هل يمكن أن “تتعلم” أجسادنا تحمل البرد؟

هل يمكن أن “تتعلم” أجسادنا تحمل البرد؟

زمن برس، فلسطين:  قد تقشعر أبداننا عندما نشاهد شخصاً ما يرتدي ملابس خفيفة في الجو البارد أو يسبح على الرغم من انخفاض درجات الحرارة، أو يتجول أثناء تساقط الثلوج وكأنه في فصل الصيف، وقد يدفعنا هذا للتساؤل: هل يتحمل بعضنا الجو البارد أكثر من الآخرين؟ وهل تحمل البرد أمر من الممكن أن "تتعلمه" أجسادنا؟ 

تحمل البرد.. هل هو شيء يمكن أن "نتعلمه"؟ 

أثبتت الدراسات العلمية أن جسم الإنسان قد تطور ليتمكن من التأقلم مع درجات الحرارة المختلفة. وفيما يتعلق بالبرد تحديداً فهناك عدد من الطرق التي تتعامل فيها أجسامنا مع الجو البارد، وهي كالتالي: 

  1. التعود على البرد: وذلك عن طريق انخفاض الاستجابة للبرد وارتفاع درجات حرارة الجلد.
  2. التكيفات الأيضية: عن طريق توليد الحرارة من خلال استجابات مثل الارتعاش.
  3. التكيفات العازلة: الحفاظ على الحرارة داخل الجسم بطرق مختلفة مثل طبقات الدهون.

ويعتبر التعود على البرد هو الاستجابة الأكثر شيوعاً عند البشر. هذا ما يختبره معظمنا في أي وقت نتعرض فيه للبرد بشكل متكرر. فحين نستيقظ في الصباح الباكر لنجد أن الجو أكثر برودة من المعتاد تستغرق أجسامنا فترة لا تتجاوز الـ10 دقائق حتى تتعود على البرد المحيط.

وإذا كنت تعيش في جو بارد معظم الوقت سيصبح تعودك على البرودة أكثر فاعلية؛ لأن جسدك ببساطة "يتذكر" إحساس البرودة جيداً فيوفر على نفسه إشغال الجهاز العصبي المركزي بمحاولة فهم درجات الحرارة المحيطة، ففي كل مرة يتعرض فيها جسمك لنفس الجو البارد، فإنه يتذكره ويستجيب بشكل أقل، أي أنك لن ترتعش كثيراً وسيعتاد جسمك على درجة الحرارة وسيبقى جلدك أكثر دفئاً لفترة أطول.

يحدث هذا كذلك عندما تسبح في ماء بارد، في اللحظات الأولى ستجد أن أطرافك ترتعش، لكن بعد قليل سيتعود جسمك على شعور البرد ويصبح أكثر استرخاء. 


iStock\ تحمل البرد
iStock\ تحمل البرد

التأقلم مقابل التكيف

يختلف التأقلم مع البرد عن التكيف معه. فالتأقلم هو تغيير فسيولوجي بطيء للجسم يسمح له بالتعامل مع درجات الحرارة الباردة. يمكن أن يتم التأقلم على مدى بضعة أيام أو أسابيع أو حتى أشهر. أما التكيف فهو العملية الجينية التي يجب من خلالها أن يتغير مجتمع بأكمله لاستيعاب العوامل البيئية المتغيرة (بما في ذلك درجات الحرارة)، وقد يستغرق التكيف أجيالاً لتطويره.

يحدث التأقلم عندما تنخفض درجة حرارة الجسم الأساسية لفترة طويلة من الزمن بشكل متكرر. وعندها نرى المزيد من التكيفات العازلة طويلة المدى (تدفق الدم بشكل أفضل، وطبقات الدهون) التي تساعد أجسامنا على الحفاظ على الحرارة.

وخلال العقود الأخيرة، اكتشف العلماء أن هناك نوعاً خاصاً جداً من الدهون المسؤولة عن الحفاظ على دفء أجسامنا، خاصة في ظل التعرض المتكرر للبرودة، وهي الدهون البنية.

الدهون البنية: مدفأة جسمك

الأنسجة الدهنية البنية – المعروفة أيضاً باسم الدهون البنية أو BAT – هي نوع الدهون التي تساعد في الحفاظ على درجة حرارة الجسم.

يقول تشى تشيانغ لين، وهو أستاذ مساعد في معهد البحوث الطبية في أوتيكا: "تشير الدهون البنية إلى الأنسجة الدهنية البنية التي تستهلك الأحماض الدهنية لإنتاج الحرارة". "بالمقارنة مع الدهون البيضاء (الأنسجة الدهنية البيضاء)، تحتوي الخلايا الدهنية البنية على عدد أكبر من الميتوكوندريا ومحتويات أقل من الدهون. وتعمل الدهون البنية كمدفأة في أجسامنا لإبقائنا دافئين".

تقوم الدهون البنية بتحويل الطاقة من الطعام إلى حرارة، ولهذا السبب تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على دفء أجسامنا.

ويجادل بعض العلماء بأن الدهون البنية تطورت في وقت مبكر في الثدييات، وساعدتنا على التفوق على الأنواع الأخرى. إذ يولد الأطفال مع الكثير من الدهون البنية، لحمايتهم من البرد عند الولادة، ولكن التعرض الدائم للبرودة هو الذي يبني هذه الدهون لدى البالغين.

وقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يتعرضون لدرجات الحرارة الباردة بانتظام قد يكون لديهم المزيد من "الدهون البنية"، والتي تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على دفء أجسامنا.

يشرح لين: "الأفراد الذين يتعرضون بانتظام للبرد (مثل السباحين في فصل الشتاء) لديهم كفاءة توليد حرارة أعلى من الأفراد الأصحاء العاديين".

لا تساعد الدهون البنية في إبقاء الأشخاص المعرضين للبرد أكثر دفئاً فحسب، بل تشير الدراسات الحديثة أيضاً إلى أنها تلعب دوراً في الحفاظ على التوازن الأيضي لدينا، والذي يمكن أن يحمينا من الأمراض الأيضية، مثل مرض السكري من النوع 2 والسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية، كما يوضح لين.

ويقول: "أثناء التعرض للبرد، تنقل الأعصاب الموجودة تحت الجلد إشارة إلى الدماغ، الذي يرسل بعد ذلك إشارات إلى الدهون البنية أو العضلات الهيكلية لتوليد الحرارة". "لذلك، فإن التعرض المنتظم للبرد من المحتمل أن يزيد من استهلاك السعرات الحرارية وقد يكون مفيداً في الوقاية من السمنة".


iStock\ تحمل البرد
iStock\ تحمل البرد

هل نرث التكيف مع البرد؟

عادةً ما تظهر الشعوب الأصلية التي تتأقلم مع البيئات الباردة تكيفات تحافظ على دفء أجسادها لفترة أطول، وفقاً لدراسات حول تكيف الإنسان مع الجو البارد.

في الدراسات التي أجريت على شعوب الإنويت في القطب الشمالي واللاب النرويجي، كانت أنواع الاستجابات التي تعرضوا لها بسبب البرد لكامل الجسم هي نفسها التي عاشها الأشخاص في المناخات الأكثر دفئاً. إذا أصبح الجو بارداً جداً، فسوف يرتجفون، على سبيل المثال، لكن استجاباتهم كانت أقل وضوحاً. وهذا يعني أنه يمكن أن يصبح الجو أكثر برودة قبل أن يبدأوا بالارتعاش؛ وبالتالي فهم يظهرون قدرة على تحمل البرد أكثر من أولئك الذين يعيشون في مناطق أقل برودة. 

في المتوسط، كانت بشرتهم أكثر دفئاً، وكان تدفق الدم إلى أطرافهم أكبر. ومع ذلك، عندما نظرت الدراسة إلى أطفال تلك المجموعات، وجدت أنهم لم يتأقلموا مع الجو البارد مثل البالغين.

وتشير الدراسة إلى أن التأقلم مع البرد ليس وراثياً، بل يأتي نتيجة التعرض له مع مرور الوقت. وقد أظهرت دراسات أخرى أن هناك بعض العوامل الوراثية للتكيف مع البرد أيضاً. 

هل الشعور بالبرد يجعلنا أكثر صحة؟

بالنسبة لمعظمنا في العصر الحديث، فإننا نعاني من التعود على البرد وليس التأقلم الكامل لأننا نغير سلوكياتنا من خلال ارتداء المزيد من الملابس، والعيش في منازل دافئة، وقيادة السيارات المكيفة، والعمل في مكاتب دافئة. لكن موضوعات بحثية مثل دراسات الدهون البنية التي أجراها لين حول الأمراض الأيضية، والبحث في الفوائد الصحية للتعرض للبرد مثل الغطس في الماء البارد أو الاستحمام البارد، تثبت أن التكيف مع البرد يمكن أن يحسن صحتنا بشرط مراعاة عوامل الأمان عند التعرض للبرد.