أوكرانيا تستدعي قوات الاحتياط رغم ضعفها مقابل روسيا

أوكرانيا تستدعي قوات الاحتياط رغم ضعفها مقابل روسيا

زمن برس، فلسطين:  أعلن الجيش الأوكراني اليوم، الأربعاء، أنه قرر استدعاء جنود الاحتياط، بعدما أمرت روسيا قواتها بالاستعداد لدعم المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في شرق البلاد. إلا أنه لا توجد خيارات تذكر أمام الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في وجه نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الذي قد يتسبب هجوم يأمر به بخسارة أوكرانيا أراضي تابعة لها، للمرة الثانية منذ العام 2014.

وقالت القوات البرية الأوكرانية في رسالة على فيسبوك إنه "سيتم استدعاء جنود الاحتياط الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و60 عاما. والتعبئة ستبدأ اليوم. والحد الأقصى لفترة الخدمة هو عام واحد".

ولدى أوكرانيا أكثر من 200 ألف جندي احتياط، بالإضافة إلى 250 ألفا من القوات المسلحة النظامية. وقد يترتب على رفض الالتحاق دون سبب وجيه "عقوبات إدارية وجنائية"، كما أوضحت القوات المسلحة. وكان زيلينسكي قد استبعد، أمس، في خطاب متلفز "تعبئة عامة".

وأعلن الجيش الأوكراني، اليوم، مقتل أحد جنوده وإصابة 6 آخرين جراء إطلاق نار من قبل الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونباس شرقي البلاد.

ودعت أوكرانيا، اليوم، مواطنيها إلى مغادرة روسيا في أقرب وقت ممكن على خلفية "تصعيد العدوان الروسي على أوكرانيا" كما جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية. ويعيش حوالى ثلاثة ملايين أوكراني في روسيا، وفق التقديرات الأوكرانية.

من جانبها، أعلنت روسيا، أمس، إجلاء دبلوماسييها من أوكرانيا، متهمة السلطات الأوكرانية بعدم القيام بما هو ضروري لضمان سلامتهم. وتأتي هذه القرارات بعد اعتراف بوتين باستقلال منطقتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا.

أوكرانيا بلا خيارات مقابل روسيا

يجد زيلينسكي نفسه من دون خيارات تذكر في وجه بوتين، الذي أمر، أول من أمس، بإرسال قوات إلى شرق أوكرانيا لدعم مطالب انفصاليين موالين للروس في هذه المنطقة.

ولا تزال العواصم الغربية تحاول البت في ما إذا كان هذا الانتشار يشكل عملية الغزو التي توقعتها، لتمضي قدما في فرض عقوبات قاسية وواسعة النطاق على موسكو. وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، مساء أمس، إن ما يحصل هو "بداية غزو"، فارضا دفعة أولى من العقوبات على روسيا على غرار دول اخرى.

ومن شأن توجيه روسيا ضربة قوية جدا وخاطفة أن تترك حلفاء أوكرانيا أمام هامش ضيق لفرض عقوبات لاحقة، لا سيما في حال حصول تحرك منسق لنحو 150 ألف جندي روسي منتشرين عند حدود أوكرانيا.

ويواجه زيلينسكي، المدعوم من الاتحاد الأوروبي وواشنطن، معضلة أكبر. فإزاء الرأي العام، لا يمكنه أن يتخذ موقف المستسلم في وجه قرار بوتين بالسيطرة على جزء من أراضي بلاده. لكنه ليس قادرا على تحدي القوات المسلحة الروسية المتفوقة كثيرا على نظيرتها الأوكرانية أو المجازفة باندلاع حرب أوسع في بلاده.

ورأى مدير مركز "بنتا" للدراسات السياسية في كييف، فوولديمير فيسينكو، أنه "تقلصت خيارات زيلينسكي بشكل كبير. وبات الهدف الرئيسي الآن تجنب وقوع حرب واسعة. ويتمثل الهدف الرئيسي بمنع امتداد الحرب خارج الجبهة الحالية" إلى مناطق أخرى من شرق أوكرانيا أو بقية البلاد.

 

ولا تزال صدمة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم العام 2014 تلازم الأوكرانيين. فقد أرسل بوتين حينها جنوده للسيطرة على المنشآت والإدارات الرئيسية في هذه المنطقة. وخسرت أوكرانيا كل أسطول البحر الأسود تقريبا وكل المنطقة من دون إطلاق رصاصة واحدة.

وتوقع المحلل السياسي المستقل، ميكولا دافيديوك، أن مسيرة زيلينسكي السياسية القصيرة ستنتهي سريعا، في حال رضخت أوكرانيا أمام القوات الروسية بالطريقة نفسها. وأضاف أنه "في حال بدأ القيام بتنازلات لروسيا لن يتمكن من الاحتفاظ بالرئاسة".

وأعلن زيلينسكي، أمس، أنه يدرس قطع العلاقات الدبلوماسية مع موسكو. وحض الدول الغربية كذلك على فرض عقوبات صارمة على روسيا فورا. وقال لصحافيين إنه "من الناحية القانونية أرى أن العدوان بدأ".

وعلى الصعيد العملاني، قدرة أوكرانيا على الصمود في وجه روسيا غير واضحة. وتنتشر القوات الأوكرانية على طول خط الجبهة الذي يمر بدونيتسك ولوغانسك، المعروفتين باسم دونباس والتي يسيطر الانفصاليون الموالون لروسيا على ثلثها.

إلا أن بوتين أعلن، أمس، استقلال هاتين المنطقتين بالكامل بما يشمل المساحات التي تسيطر عليها كييف. ويرى بعض المحللين أن ذلك قد يعني أن موسكو تستعد للسيطرة بالقوة على باقي مناطق دونباس.

وفي حين يبدو أن هجوما أوكرانيا على القوات الروسية في دونباس غير واقعي، بات الجيش الأوكراني، الذي كان منهارا لدى بدء الحرب مع الانفصاليين الموالين لروسيا في 2014، خصما أكثر خبرة وتدريبا بفضل الدعم الغربي خصوصا.

وحذر فيسينكو من أنه "لن نشهد تكرارا لما حصل في القرم. لن يكون هناك انسحاب أو تنازل عن أراض. سنشهد حربا فعلية".

وقبل الاعتراف باستقلال "الجمهوريتين" الانفصاليتين، ذهب الرئيس الروسي إلى حد القول إن أوكرانيا كيان مصطنع نجم عن خطأ ارتكبه الاتحاد السوفياتي.

ويرى أناتولي أوكتيسيوك، المحلل في مركز Democracy House، أن الكرملين يسعى إلى رسم خطوط حمراء رافضا رفضا قاطعا أن تكون أوكرانيا موالية للغرب. وأكد أن "بوتين لن يتخلى عن أوكرانيا. ويقوم بمزايدات". وأضاف المحلل السياسي دافيديوك أن "خطاب بوتين هو إعلان حرب وليس إعلان دعم لاستقلال انفصاليين".

غموض بوتين يعقد رد واشنطن

قالت وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تراس، اليوم، إن هناك "احتمالا كبيرا" بأن يشن بوتين غزوا شاملا على أوكرانيا ويهاجم العاصمة كييف.

واستشهدت بريطانيا والولايات المتحدة مرارا، خلال الأسابيع الماضية، بمعلومات استخباراتية تشير إلى أن روسيا تخطط لغزو أوكرانيا. وأضافت تراس لشبكة "سكاي نيوز"، أنه "نعتقد أن هناك احتمالا كبيرا أن يمضي (بوتين) قدما في مخططه لغزو شامل لأوكرانيا".

وردا على سؤال عما إذا كان بوتين سيدخل كييف، قالت تراس "نعتقد أن ذلك محتمل جدا". وأضافت تراس أنه فيما قال بوتين إنه سيرسل قوات، فإنه "ليس لدينا حتى الآن الدليل الكامل على حدوث ذلك"، واصفة الوضع الحالي بأنه "مبهم".

وقالت تراس إن بريطانيا تحتاج إلى "الإبقاء على بعض العقوبات غير معلنة"، وأن ولديها "المزيد من الأفراد الذين سنستهدفهم في حال حدوث غزو شامل".

ويعقد غموض بوتين، الذي أمر بإرسال "قوات لحفظ السلام" إلى المناطق الانفصالية في شرق أوكرانيا، رد واشنطن. ولأسابيع، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن موسكو ستواجه عقوبات "لم تشهد مثيلا لها من قبل" ما إن تطأ قدم أول جندي روسي أرض أوكرانيا.

وقال بوتين، أمس، إنه "لم أقل إن جنودنا سيذهبون إلى هناك الآن (...) هذا الأمر مرتبط كما نقول، بالوضع على الأرض". وعقدت هذه الرسالة المبهمة رد فعل الولايات المتحدة، لأنه لم يتم تأكيد وجود جنود روس في أوكرانيا ولأن الإدارة الأميركية تخشى أن يحرم فرض عقوبات قصوى في وقت مبكر جدا، بوتين من سبب للتراجع.

وجاء رد الفعل الأول لواشنطن، أول من أمس، حذرا وتمثل بعقوبات فرضت على المنطقتين الانفصاليتين. وأثار مسؤول أميركي كبير شكوكا في مدى حزم الولايات المتحدة، بقوله إن دخول جنود روس إلى دونباس "لن يكون أمرا جديدا" لأنهم هناك، بدون مظاهر واضحة، منذ ثماني سنوات.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، جون كيربي، إنه "لا يمكننا تأكيد" وصول جنود روس الى دونباس.

من جهتها، أصرت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، خلال مؤتمر صحافي على أنه "سواء كانوا يرتدون بزات عسكرية أو لا، إنهم هناك منذ 2014"، متهربة من الرد على الأسئلة حول ما تغير على أرض الواقع منذ الإثنين الفائت. واكتفت بالقول إنه "لا يمكنني أن أقدم لكم أي تقييم إضافي في هذا الشأن في هذه المرحلة".

ولتجنب أن تبدو ضعيفة، سعت الإدارة الأميركية إلى توضيح أن مقاربتها للعقوبات التي تتفاوض بشأنها بشكل وثيق مع الدول الأوروبية الحريصة على حماية اقتصاداتها، ستكون تدريجية.

واتهمت الصين، اليوم، الولايات المتحدة بتصعيد الأزمة في أوكرانيا. وقالت هويا تشونيينغ، وهي ناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية أمام الصحافيين، إن "الولايات المتحدة تواصل بيع أسلحة لأوكرانيا، ما يزيد التوترات ويثير هلعا كما أنها تعبث بجدول حرب".

وأضافت أن "السؤال الرئيسي هو ما الدور الذي أدته الولايات المتحدة في التوترات الحالية في أوكرانيا"، وقالت إن "صب الزيت على النار واتّهام الآخرين، هو تصرّف غير أخلاقي وغير مسؤول".