تهويد تعليم القدس... تصاعد مخططات الاحتلال المفضوحة

تهويد تعليم القدس... تصاعد مخططات الاحتلال المفضوحة

زمن برس، فلسطين:  تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي محاولات فرض المناهج التي تخالف التوجهات الوطنية الفلسطينية على طلاب القدس المحتلة، عبر سلسلة قرارات داخلية، وتشريعات من قبل "الكنيست" أو وزارة "المعارف"، تتضمن تنقيلات لمديرين ومعلّمين داخل المدارس المقدسية، وخاصّة في بلدة سلوان.

وتنقسم المدارس في القدس إلى عدة أنواع؛ فمدارس الأوقاف الإسلامية والمدارس الفلسطينية الخاصة تدرّس المنهاج الفلسطيني، وكانت مدارس وكالة "أونروا"، قبل إغلاقها خلال هذا العام، تعتمد المنهاج ذاته، أما المدارس الخاصة التي تحصل على دعم إسرائيلي، فإنها تُجبر على إدخال مواد من المنهاج الإسرائيلي، بينما تعتمد المدارس التابعة لبلدية الاحتلال المنهاج الإسرائيلي المعروف بـ "البجروت".

وتعمّدت سلطات الاحتلال في بداية العام الدراسي جلب معلمين ومديرين من خارج القدس، بعضم يحملون أفكاراً متماهية مع مخطط التهويد، أو يطمحون لمناصب تغريهم بها وزارة المعارف الإسرائيلية؛ كما منعت الدعم عن المدارس الفلسطينية الخاصّة والتابعة للأوقاف، ومُنعت أيضاً من زيادة صفوفها بالمخالفة للقانون.

ويوضح رئيس مجلس أولياء أمور الطلبة في سلوان، رمضان طه، لـ"العربي الجديد"، أن "أهالي القدس لديهم خبرة في التعامل مع الظروف، لأنهم أبناء هذه البيئة ويدركون خطورة الواقع. للمدارس المسيحية خصوصية، ويكون مديرها مسيحياً، وينبغي أن يكون مديرو المدارس ذات الأغلبية المسلمة مسلمين، وألا تعين سلطات الاحتلال فيها مديرين مسيحيين، كما فعلت هذا العام في 4 مدارس، إضافة إلى مدارس أخرى جلبت لها معلمين من المناطق المحتلة عام 1948، وهؤلاء لا تحكمهم الضوابط المرتبطة بخصوصية مدينة القدس".

22,966 طالب فلسطيني درسوا المنهاج الإسرائيلي في العام الدراسي (2024–2025)، بنسبة 27%، رغم أن المنهاج المطبق في مدارس القدس لا يشبه المعتمد للطلبة اليهو

ويضيف طه: "ما يحدث يعود جزئياً إلى تقصير المقدسيين، إذ إن التوعية ضعيفة بشأن خطورة المنهاج الإسرائيلي، وعندما ظهر (البجروت) لأول مرة قبل 8 سنوات، سجّل فيه نحو 150 طالباً، وبعد تحدث مجلس أولياء الأمور مع ذوي الطلبة، تراجع عن التسجيل نحو 110 منهم، لكن بعد ذلك تراجعت التوعية، وزادت الحملات الإسرائيلية المكثفة لفرض المنهاج".

ويوضح أن "عدم وجود ترغيب فلسطيني فعلي لتلقي التعليم في القدس يمثل مشكلة أساسية، فالوسيلة الوحيدة حالياً هي ميزة 5 علامات عند التسجيل في الجامعات، وهي حافز غير كافٍ، لأنهم بحاجة لما يقنع الطالب وذويه بأن رفض البجروت ليس نهاية المطاف، ولهذا السبب يلجأ أولياء الأمور إلى سياسة الإضراب التي تحمل أهمية رمزية، لكنها لا تجبر الاحتلال على التراجع".

وبحسب جمعية "عِير عَمّيم" (منظمة حقوقية إسرائيلية)، فإن العام الدراسي (2024–2025) شهد ارتفاعاً في عدد الفلسطينيين الملتحقين بالمنهاج الإسرائيلي، ليصل إلى 22,966 طالباً مقدسياً، أي 27% من طلاب الفئة العمرية بين 6 و17 سنة. وتزعم المؤشرات الإسرائيلية أن نسبة الطلبة المقدسيين الذين سجلوا بالمنهاج الإسرائيلي هذا العام تبلغ نحو 48%. ويرى كثيرون أن هذا الرقم مبالغ فيه.

مدرسة لـ"أونروا" في مخيم شعفاط، 6 مايو 2025 (أحمد غرابلي/ فرانس برس)

مدرسة "أونروا" بمخيم شعفاط قبل إغلاقها، 6 مايو 2025 (أحمد غرابلي/فرانس برس)

ويؤكد رئيس مؤسسة فيصل الحسيني لدعم التعليم بالقدس، عبد القادر الحسيني، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك مخططا يمتد حتى عام 2028، لإلغاء المنهاج الفلسطيني بالكامل، بما في ذلك المواد التي تعرضت لتحريف في المضمون، والبجروت المطبق في مدارس القدس لا يشبه المعتمد للطلبة اليهود، ولا يشبه كذلك التعليم المقدم للعرب الفلسطينيين في الداخل المحتل، بل هو منهاج مختلف يدفع الطلبة إلى موقع هامشي في أسفل المنظومة بعيداً عن دوائر صنع القرار بعد التخرّج، وثمّة فجوة هائلة بين ما يقدم من تعليم وموازنات للطلبة اليهود وعرب الداخل، وبين ما يحصل عليه طلبة القدس". 
ويضيف: "مجموعات كبيرة من المقدسيين تعمل في القطاعين الصحي والتعليمي، وهو أمر فُرض عليهم بموجب القانون الإسرائيلي، ونتيجة هذا الاندماج، تسعى إسرائيل للسيطرة عليهم، وتستخدم التعليم كسلاح لهذا الغرض، خاصّة وأنهم يحتاجون المقدسي في هذه المجالات، كونهم قوّة عاملة رئيسية، لا سيّما وأن غالبية يهود القدس لا يعملون في هذه القطاعات. الدعم الموجه للتعليم المقدسي شهد تراجعاً بفعل الظروف المحلّية والدولية، لكنه لم ينقطع، وهناك نتائج إيجابية على صعيد الدعم المحلّي".

تقاوم مدارس القدس المنهاج الإسرائيلي، 6 مايو 2025 (أحمد غرابلي/ فرانس برس)

تقاوم مدارس القدس المنهاج الإسرائيلي، 6 مايو 2025 (أحمد غرابلي/فرانس برس)

ويشير الحسيني إلى أن "المدارس المقدسية تعاني من أعباء مالية هائلة نتيجة الضرائب، وعلى رأسها ضريبة (الأرنونا). لا يعقل أن تكون ضريبة مدرسة أكبر من دخلها، والواقع أن هذه السياسات تؤسس لمرحلة لاحقة يتم فيها ملاحقة المدارس أمام المحاكم الإسرائيلية، كأداة للسيطرة وإضعاف المجتمع، وإن كان يمكن مواجهتها بتوفير المال، لكنه لا يكفي، إذ يتطلب الأمر تحركاً قانونياً وشعبياً ودبلوماسياً، مع مخاطبة المجتمع الدولي ومؤسساته العاملة في القدس".
وحول أساليب مواجهة المخططات، يقول رمضان طه: "يفترض مخاطبة ذوي الطلبة عبر وسائل الإعلام، أو العشائر، أو المؤسسات الوطنية لتشكيل حملة ممنهجة، مع التنبيه على أن من يحصل على البجروت لا يمكنه التسجيل في الجامعات الفلسطينية، ولا الحصول على وظائف في المؤسسات الفلسطينية، وكذلك التركيز على أن تكون هناك مخاطبة من المستوى الرسمي الفلسطيني للمسؤولين عن الفئات التي تتماهى مع مخططات الاحتلال".
ويرى عبد القادر الحسيني أن "المكونات الفلسطينية عليها وضع محددات لهذا الأمر، بحيث يكون الانفتاح مرحباً به، لكن ليس على حساب حقوق المقدسيين، ووضع مدينتهم، كون القدس لها خصوصية في قضية التعليم، كما أن هناك أساليب جديدة في النضال المقدسي يجب اللجوء إليها، ومنها تشكيل النقابات من جديد، خاصة داخل المؤسسات التعليمية، فالمعلمون إذا لم يتجهوا إلى العمل النقابي ستسحبهم إسرائيل واحداً تلو الآخر، ومن يرفع صوته ضد الاحتلال سيتم استبداله، وكذلك عبر إشراك الطلبة والأهالي في تفعيل مجالس أولياء الأمور، والتي حققت نتائج إيجابية في بعض الأحيان، كي لا يتحول أبناؤهم إلى مجرد أيدٍ عاملة رخيصة في منظومة لا تضع مصلحة المجتمع الفلسطيني ضمن أولوياتها".
ويضيف: "المسؤولية لا تقع على عاتق المقدسي وحده، بل تتطلب انخراط المؤسسات الرسمية الفلسطينية أيضاً، سواء التابعة للسلطة أو منظمة التحرير، وعلى هذه الجهات تقديم الدعم اللازم لتمكين المؤسسات التعليمية المقدسية من الصمود. المعالجات التمويلية الحالية تشبه الإسعافات الأولية لمعالجة الجروح العميقة، بينما تتطلب هذه القضايا حلولاً جذرية تقوم على التضامن وإنشاء الاتحادات والنقابات. إذا تركنا مدارس سلوان وحدها فنحن جميعاً خاسرون، وإذا تركنا المعلم وحده فنحن خاسرون، وحينها ستتواصل المخططات التي نراها تُنفذ على الأرض".

وفي تصريحات سابقة، أكد رئيس لجنة أولياء أمور الطلبة في مدارس القدس، زياد الشمالي، لـ"العربي الجديد"، أن "الهجمة على قطاع التعليم في القدس لا يمكن فصلها عن سلسلة الإجراءات الإسرائيلية ضد المدينة، من اقتحامات المسجد الأقصى، إلى هدم المنازل، وصولاً إلى محاولات فرض السيطرة على المنظومة التعليمية. حرمان الفلسطينيين من البدائل سيترك للأهالي خياراً وحيداً هو إرسال أبنائهم إلى المدارس الإسرائيلية، ما يزيد من أعداد الطلاب الذين يتعلمون وفق المنهاج الإسرائيلي، الأمر الذي يشكل خطراً مباشراً على الهوية الوطنية الفلسطينية".

وفي الأول من سبتمبر/أيلول الماضي، والذي تزامن مع أول أيام العام الدراسي في مدينة القدس المحتلة، شارك العشرات من أولياء التلاميذ في إضراب بمدارس تضم أكثر من ثمانية آلاف طالب، استجابة لدعوة اتحاد لجان أولياء الأمور، رفضاً لإجراءات وقرارات بلدية الاحتلال الإسرائيلي بحق المدارس في سلوان ورأس العامود.
ويرفض الأهالي إجراءات مثل نقل طلاب سلوان من مدرسة سلوان الإعدادية إلى مكان آخر، وتحويل المدرسة إلى المنهاج الإسرائيلي، مع جلب طلبة من خارج سلوان إليها، كما يرفضون محاولات تحويل المدارس بشكل عام إلى المنهاج الإسرائيلي، إضافة إلى مطالب عديدة تتعلق بإدارة المدارس، وأزمات السير، والوصول الآمن إلى المدارس.