قلق في لبنان وخشية من توسّع العدوان: سعي إسرائيلي لتثبيت وقائع على غرار الترتيبات الأمنية مع سورية

قلق في لبنان وخشية من توسّع العدوان: سعي إسرائيلي لتثبيت وقائع على غرار الترتيبات الأمنية مع سورية

زمن برس، فلسطين:  يعيش لبنان حالة من القلق، في ظلّ وقائع تريد إسرائيل تثبيتها بالبلاد، على غرار ما تسعى إلى فعله في سورية من خلال ترتيبات أمنية مع دمشق، وبعد تصريحات أدلى بها المبعوث الأميركيّ، الإثنين الماضي، وكان قد ذكر خلالها أنّ تل أبيب ستبقى في المناطق التي تحتلّها في لبنان. وفي المقابل، تضغط الإدارة الأميركية على دمشق وتل أبيب، بُغية التوصّل إلى اتفاق أمنيّ، يُعلَن عنه خلال تواجُد الرئيس السوري، أحمد الشرع، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو في نيويورك بزيارة لم يُجرِها الأخير بعد.

جاء ذلك بحسب ما أوردت تقارير صحافية، اليوم الأربعاء، من بينها ما أوردته صحيفة "المدن" اللبنانية، عبر موقعها الإلكترونيّ، مشيرة إلى أن تصريحات المبعوث الأميركي، توماس باراك، تعني "تراجعه عن مضمون ورقته التي لم تعط إسرائيل موافقتها عليها أساسا، كما أنها أطاحت بكل بنود اتفاق 26 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي".

في حين أكّد تقرير لصحيفة "العربي الجديد"، أنّ تصريحات باراك، "أثارت صدمة في الساحة اللبنانية، التي تعاني أساسا من استقرار هشّ"، مشيرة في هذا السياق إلى أنه، قد بدّد أجواء التفاؤل الذي ساد بعد مقرّرات الحكومة اللبنانية، بشأن حصرية السلاح، وأعاد إحياء مخاوف من توسّع رقعة العدوان الإسرائيلي.

وفي تصريحات أدلى بها بمقابلة تلفزيونية، أكد باراك أن إسرائيل لن تنسحب من النقاط الخمس، وأن الوضع في لبنان صعب، كما أن حزب الله يعيد بناء قوّته. كما حمّل المسؤولية للحكومة اللبنانية، وذكر أن"البعض يريد أن تفعل الولايات المتحدة كما فعل الرئيس دوايت أيزنهاور، ويريدون من الرئيس دونالد ترامب، أن يرسل قوات المارينز لحلّ كل شيء. هذا لن يحدث".

وذكر أنه في حال أرادت الحكومة استعادة الاستقرار فعليها أن تعلن بوضوح نيتها نزع سلاح حزب الله، عادّا أن كل ما يفعله لبنان هو "كلام، ولم يحدث أي عمل فعلي"؛ كما لفت لى أن الحكومة اللبنانية، تتردّد خوفا من اندلاع حرب أهلية، وأن "الجيش اللبناني منظمة جيدة، ولكنه ليس مجهزاً بشكل جيد"، عادا أن السلام في المنطقة، وهم.

ووفق تقرير "العربي الجديد"، فإنه على الرغم من أن ما صرّح به باراك كان قد نقله خلال جلساته مع مسؤولين لبنانيين، إلا أنه لم يعلن عنه بهذا "الوضوح والصراحة"؛ الأمر الذي أثار استياءً كبيرا في الأوساط السياسية اللبنانية، وبخاصّة أنه يعطي ذريعة لإسرائيل للاستمرار في هجماتها العدوانية، ويُعدّ بمثابة "ضوء أخضر" مسبق، لأي توسيع للعمليات العسكرية.

كما أنه يشكّك بكل الخطوات التي قامت بها الحكومة اللبنانية، رغم أنها حظيت بإشادة عربية ودولية واسعتين، حتى من قِبل المبعوث الأميركيّ ذاته، والذي كان قد عدّ بعد إقرار لبنان أهداف الورقة الأميركية، وتكليف الجيش بوضع خطة تطبيقية لحصر السلاح، في جلستي الخامس والسابع من آب/ أغسطس الماضي، أنه بات على إسرائيل أن تقوم بخطوة مقابلة، وذلك قبل أن يتراجع، ويتبنى كامل السردية الإسرائيلية.

وفيما أشار تقرير صحيفة "المدن" إلى أن السؤال حاليا في لبنان، هو ما إذا كانت التصريحات، تعبّر فعلا عن السياسة الأميركية تجاه المنطقة ومن ضمنها لبنان، أضاف أن "خلاصة واضحة تتكوّن؛ هي أن إسرائيل قد تجاوزت كل الاتفاقات السابقة، وهي تسعى إلى فرض وقائع جديدة".


(Getty images)

ونقلت "العربي الجديد" عن مصادر لبنانية رسميّة، قولها إن "كلام باراك مستغربٌ جدا؛ صحيح أنه طالب لبنان بخطوات عملية أكبر، ولكنه استمع إلى الهواجس اللبنانية وإلى العوائق أمام تنفيذ الجيش خطته كما يجب، من بينها استمرار الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس وحاجته إلى الدعم".

وأضافت المصادر ذاتها "كان هناك تفهّم لها، كما اعتبر أن ما قامت به الحكومة ملفتٌ وتوقّف عنده بإيجابية"، لافتة إلى أن "لبنان سيواصل دعواته للمجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف خروقاتها لاتفاق وقف الأعمال العدائية الذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وكذلك لدعم الجيش اللبناني، بغية تطبيق خطته والقيام بالمهام الكبرى الملقاة عليه في هذه المرحلة".

خشية من توسّع العدوان الإسرائيليّ... بيروت لم تتحصّل على ضمانات

وأشارت المصادر إلى أن الرئيس اللبناني، جوزيف عون، قد "نقل موقف لبنان إلى جميع الذين التقاهم في نيويورك، ومن بينهم وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، وكان هناك تشديد على مضيه والحكومة بقرار حصر السلاح بيد الدولة، والالتزام بالقرارات الدولية، كما القيام بالإصلاحات المطلوبة على الصعد كافة، وعرَض العديد من الخطوات التي قام بها لبنان في هذه الملفات، وكان هناك تنويه حتى أميركي بما يقوم به العهد الجديد في لبنان، واتخاذه قرارات وُصفت بالتاريخية".

وأضافت المصادر ذاتها، أنه "كانت هناك مطالبة في المقابل بضرورة الضغط لوقف خروقات إسرائيل سريعا، وانسحابها من النقاط التي تحتلها وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، إلى جانب طلب دعم الجيش اللبناني لأداء مهامه، وبدء مسار إعادة الإعمار، لكن لبنان لم يحصل على أي ضمانة حتى الساعة بذلك".

وأكدت أن "القلق لا يزال موجودا طبعا، وحتى عربيا ودوليا من توسّع العدوان الإسرائيلي، وبخاصة بعد التصعيد الأخير، وما ارتكبه العدو من مجزرة في بنت جبيل، وقبلها في البقاع وبعلبك والجنوب، وكذلك بعد العدوان أيضا على قطر. لبنان يواصل تكثيف اتصالاته ودعواته للخارج بضرورة الضغط على اسرائيل لتنفيذ مضمون اتفاق وقف الأعمال العدائية".

"الوهم اللبناني بسياسة كسب الوقت"

ووفق تقرير "المدن"، فإنه "ثمّة ثابتة واحدة تتأكد، وهي أن المشروع الذي يسعى إليه بنيامين نتنياهو هو مسار مستمر، لا يريد له أن يتوقف، ولا وجود لإرادة أميركية لإيقافه"، فيما تتواصل اعتداءات تل أبيب على دول المنطقة.

وذكر التقرير أن التصريحات الأميركية الأخيرة بشأن لبنان، والممارسات الإسرائيلية، "تشير بوضوح إلى وجوب الخروج من حالة الوهم التي يحاول اللبنانيون أو السوريون أو الفلسطينيون اصطناعها".


من موقع قصف إسرائيليّ بلبنان (Getty images)

ووفقه، فإنه "خلال زيارات باراك للبنان، وما بعدها، وصولا إلى قرار الحكومة في 5 أيلول/ سبتمبر، بنى اللبنانيون أوهاما جديدة، تتّصل بسياسة كسب الوقت، واعتبار أنّ واشنطن توافق على الصيغ اللبنانية".

كما عدّ اللبنانيون قبل ذلك، "أنهم نجحوا في إبرام اتفاق مع باراك، وحينها وجّه الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) غمزاته، متهما السعودية بأنها هي التي عرقلت هذا الاتفاق مع باراك، ليأتي الموفد الأميركي بموقفه الأخير ويطيح بكل السردية، وبكل ما حاول اللبنانيون بناءه".

عنصر ضغط أكبر على الدولة اللبنانية

وذكر التقرير أن المبعوث الأميركي، ذهب أبعد من ذلك، عندما أشار بوضوح إلى أن واشنطن لن تسلّح الجيش اللبناني، ليقف في وجه إسرائيل، وأن القوات الأميركية لن تعود إلى الشواطئ اللبنانية، ولن تطرق أبواب المواطنين الشيعة لتعمل على سحب السلاح، وأن هذه مهمّة لبنانية على الجيش اللبناني أن يقوم بها.

وأضاف باراك أن اللبنانيين الذين لا يجتهدون إلا بالكلام هم المعنيون بالتصرّف لسحب السلاح، مشيرا إلى أنهم يخافون من حصول حرب أهلية.

ووفق التقرير، فقد "أحرج باراك بكلامه الجميع، وشكل موقفه عنصر ضغط أكبر على الدولة اللبنانية".

صراع دائم مع "الأقوى"... غطاء أميركي كي توسّع إسرائيل عدوانها؟

والأهم هو اعتبار باراك أن السلام هو وهم في هذه المنطقة، وأن هناك صراعا دائما وقائما مع الطرف الذي يريد أن يكون هو الأقوى؛ ومن الواضح أنّه ينظر إلى إسرائيل كطرف منتصر وصاحب القوة، وذلك يشير بوضوح إلى الممارسات الإسرائيلية التي ترفض تل أبيب من خلالها أي اتفاق سلام، حتى أنها ترفض الاتفاقات السابقة وتطيحها، من اتفاقية كامب ديفيد مع مصر إلى اتفاقية وادي عربة مع الأردن، وحتى تجاوز تفاهم 1974 مع سورية" "سعيا وراء اتفاق ترتيبات أمنية جديدة، وهو ما تسعى إلى تكريسه في لبنان أيضا من خلال ضرب كل الاتفاقات السابقة، ورفض العودة إلى اتفاق هدنة الـ1949".


المبعوث الأميركيّ، باراك (Getty images)

ولفت التقرير إلى أن كلام باراك "بدا كأنه يمنح غطاء لإسرائيل في حال قررت توسيع عملياتها العسكرية في لبنان، وهي التي ارتكزت على توغّلات برية في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، لتفرض الوقائع العسكرية والأمنية التي تريدها، وهو ربما ما تفكر في استنساخه على الساحة اللبنانية".

ويأتي ذلك وسط تصاعد الحديث الإسرائيلي عن احتمالات شن عملية عسكرية ضد حزب الله لتفكيك بنيته، وفي ظلّ خشية من تفكير إسرائيلي في العودة إلى عمليات التوغل البري لفرض وقائع، وبعدها استدراج الآخرين إلى المفاوضات كما تريدها.

ما النقاط العالقة بشأن الترتيبات الأمنية بين تل أبيب ودمشق؟

في السياق، يواصل باراك والإدارة الأميركية الضغوط على سورية وإسرائيل، من أجل التوصل إلى اتفاق ترتيبات أمنية.

وأورد التقرير أن "بعض نقاط التفاوض العالقة هي: تشديد إسرائيل على جعل الجنوب السوري منطقة خالية من السلاح، وضبط التحرك العسكري للجيش السوري، والسعي لإحلال قوى الأمن الداخلي فقط، وسحب السلاح الثقيل"، مشيرا إلى أن هناك نقطة لا تزال غير واضحة، وهي الأمر المتعلق بالسويداء، وإدخال فرقة جديدة من الأمن الداخلي إلى المحافظة، مقابل أن يتم الضغط الدولي على الشيخ حكمت الهجري، للموافقة على إدخال قوة الأمن الداخلي التي تشكلت، مؤخرا، بقيادة سليمان عبد الباقي.


الرئيس اللبنانيّ عون، ورئيس الحكومة نوّاف سلّام (Getty images)

أما النقطة الثالثة، فهي إصرار إسرائيل على حرية الحركة في الأجواء السورية وتركها مفتوحة أمامها، كي تتمتع بحرية حركة تجاه إيران، بحسب التقرير الذي شدّد على أنه يبقى الأخطر أن إسرائيل تعمل على تجنيد سوريين في المناطق التي تحتلها مثل القنيطرة وغيرها، تمهيدا منها لمواصلة بناء أرضية اختراقها لسورية، إذا انسحبت لاحقا من هذه المناطق بموجب اتفاق أمني.

حزب الله: مخططات أميركيّة - إسرائيليّة بسورية يريدونها أن تنسحب على لبنان

بدوره، قال مصدر نيابي في حزب الله إن "تصريحات باراك معروفة، وليست بجديدة، لكنه أحيانا يغيّر في الطريقة والأسلوب، وكلّه للضغط على لبنان وعلى المقاومة وبيئة المقاومة، ولكنه لن ينجح بذلك"، بحسب ما نقلت عنه "العربي الجديد".

وذكر أن "الموفد الأميركي لم نعتبره يوما وسيطا، أو طرفا محايدا، فهو يعمل فقط لمصلحة إسرائيل، وقالها بالفمّ الملآن، إن أميركا لا تسلّح الجيش اللبناني ليقاتل إسرائيل، وهو ما كنّا ولا نزال نردّده في كل موقف ومناسبة، ولن تفعل يوما ذلك، لأن همّها الوحيد هو خدمة إسرائيل وأجندتها، وهذا ما نبّهنا الحكومة اللبنانية منه".

وأضاف أن "الحراك الذي يقوم به براك في سورية، لتنفيذ المخططات الأميركية الإسرائيلية؛ يريدونه أن ينسحب على لبنان، وذلك ضمن إطار مشروع إسرائيل الكبرى، وهو ما ينبّه منه دائما الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، ويكرره بأن إسرائيل لن تتوقف عن اعتداءاتها وخروقاتها، حتى لو سلّم سلاح حزب الله، فأطماعها كثيرة، ومخططاتها أكبر من ذلك".


مؤيدون لحزب الله بالضاحية الجنوبية لبيروت (Getty images)

وقال إنه "رغم كل ما فعلته الحكومة اللبنانية، لم تفعل إسرائيل شيئا، لا بل زادت وتيرة اعتداءاتها، وهي برفضها ورقة باراك تكون قد سقطت بالكامل، في حين أن تصريحاته تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بأي عمل عسكري، وتبرر لها مسبقا أي عدوان، وأميركا بالتالي لن تفعل شيئا من أجل الضغط عليها لوقف اعتداءاتها، لأن ما يريدونه واحد وهو إنهاء وجود حزب الله عسكريا، وحتى سياسيا، وهذا لن يحصل".

وشدّد على أنه يتوجّب على "الحكومة اللبنانية ألّا ترضخ لهذه الضغوط، وحزب الله فتح يديه للحوار والتفاهم حتى مع السعودية، شرط أن يكون بشأن كيفية مواجهة إسرائيل لا المقاومة، والدعوة لا تزال مفتوحة".