الحذر من الوحل الغزي

روبيك روزنتال

إحساس مقلق من تكرار التجربة ينشأ عن التأييد الجارف في حملة 'عمود السحاب' في ايامها الاولى. ويذكر بالتأييد الكامل لحرب لبنان الاولى والثانية في ايامهما الاولى وكذا في 'رصاص مصبوب'.

وثمة للتأييد بالطبع جانب من العدالة: قطاع غزة بفصائله يهاجم بلا توازن بلدات في غلاف غزة، وزعماؤه يوضحون بان دورهم التاريخي هو القضاء على 'الكيان الصهيوني'.

غزة هي الجهة المبادرة، واسرائيل فقط تدافع عن نفسها وعليها أن تعود لتأخذ المبادرة.

كما أن للتأييد أساسا نفسيا كاملا: عند الطوارىء ينشأ تضامن فوري وعميق مع المقاتلين ومع القادة العسكريين الذين ينطلقون نحو الحرب. الاحساس المقلق هو أن تكرر المرحلة التالية نفسها أيضا: التأييد للزعماء يهتز، الثقة في أن تكون الخطوة مبررة وتدار بالطريقة المناسبة تتبدد، الزعماء لا يعرفون متى ينهون الخطوة، والقضاة والجنرالات المتقاعدون سيخرجون من الخزانة بدلات لجان التحقيق التي سيعينون فيه تحت ضغط الرأي العام.

سياق كهذا للامور، اذا ما حصل، لا يرتبط بما يسمى 'الحصانة الوطنية'.فالحصانة الوطنية ليست في خطر.

وكما لم نرَ هروبا كثيفا من الجنوب على مدى السنوات الاخيرة، او هروبا من الشمال في أعقاب حرب لبنان الثانية، او هجرة متصاعدة من البلاد لن نرى ذلك في المستقبل المنظور ايضا.

نحن الاسرائيليين نتمسك بأرضنا، بأماكن سكنانا، أحيانا باحساس بانعدام البديل وأحيانا باحساس من العزة والثقة، ولكن هذه هي طبيعة الانسان.

وهذا، بالمناسبة، هو وضع الامور في قطاع غزة ايضا. هناك أيضا توجد 'حصانة وطنية' ولا يمكن لاي حملة عسكرية أن تهزها، وربما العكس.

الفارق بيننا وبين دولة غزة هو أن الديمقراطية الاسرائيلية تسمح حتى بمرحلة الذوبان، طرح الشكوك، طرح الاسئلة.

وفي صالح الاسرائيليين ينبغي القول انه لا تنطلق أصوات هامة تدعو الى تقييد هذه الديمقراطية، رغم أثمانها. فالديمقراطية هي جزء من الحصانة الوطنية. ولكنها تضع امام المنطلقين نحو الحرب، أي، رئيس الوزراء ووزرائه، عدة قيود لا ترى. إذا ما اجتازوها، فستعود متلازمة الايام الاولى فتكرر نفسها، والايام التالية ستكون صعبة اكثر بكثير ليس فقط في الرأي العام العالمي، بل وفي الرأي العام المحلي أيضا.

حتى الان تدار هذه الحملة بعقل وبذكاء. امكانية احتلال القطاع من جديد، أي، الغاء فك الارتباط، ليس على جدول الاعمال.والهدف محدد ودقيق: السلاح الوحيد (باستثناء العمليات الانتحارية التي ليس صدفة أنها لا تخرج الى حيز التنفيذ) لحماس، مثلما لحزب الله في الشمال ايضا، هي الصواريخ. كل مخزن، وسيلة اطلاق او صاروخ يدمر، يقلص قدرة الاصابة المستقبلية.

كل اتفاق هدنة، مهلة، من موقف قوة اسرائيلية، هو حماية لبلدات الجنوب. كل منع مستقبلي لتسلل الصواريخ الى القطاع هو حماية لبلدات الجنوب. حتى الان كانت بعض انجازات الحملة، في الرأي العام الدولي أيضا، هي طابعها الجراحي.

والانتقال الى عملية كثيفة سيحطم هذا التوازن الدقيق، ومشكوك أن يحل مشكلة الصواريخ. الاف القتلى الفلسطينيين، وعشرات، وربما مئات، القتلى الاسرائيليين مشكوك أن يدمروا صاروخا واحدا، ولكنهم سيجعلون الحملة مهزلة وفي المرحلة التالية وحلا غزيا سميكا.

الحصانة الوطنية ستبقى، مشكوك أن تبقى قدرة الردع والثقة بحكمة الزعماء.

معاريف