خفض الفائدة الأميركية...انقسامات داخل البنك الفيدرالي وسط ضغوط ترامب

زمن برس، فلسطين: يستعد مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" لخفض أسعار الفائدة، بالرغم من الانقسامات العميقة بين مسؤوليه بشأن اتجاه الاقتصاد الأميركي، وذلك بحسب اقتصاديين أكاديميين بارزين. ومن المقرر أن تجتمع لجنة السياسة النقدية المسؤولة عن تحديد أسعار الفائدة، اليوم الثلاثاء، بينما يتوقع غالبية المستثمرين أن يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية للمرة الثالثة على التوالي في اليوم التالي.
ويتفق معظم الاقتصاديين الذين استطلع مركز "كلارك" في كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو آراءهم لصالح صحيفة فاينانشال تايمز مع رؤية الأسواق، إذ يرى 85% من بين 40 مشاركاً في الاستطلاع أن "الاحتياط الفيدرالي" سيخفض أسعار الفائدة، استجابة لمخاوف من ضعف سوق العمل الأميركية، غير أنهم يعتقدون أن اللجنة ستكون منقسمة على الأرجح بشأن خطوة يُتوقع أن تجعل النطاق المستهدف عند أدنى مستوياته منذ أكثر من ثلاث سنوات، في وقت تتزايد فيه المخاوف من أن الأميركيين العاديين يواجهون ضغوطاً متصاعدة على القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة، بسبب ارتفاع الأسعار.
وأمضى أعضاء لجنة السياسة النقدية الفترة التي سبقت التصويت النهائي لعام 2025 في مناقشة ما إذا كان ينبغي إعطاء الأولوية لسوق العمل الأميركية الضعيفة على حساب معدل التضخم الذي ظل أعلى من هدف البنك المركزي البالغ 2% منذ ربيع 2021.
رؤساء "الاحتياط" الاقليميين
وقال عدة رؤساء لبنوك الاحتياط الفيدرالي الإقليمية إنه على الرغم من أنهم لم يؤيدوا خفض الفائدة السابق في أكتوبر/تشرين الأول، فإنهم سيدعمون خفضاً جديداً اليوم، بسبب القلق من تزايد التضخم في قطاع الخدمات المهيمن، مشيرين إلى أن ذلك يحدث في وقت لم يتضح فيه بعد الأثر الكامل لرسوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمركية على أسعار الواردات الأميركية.
وكان رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك، جون ويليامز، قد ألمح في أواخر الشهر الماضي إلى أنه، ومعه أعضاء قياديون آخرون في اللجنة، سيدعمون خفضاً جديداً بمقدار ربع نقطة مئوية، في نوع من التأمين ضد مزيد من التباطؤ في سوق العمل الأميركية. ومع ذلك، قال مشارك واحد فقط في استطلاع "فاينانشال تايمز" إن الاثني عشر عضواً الذين يملكون حق التصويت في اللجنة الفيدرالية سيتمكنون من تجاوز خلافاتهم والتصويت بالإجماع لصالح خفض الفائدة، في حين رأى 60% من المشاركين أنه ستكون هناك حالتا اعتراض، بينما توقّع ثلث آخر أن يصل عدد المعترضين إلى ثلاثة أو أكثر.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة براندايس، ستيفن تشيتشيتي، إنه "إذا كان منطق المعترضين هو أن اللجنة تخفق في تحقيق هدف التضخم، فإن ذلك قد يعزز مصداقية هذا الهدف". وأضاف "في الوقت نفسه، فإن انقسامات كبيرة سواء ترجمت إلى أصوات معارضة أم لا تثير تساؤلات بشأن الأهداف الجماعية للجنة الفيدرالية". ولم يشهد أي اجتماع للجنة أكثر من صوتين معترضين منذ سبتمبر/أيلول 2019، بينما تعود آخر مرة تجاوز فيها عدد الأصوات المعترضة ثلاثة أصوات إلى عام 1992.
المعارضون للخفض
ويُرجّح أن يصوت ضد خفض الفائدة رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في كانساس سيتي، جيف شمد، الذي عارض القرار أيضاً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. كما ألمحت رئيسة بنك الاحتياط الفيدرالي في بوسطن، سوزان كولينز وأوستن غولسبي من شيكاغو، إلى أنهما قد ينضمان إلى شمد في التصويت ضد رأي الأغلبية هذه المرة، كما ألمح مايكل بار، أحد محافظي مجلس الاحتياط الفيدرالي إلى أنه يرى أن هناك هامشاً ضيقاً لخفض أسعار الفائدة، في حين من شبه المؤكد أن يدعو نظيره في المجلس، ستيفن ميران، مجدداً إلى خفض كبير بمقدار نصف نقطة مئوية.
ويُعتبر ميران حليفاً مقرّباً من ترامب، ويشاطر الرئيس الأميركي رغبته في خفض سريع لأسعار الفائدة. وبعد عدة سنوات قوية، يعتقد كثيرون من مسؤولي "الاحتياط الفيدرالي" أن سوق العمل الأميركية بدأت تضعف، فقد أظهر أحدث تقرير صادر عن مكتب إحصاءات العمل الأميركي أن الاقتصاد الأكبر في العالم أضاف عدداً من الوظائف في سبتمبر/أيلول فاق التوقعات، غير أن معدل البطالة ارتفع قليلاً، وتشير أحدث بيانات صادرة عن القطاع الخاص إلى أن الشركات الأميركية تُقدم على تسريح عدد أكبر من العمال.
واتفق العديد من المشاركين في الاستطلاع مع الصقور داخل اللجنة الفيدرالية على أن البنك المركزي الأميركي بحاجة إلى التركيز بدرجة أكبر على مكافحة التضخم، أكثر من تركيزه على الحفاظ على قوة سوق العمل، إذ رأى 48% أن السيطرة على الأسعار ينبغي أن تكون هي الأولوية، مقابل 5% فقط رأوا أن التركيز يجب أن ينصب على الوظائف، بينما يريد الباقون إعطاء جانبَي التفويض المزدوج للاحتياط الفيدرالي وزناً متساوياً.
وقالت أستاذة الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ديبورا لوكاس، إنه من "الأفضل أن تتخلى الولايات المتحدة عن التفويض المزدوج لصالح تفويض يركّز حصراً على التضخم". وأضافت "لم يُثبت الدليل التجريبي بشكل قوي وجود رابط مباشر يمكّن السياسة النقدية من التأثير الكبير في التوظيف".
توقعات بالخفض
وفي استطلاع رأي لرويترز نشرته في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، توقّع أكثر من 100 اقتصادي أن يخفض "الاحتياط الفيدرالي" سعر الفائدة الأساسي بربع نقطة مئوية في اجتماعه اليوم، دعماً لسوق عمل آخذة في التباطؤ. وأشار نحو نصف المشاركين إلى أن الفائدة قد تُخفض لاحقاً إلى نطاق بين 3.25% و3.50% في الربع التالي.
وغير بنك "جيه بي مورغان" الاستثماري توقعاته، وأعلن في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 أنه ينتظر الآن خفضاً بمقدار ربع نقطة مئوية، بعد أن كان يرجّح سابقاً بقاء الفائدة دون تغيير حتى يناير/كانون الثاني. وربط البنك الأميركي هذا التحول بتصريحات من مسؤولين بارزين في الفيدرالي، وعلى رأسهم رئيس بنك نيويورك جون ويليامز.
وتراجع بنك مورغان ستانلي الاستثماري عن موقفه السابق الذي استبعد خفض الفائدة هذا الشهر، وعاد أول من أمس السبت ليتوقع خفضاً بمقدار ربع نقطة مئوية، مستنداً إلى بيانات أميركية أضعف من المتوقع وتصريحات من مسؤولين في "الفيدرالي". ويرى البنك أن هذا الخفض قد يتبعه المزيد في 2026، مع بلوغ سعر الفائدة النهائي في نطاق 3% إلى 3.2%.
تدخلات ترامب
وسبق اجتماع "الفيدرالي" بيوم واحد، جلسة المحكمة العليا الأميركية التي استمعت، أمس الاثنين، إلى مرافعات في قضية محاولة الرئيس دونالد ترامب إقالة مفوضة من لجنة التجارة الفيدرالية، في خطوة تمهّد لجلسة أخرى في 21 يناير/كانون الثاني بشأن مسعاه لعزل عضوة مجلس الاحتياط الفيدرالي ليزا كوك. وهاتان القضيتان ستحددان ما إذا كان بإمكان الرئيس توسيع سلطته في عزل مسؤولي الهيئات المستقلة، ومنها البنك الفيدرالي، أم الإبقاء على الاستثناء الذي لمَّحت إليه المحكمة سابقاً لحماية استقلال البنك الأهم في العالم.
وأي حكم يقيّد الحماية القانونية لأعضاء مجلس الفيدرالي قد يسهّل على ترامب إعادة تشكيل المجلس بأعضاء يميلون إلى خفض أسرع لأسعار الفائدة، في وقت يواصل فيه انتقاد البنك المركزي لعدم التحرك بالسرعة الكافية لتقليص أسعار الفائدة، بعدما عين هذا العام العضو ستيفن ميران المؤيّد بقوة لخفض الفائدة. وتزيد هذه الملفات القضائية من ترقب الأسواق لأي مساس باستقلال قرار الفائدة، إذ يمكن لأي تغيير في القواعد أن يبدّل توقعات مسار أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وتكلفة الاقتراض على الأسر والشركات.
ويؤكد بعضُ مسؤولي "الاحتياط الفيدرالي" الذين يفضّلون تشديد السياسة النقدية أن نمو الاقتصاد الأميركي ما زال قوياً نسبياً، ويلفت آخرون إلى أن هذا النمو يعتمد بدرجة كبيرة على الطفرة في أنشطة الذكاء الاصطناعي والقطاعات المرتبطة به، وهي طفرة ساعدت على زيادة الاستثمار، ودعم الإنفاق الاستهلاكي بفضل ارتفاع تقييمات أسهم شركات التكنولوجيا.




