيادية» بين الطرفين.

وبرزت في الأفق محاولة حل أو وساطة قام بها رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل الذي عاد من زيارة القاهرة ولقاء الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي محملاً برسالة للنظام السوري، على ما أعلن مشعل والعربي.

وبرغم ذلك، يقول عضو المكتب السياسي ورئيس الدائرة الإعلامية لـ«حماس» صلاح البردويل إن حركته ليست محرجة أو مرتبكة في الموضوع السوري لأنها لم تتورط في الأحداث الدائرة، لكنها تشعر بـ«حزن وأسف» على الأوضاع خاصة أن النظام والشعب في سوريا قدما لـ«حماس» دعماً كبيراً.

وأوضح البردويل لـ«السفير» أن «حماس» تأسف لما يحدث في سوريا وقد عبرت مراراً وتكراراً عن أملها في الخروج من الأزمة بحل سياسي وبإصلاحات وحريات للمواطنين ووقف انتهاكات حقوق الانسان.

وشدد البردويل على أن «حماس» لا تغير مواقفها ولا تقيم حسابات مخفية لعلاقاتها العربية فهي مثلا على علاقة مع إيران والسعودية، ومع سوريا وتركيا وقطر، إذ إنها لا تكون في حلف ضد الآخر ولا تحسب حسابات الدول خلال زياراتها، في إشارة إلى زيارة هنية لتركيا في ظل توتر علاقات الأخيرة مع سوريا.

ونوه البردويل بأن «الثورات» العربية هي تطور طبيعي للحالة الشعبية العربية التي حرمت من الحرية وفرضت عليها إرادات سياسية واجتماعية وثقافية غير ارادتها، ما أدى إلى انتقام شعبي ذاتي من الحكام.

في الأثناء رصد المحلل السياسي ثابت العمور مرحلتين من تعامل حماس مع التغيرات العربية الراهنة، أولها كانت متفائلة تحاول الاقتراب، والثانية تبلورت في ما بعد وهي حذرة متأنية. منوهاً بأن «حماس» تأنت في دعم «ثورات» مصر وتونس وليبيا حتى انقضت الأمور واستوت على ما هي عليه.

وقال العمور لـ«السفير» إن الأحداث في سوريا كانت اختبارا حاسما لموقف «حماس» وتعاطيها مع المشهد، ووقعت بين خيارين كلاهما مر، فإن صمتت واستحضرت أن ما يحدث في سوريا شأن داخلي لا علاقة لها به، اتهمت بأنها تساند النظام، وإن قالت بما تؤمن به من حرية وعدالة وتغيير وإصلاح، ستظهر بمظهر المنقضّ على النظام عند أول اختبار.

ويعتقد العمور أن «الأمر في الموضوع السوري تجاوز الاحراج ليصل حد الاختبار وهذه فاتورة تدفع كنتيجة للاقتراب من أي نظام عربي، وهو ما يبدو أنه لم يُفهم ولم يُدرك لهذه اللحظة، ويجب الابتعاد قدر الممكن عن التحالف مع الأنظمة الرسمية العربية لأننا، فلسطينيا، دفعنا ثمنا باهظا جراء هذا الاقتراب وهو على ما يبدو يتكرر الآن مع حماس التي قد تستبدل الاقتراب مع طرف عربي آخر».

ويشير العمور إلى أن «حماس تمر بمنعطف تحول غاية في الخطورة، ويبدو أن موقعها في السلطة جعلها تلتفت للبيئة الاقليمية والتعاطي مع كثير من المتغيرات الحاصلة، وهذا التعاطي قد لا يؤتي بما هو متوقع، فمقتضيات العمل السياسي الرسمي تختلف وأكثر تكلفة من مقتضيات العمل من خارج هذا الإطار»، مشيراً إلى أن «حماس لم تعد جزءاً من المشهد الفلسطيني فقط بل باتت جزءا من المشهد العربي والإقليمي، وهو ما يضع أمامها كثيرا من التحديات التي تختلف عن تحديات تواجه أي حركة مقاومة وتحرر وطني».

من جهته، يرى المحلل السياسي والخبير في شؤون الحركات الإسلامية عدنان أبو عامر أن «حماس تسير في حقل من الألغام في الموضوع السوري وتدرك تماماً أن أي خطأ يمكن أن يفجر الأوضاع أكثر».

ونوه أبو عامر في حديث لـ«السفير»بأن «حماس في حساباتها تحاول المفاضلة بين موقف صعب وموقف أقل صعوبة، لكنها في وضع صعب لا تحسد عليه، مقدراً أنها تفاجأت بتدهور الأوضاع في سوريا».

ويوضح أبو عامر أن «عدم خروج موقف من حماس تجاه الأحداث في سوريا يوضح حجم الإرباك لديها، وخاصة أن الحياد لن يساعدها لو استمرت الأزمة السورية أو انتهت بصفقة كما يروج له في هذه الأوقات».

ويقدر أبو عامر أن «شهر العسل» بين «حماس» والنظام السوري انتهى لكن الأمر لن يصل إلى طلاق بينهما، خاصة أن النظام يحتاج إلى وجود «حماس»، وفق قوله.

وأعلنت «حماس» السبت الماضي في بيان أنه منذ «اللحظة الأولى لاندلاع الأحداث في سوريا، نصحت الحركة القيادة السورية بعدم التعامل الأمني مع إرادة الشعب وذلك انطلاقا من الحرص على الدم السوري وعلى استقرار البلاد «. وأوضحت «حماس» أن تحرك رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل للوساطة في حل الازمة السورية «جاء لأن هناك مئات الآلاف من الفلسطينيين في سوريا، الأمر الذي يستلزم حماية مصالحهم وتجنيبهم أية تداعيات للأحداث»، مشيرا الى «أن هذا هو الدافع الأساسي لتحرك حماس للوساطة».

ورفضت «حماس» في بيانها انتقادات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه تجاه وساطتها في الأزمة السورية، موضحة أن ما تقوم به مع جامعة الدول العربية «عمل قومي». وكان عبد ربه قد انتقد بشدة قيام خالد مشعل بوساطة لدى الجامعة العربية التي وصفها بأنها «لمصلحة النظام السوري»، وقلل عبد ربه من إمكانية نجاح هذه الوساطة، موضحا أنه «لا يعتقد أن مشعل بمقدوره أن يسهم في حل الأزمة السورية».